الجديد برس|
قامت صحيفة الغارديان بتقييم الهجوم الإيراني على “إسرائيل” وكتبت هذه الصحيفة الغربية: “كان رد إسرائيل محدودًا بشكل مدهش، ولقد قللت إيران من أهمية الغارات الجوية التي نفذت يوم الجمعة على قاعدة عسكرية بالقرب من أصفهان وأهداف أخرى، ولم تؤكد أن الضربات جاءت من خارج حدودها.
وفي الوقت نفسه، التزمت السلطات الإسرائيلية الصمت بشكل غريب، والآن يبدو أن كل شيء قد انتهى بين الطرفين، إذا كان هذا صحيحا، فهذا علاج مؤقت، فبعد المحاولة لصد هجوم جوي إيراني غير مسبوق وواسع النطاق على “إسرائيل”، طلب الرئيس الأمريكي جو بايدن من رئيس وزراء هذا الكيان أن يخفف حدة العنف.
ولكن يبدو أن نتنياهو لا يملك مثل هذا التوجه وهذا النهج، وهو يلجأ غريزيا إلى القوة، وبينما طلب المتطرفون الإسرائيليون من نتنياهو الرد بجدية، لكن يمكن القول إن رده يوم الجمعة الماضي أظهر أن كلمة الولايات المتحدة لم يتم تنفيذها وما لا شك فيه أن المساهمات والدعم التي قدمتها أمريكا للدفاع عن “إسرائيل” في نهاية الأسبوع الماضي لا يمكن تجاهلها، سيكون من الحماقة افتراض أن هذه هي النهاية، ولا يزال العداء الداخلي، السياسي والأيديولوجي، يؤلب عدوين ضد بعضهما البعض، ويمكن القول إن الجانبين فتحا صندوق باندورا للمواجهة بينهما، ولقد انكشفت حرب الظل التي يخوضها الطرفان منذ سنوات إلى النور، والآن تستطيع إيران مهاجمة “إسرائيل” مرة أخرى في أي وقت، بشكل مباشر أو غير مباشر.
إن الجمود بين “إسرائيل” وإيران متشابك بشكل لا ينفصم مع الصراع الفلسطيني، والآن يواجه الغرب معضلة صعبة، لقد تبنى وزير الخارجية البريطاني فعلياً نهجاً أحادياً، ولكن بواجهتين مختلفتين، ولكن على أي حال، تحاول تل أبيب التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، وهو ما لم يصل بالطبع إلى أي مكان، وقد يكون أحد أسباب هذا الفشل هو إحجام حكومة ريشي سوناك عن الاستفادة من مبيعات الأسلحة البريطانية لـ”إسرائيل”، وهناك سبب آخر يتلخص في رفض كاميرون إدانة الهجوم الجوي الذي شنته “إسرائيل” في الأول من إبريل/نيسان على المقر الدبلوماسي الإيراني في دمشق، والذي أدى إلى اغتيال كبار القادة الإيرانيين.
ويقول خبراء الأمم المتحدة إن هذا الهجوم ينتهك القوانين الدولية، واعترف كاميرون الأسبوع الماضي بأن بريطانيا سترد “بقوة” إذا تعرضت القنصلية البريطانية لهجوم مماثل، لكنه لم يستطع إقناع نفسه بالاعتراف بخطأ “إسرائيل” في هذا الهجوم، هذا الموقف الافتراضي المؤيد لـ”إسرائيل” هو الذي يميز موقف العديد من الحكومات الغربية التي تناست الأصوات التي تتحدث عن مخاطر التصعيد المفاجئ، ولقد قامت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها بتنسيق الطائرات الحربية لتكملة الدفاعات الصاروخية المتقدمة.
ليس من الصعب أن نرى أين تقف أوكرانيا عندما نقوم بتقييم التطورات على نطاق أوسع من خلال عدسة الفائزين والخاسرين، لقد واجهوا مرة أخرى نفاق الغرب ومعاييره المزدوجة، ولأكثر من عامين، أرادوا الحصول على غطاء جوي من حلف شمال الأطلسي ودفاع صاروخي مناسب ضد الهجمات الروسية، لكن “إسرائيل” هي التي تلقت على الفور هذا الدعم، لقد تحطمت سياسة الردع الإسرائيلية الشهيرة بسبب الهجوم الإيراني، وتحطمت أسطورة “إسرائيل” الحصينة المنيعة، ومن ناحية أخرى، لا يزال هناك أكثر من 130 رهينة في غزة، ويبدو أن حماس لا تقهر، كما تزايد الاستياء من نتنياهو في “إسرائيل”.
أما بالنسبة لبايدن، فقد بدأ أخيراً في إعادة الأمور إلى نصابها بعد سوء التعامل مع أزمة ما بعد الـ7 من أكتوبر، لكنه لم ينته بعد، وتؤدي إيران إلى تعقيد المعضلة الشاملة التي يواجهها بايدن في الشرق الأوسط. ومن الناحية السياسية، لا يستطيع بايدن أن ينأى بنفسه عن “إسرائيل”، لكن قيادة نتنياهو خطيرة وسامّة وقد تعطل حملة بايدن.
في الأسبوع الماضي، تمزق الشرق الأوسط بسبب التوترات ولكن لم تشتعل نيران الحرب المتوقعة في المنطقة حتى الآن، ويبدو أن حجة قوية قد ظهرت مفادها بأن حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو المفتاح لحل القضايا الأخرى في منطقة الشرق الأوسط. سوف تستهلك هذه القضية الكثير من الوقت والطاقة والموارد الدبلوماسية؛ فهو يسمم الكيان الدولي ويخل بتوازن السياسة الغربية، وهذا الوضع سوف يصب في مصلحة جهات فاعلة مثل إيران، وفي عالم اليوم المترابط، أصبحت المعارضة الإسرائيلية القصيرة النظر لإقامة دولة فلسطينية مستقلة تشكل مشكلة للجميع.
على الرغم من ضبط النفس هذا، ترى الصحيفة أن الوضع لا يزال محفوفا بالمخاطر، وخصوصا مع استمرار العنف في أجزاء مختلفة من المنطقة، بما في ذلك غزة والضفة الغربية وعلى طول الحدود اللبنانية، ووفقاً لأقوال مسؤولين أمريكيين، فإن إسرائيل – التي لها تاريخ في اغتيال شخصيات إيرانية – لم تدرك أن ضرب كبار قادة الحرس الثوري في القنصلية الإيرانية في سوريا من شأنه أن يثير رد فعل إيراني قويًا.
وبحال كان الأمر كذلك، فهذا يعني أن “إسرائيل” أساءت تقدير العواقب، ورد الفعل الإيراني الذي جاء في هيئة أول هجوم مباشر على “إسرائيل”، يشكل تحولا لافتا عن سياستها السابقة المتمثلة في استخدام الوكلاء للرد على “إسرائيل”، وعلى الرغم من أن وابل الطائرات المسيرة والصواريخ كان ضخمًا وغير مسبوق، إلا أن الإشعار الذي قدمته إيران للولايات المتحدة قبل الهجوم ساعد في اعتراض الكم الأكبر من الهجمات قبل وصولها إلى “إسرائيل”؛ ما ضمن أن الضرر كان في حده الأدنى.
وذكر المقال، أنه ورغم حث الرئيس الأمريكي جو بايدن، “إسرائيل” على الامتناع عن الانتقام، يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضغوطًا داخلية من شركائه اليمينيين في الائتلاف الحكومي، للتصعيد في غزة وضد إيران ووكلائها.
وأضافت الغارديان تقول: “إن ما يزيد الوضع تعقيدا، وجود ضغوط طويلة الأمد لمواجهة البرنامج النووي الإيراني سريعا، وبموازاة ذلك، ربما تدفع العناصر المتشددة داخل النظام الإيراني نحو اتخاذ موقف أكثر عدوانية؛ ما قد يؤدي إلى تصعيد التوترات بشكل أكبر”.
وفي ظل هذا المشهد الإقليمي المحفوف بالمخاطر، ثمة حاجة ملحة لبذل جهود لوقف التصعيد، ولا سيما في غزة، وعلى الرغم من دعوات ضبط النفس الصادرة عن شخصيات دولية مثل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، يواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التهديد بغزو وشيك لرفح جنوب القطاع.
ورغم أن العقوبات الأخيرة المفروضة على المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية تمثل خطوة إيجابية، إلا أنه من الضروري اتخاذ المزيد من الإجراءات لتخفيف التوترات، ووفق “الغارديان”، فإنه يتعين على “إسرائيل” وشركاء إيران ممارسة الضغوط من أجل ضبط النفس، ولا سيما في هذا الوقت الذي انقلبت فيه القواعد والترتيبات القديمة في المنطقة، وبدأت مرحلة جديدة يلفها الغموض وعدم اليقين.