تقارير

30 شهيداً و70 مختطفاً وسحل جثث ستة مواطنين.. التوحش الثاني يجتاح أحياء تعز الغربية ( تقرير )

الجديد برس

 

إنَّ الذي يتابِعُ السلوكَ البشريَّ، يكتشفُ أن الإنْـسَــانَ هو أكثرُ الكائناتِ وحشيةً على الأرض، فالوحوشُ تدفعُها غريزةُ حُبِّ البقاء للقتل، إما ذوداً عن صغارها أَوْ إشباعاً لجوعها، بينما الإنْـسَــانُ يقترفُ أبشَـعَ جَــرَائِـم القتل ليثبت لضحيته مدى قوته؛ إشباعاً لغروره ورغباته الانتقامية.

الوحوشُ لا تقتُلُ من كان من نفْسِ فصيلتها، بينما الإنْـسَــان لا يستهدفُ سوى بني جنسه.

لهذا فإن ما تعرَّضَ له أَبْـنَــاء مدينة تعز في منطقة “بير باشا”، ومنطقة “الحصب”، ومنطقة “وادي الدحي”، من جَــرَائِـم بربريةٍ وحشية على أيادي مرتزقة وعملاء العُــدْوَان الأمريكي السعودي، هو إثباتٌ لا يقبَلُ الشكَّ أن الإنْـسَــان يمتلكُ من الوحشية ما يجعل أبشعَ وحوش البراري كائناً مسالماً مقارَنةً بما يقترفه هذا الإنْـسَــان من جَــرَائِـمَ.

لم أقصدْ هُنا التعميمَ والشمولية، بإضافتي “ال” التعريف في كلمة الإنْـسَــان، بقدرِ ما كنتُ أوجِّــهُ كلماتي لأولئك الوحوشِ المؤنسنة في هذه المدينة المذبوحة، الذين ما انفكّوا عن ضجيجِ حملاتهم الطارقة لضمائر كُـلّ سُكّان الكرة الأرضية، والمطالَبة بفك الحصار عن تعز، مستخدمين في تلك الحملات كلمةَ الإنْـسَــان بكافة مرادفاتها وتصريفاتها واشتقاقاتها اللغوية، للدرجة التي اختزلوا فيها اللفظَ الشكلي لهذه الكلمة كهُويةٍ لشخوصهم؛ من أجل الترويج لحصارٍ واقعه افتراضيّ غير موجود سوى في نشرات الأخبار على شاشات العربية والحدث والجزيرة ودكاكينهم الفضائية.

فهل يقترفُ الإنْـسَــانَ في معناه الحقيقي المعروف في كُـلّ ِمجتمعات الدنيا، ما اقترفه إنْـسَــانُهم في تعز من جَــرَائِـمَ وحشية تحت عنوان “معركة كسر الحصار المزعوم عن تعز”؟!، بالتأكيد لا يقترفها الإنْـسَــان بمعناه الحقيقي، ولكن يقترفها الإنْـسَــان بمعناه الشكلي، والمخلوق بأحقاد هؤلاء الرعاع، وبرابرة هذا العصر.

قافلةُ موتٍ إغاثية

وفي جمعةٍ دمويةٍ، قام ثالوثُ الإجْــرَام “مليشيات الإصْـــلَاح”، وَ”مسلّحو تنظيم القاعدة”، وَ”عناصر تنظيم داعش”، بشنّ هجومٍ على الأحياء الغربية لمدينة تعز؛ سعياً منهم للسيطرة على البوابة الغربية للمدينة، وفتح الطريق أمام الغزاة القادمين من عدن، وأثناء دخولهم المدجج بالموت والتَّـوَحُّـش لأحياء تلك المنطقة، رافعين رايات النصر والتحرير، كاسرين الحصار عنها كما يزعمون، باشروا بتوزيع الموت والذبح على ساكنيها، وكأنها أكياس معونةٍ جادت بها قافلتهم الإغاثية الكاسرة لهذا الحصار، قابضين ثمنها نهباً لمنازل وبيوت ومحلات سكان هذه الأحياء.

مَن يتباكى على حصارٍ مزعوم من نسج عقله المريض، تعاطفاً مع سكان مدينة تعز، خشية موتهم جوعاً، حَريٌّ به إشباع جوعهم الذي يدعيه، لا إنهاء معاناتهم بالقتل، وكأن الحال وصل بسكان المدينة حد اليأس؛ ليكون قتلهم من باب الإشفاق عليهم، بمنحهم رصاصات الموت الرحيم.

الأبشعُ من ذلك، هو أنَّ هذا الثالوث الإجْــرَامي لم يتوقف سقف عطائه عند هذا الحد من النبل، فلم يكفِه القتل، بل أمعن وأوغل فيه لمستوياتٍ لم يعد فيها فعل القتل بذاته يهدّئ نوبة التَّـوَحُّـش التي تتملكهم، حتى عمَدوا لتنويع طرقه وأساليبه لدرجةٍ فاقت حدود خيال مخرجي أفلام الرعب.

التَّـوَحُّـش الثاني ينهش تعز

لم تكن هذه الجمعة الدموية أولَ حادثةٍ على هذا المستوى من التَّـوَحُّـش تحصل في تعز، بل كان التَّـوَحُّـش الثاني الذي يفترس أَبْـنَــاءَها، ولكن هذه المرة كان الاستهدافُ على نطاقٍ أشمل وأوسع، من حادثة التَّـوَحُّـش الأولى التي حصدت أرواح “21 شهيداً”، و”20مختطفاً” لم يعرف مصيرهم حتى الآن، من آل الرميمة في عملية التطهير العرقي التي تعرضوا لها.

وتشير الاحصائيات الأولية لضحايا جَــرَائِـم هذا الثالوث الدموي التي ارتكبوها يوم الجمعة في توحشهم الثاني بحق أَبْـنَــاء الأحياء الغربية لمدينة تعز، أن عدد القتلى وصل قرابة “30 شهيداً”، جميعهم من أَبْـنَــاء حي “بير باشا”، وحي “الحصب”، وحي “وادي الدحي”، تم اعتقالهم من منازلهم واقتيادهم إلَـى المجمع القضائي في حي الجمهوري، المقر الرئيسي لتنظيم القاعدة، حيث اعدموا هناك ميدانياً وتعليق جثثهم أمام مرأى الجميع، وبلغ عدد المعتقلين المختطفين الذين لم يحدد مصيرهم حتى الآن قرابة “70 مختطف”، من سكان وأهالي الأحياء الغربية أيضاً، وأكدت المصادر الميدانية أن هذه التنظيمات قامت بإعْــدَام ستة أشخاص وسحل جثثهم بالدراجات النارية في شوارع المدينة، عُرِفَ منهم المواطن وليد هزاع الصبري والذي راح ضحية كلمة “اتقوا الله”، قالها حين شاهد إعْــدَام عاقل حارة “بير باشا” عبدالإله محمد المخلافي وولده الصغير، والمواطن “فضل الأهدل” الذي تم إعْــدَامه وسحله على خلفية انتمائه للأسر الهاشمية، كما عرف من المواطنين الذين تم إعْــدَامهم ميدانياً، المواطن “أحمد حميد العواضي”، ومن المختطفين “عبدالواسع البركاني” عضو اللجنة الدائمة بالمؤتمر الشعبي العام، والمواطن “باسم الخليدي”، والمواطن “محمد الذماري”، والمواطن “محمد الوادعي”، والمواطن “علي عبدالوهاب”، والمواطن “أحمد عبدالباقي”، هذا بالإضافة إلَـى نهب واقتحام واحراق العشرات من المنازل في تلك الأحياء.

جَــرَائِـم التَّـوَحُّـش دلالات وارتباطات

ومن خلالَ التمعُّن في مجريات هذه الجَــرَائِـم الوحشية التي أثارت سخطَ وغضب الشارع الـيَـمَـني، سيدرك المتابع أنها لم تكن وليدة المصادفة، وليست مُقتَرَفة بشكلٍ ارتجالي آني، بقدر ما هي معدة سلفاً، وبعشوائيةٍ موجهةٍ ومدروسة.

لأن تأريخَ الـيَـمَـن الحافل بالصراعات والنزاعات والحروب الداخلية منذ مئات السنين، يثبت قطعاً أن هذا التَّـوَحُّـش وهذا المستوى من الإجْــرَام، غير موجود على الإطلاق في ثقافة الصراع لدى الـيَـمَـنيين، ولم تحصل مثل هذه الجَــرَائِـم في أيْ صراعٍ نشب أَوْ اقتتالٍ حدث بينهم.

وهذا دليل على أنّ هذا التَّـوَحُّـش وهذا المستوى من الإجْــرَام هو سلوك شاذ دخيل على المجتمع، ولم يعرفه الـيَـمَـنيون إلا منذ أن ظهرت هذه التنظيمات الإجْــرَامية والتطرف الوهابي المقيت.

ومن جهةٍ أخرى، لو سلّمنا جدلاً أن هذا الثالوث يدافع عن المدينة فعلياً من منطلق الانتماء والمحبة، فهل من المنطق أن يقوم هؤلاء بمثل هذه الجَــرَائِـم البربرية بحق أبنائها لمجرد الشكوك في انتماءاتهم؟

لأن الغيرةَ على الأرض في حالات الدفاع عنها، يكفيها قتل العدو أثناء المعركة والانتصار، لكن الإمعان في القتل بهذه البشاعة والتنكيل بالجثث يتعدى مسألة الانتماء والدفاع عن الأرض مهما كانت المبررات.

لان الانتماء والدفاع عن الأرض صفات حميدة تدل على شهامة ونبل حاملها، وتعد جزء من منظومة القيم والأخلاق، بينما الذبح والحرق والسحل والتنكيل بالجثث صفات قذرة لا يقترفها سوى الأنذال، فكيف ينسجم هذا التناقض فيما يقترفه هؤلاء الرعاع بمدينة تعز وبسكانها؟

وبما أنّ هذا الثالوثَ مدعومون مالياً وعسكرياً من قبل دول تحالف العُــدْوَان الأمريكي السعودي على الـيَـمَـن، ويأتمرون بأمرهم، فهذا يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، أن ما يقترفونه من جَــرَائِـم في تعز وغيرها من المناطق الـيَـمَـنية، ليس إلا وفق المخطط المعدّ لهم.

وهذا يعودُ بنا لخطاب السيد القائد في ذكرى المولد النبوي، حين نبّه وحذّر من المخطط الأمريكي الذي يستهدف الأمة بأكملها من عبر أدواتها في المنطقة المتمثلة في هذه التنظيمات التي تلعبُ دوراً وظيفياً لصالح هذا المخطّط، من خلال إثارة الحروب الطائفية واقتراف الجَــرَائِـم الوحشية لترعيب الشعوب، كي يندفعوا نحو أمريكا ويستنجدوا بها لإنقاذهم من هذه التنظيمات الإجْــرَامية ووحشيتهم.

صدى المسيرة/ حسين الجنيد