الجديد برس : تقرير / حسين الجنيد
- المرتزقة هم عصابات جوالة غير شرعية تحتفظ بها الأنظمة في دهاليز الممارسة السياسية القذرة لمباشرة الأعمال الهمجية والوحشية ضد العدو بما في ذلك الشعب الذي تدعي هذه الأنظمة أنها تحميه. ويُقدر عدد منظمات المرتزقة في العالم بأكثر من 300 ألف منظمة. ولهم في كل بلد مصطلح يدلل عليهم، ففي مصر عُرفوا بالبلطجية وبالمرتزقة في بلاد عربية أخرى.
للمرتزقة مساري عمل لا ثالث لهما، فهم يمارسون أعمال قذرة داخل بلدانهم أو قد يتم استجلابهم لبلدان أخرى لممارسة نفس المهام.
وتأتي الولايات المتحدة الأمريكية على رأس قائمة الدول الحافلة بهذه المنظمات والشركات التي تقوم بتجنيد المرتزقة واستخدامهم في الحروب التي تشنها بالوكالة، على الدول والأنظمة المعارضة لمشاريعها الإمبريالية في العالم.
حيث لم تكتف الولايات المتحدة برفض التوقيع على الاتفاقية التي أدرجت كافة الشركات الأمنية والعسكرية ضمن قوائم المرتزقة المحظورة، بل ساهمت في تقديم الغطاء الدولي لها، وتعاقدت معها في جميع حروبها التي خاضتها في دول أخرى كفيتنام والعراق وأفغانستان.
ففي العراق تم إحصاء 100 ألف مرتزقٍ متعاقد وفقًا لصحيفة “الواشنطن بوست”، وهو كما تقول الصحيفة “رقم مقارب لعدد القوات الأمريكية المنتشرة هناك في ذلك الحين”، والرقم المنشور يمثل عشرة أضعاف المتعاقدين في حرب الخليج عام 1991م. كما نشرت بعض المواقع الغربية عن وجود نحو 30 ألف متعاقد في أفغانستان فقط.
وكشفت دراسةٌ للكونجرس “أن 65% من القوات التي ترسلها وزارة الدفاع الأمريكية لأفغانستان، هي لشركات أمن خاصة”، كما كشفت “أن شركات الأمن الخاصة تشكل نسبة 29% من قوة وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) وتقتطع ما بين 50% إلى 60% من ميزانيتها”.
وجاء ضمن نفس الدراسة “أن وكالة الأمن القومي (إن إس أي) توظف نحو 480 شركة أمن خاصة”. ولا يتم نشر إحصائيات القتلى من المرتزقة الذين يعملون للشركات الأمنية كقتلى ضمن الجيوش الرسمية بل تبقى أعدادهم حبيسة السجلات الغير معلنة، حيث يقدِّر باحثون” أن أكثر من 1000 مرتزق قد لقوا حتفهم في العراق و2500 قتلوا في أفغانستان”.
“داين كورب” الوجه الجديد
وفي افتتاحيتها نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، خبر تعاقد دولة الإمارات مع شركة داين كورب وذلك للقتال بالنيابة عنها في اليمن، حيث أكدت الصحيفة بحسب مصادر وصفتها بالمطلّعة، عن وصول أول دفعة لمقاتلي الشركة والبالغ عددهم 420 مرتزق إلى أحد الموانئ القريبة من عدن.
وفي سياقٍ تفصيلي للصفقة أوضحت الصحيفة “أن هذا التعاقد مع الوجه الجديد، جاء بعد قرار شركة “بلاك ووتر” الإنسحاب من المعركة التي تعاقدت معها الامارات في وقتٍ سابق لاستجلاب مقاتليها للمشاركة فيها، والتي تقودها الأخيرة بمعية السعودية وعدد من الدول العربية “السنية” في اليمن” حسب تعبيرها.
وأضافت الصحيفة “أن التعاقد مع شركة داين كورب التي تنافس نظيرتها بلاك ووتر في المستوى التدريبي لمقاتليها، جاء على خلفية الأداء الهزيل الذي قدمته بلاك ووتر في اليمن، والذي لم تكن تتوقعه الامارات”، وأشارت الشركة أن دولة الإمارات تسعى من هذا التعاقد؛ إحكام سيطرتها على حصتها من النفوذ في الأراضي اليمنية خصوصاً في مدينة عدن والتي تعتبر القطعة الذهبية، حسب وصف الصحيفة.
من جهتهم، أكد مراقبون أن سبب اختيار الامارات لهذه الشركة تحديداً، نظراً لرصيدها المليء والحافل بالجرائم، وتحقيقها للنتائج المطلوبة بنسبٍ عاليةٍ، في معظم المهام الموكلة في أكثر من دولةٍ تم استجلابها إليها. وأشاروا إلى أن الإمارات وصل بها اليأس والخوف من الفشل الأمني في عدن للدرجة التي جعلها تختار هذه الشركة تحديداً؛ لتثبيت نفوذ سيطرتها في عدن مهما كان الثمن المالي الذي ستدفعه، ومهما كانت الطرق الإجرامية التي سيقوم بها مرتزقة هذه الشركة لتحقيق النتائج المرجوة.
السيرة الإجرامية لشركة داين كورب
ومن خلال البحث عن تاريخ شركة داين كورب تتضح ملامح أنشطتها الإجرامية والفظائع التي اقترفها عناصر هذه الشركة في كل العقود التي أبرموها مع الحكومة الأمريكية، إضافةً إلى الدور الكبير الذي يلعبه رؤساؤها في الإنتخابات الرئاسية الأمريكية، وذلك بدعمهم للمرشحين المتعطشين للحروب الذين سيجلبون بحروبهم الأموال الطائلة لهذه الشركات. فقد صدر عن مركز النزاهة العامة في الولايات المتحدة دراسة ذكرت “أن داين كورب تعدّ من أكبر الشركات الأمنية الممولة لمرشحي الإنتخابية الرئاسية، حيث ساعدها ذلك بالحصول على معظم العقود في العراق وأفغانستان”، وأوضحت الدراسة “أن 23 مليون دولار إجمالي ما قدمته هذه الشركة في دعمها للمرشحين منذ عام 1999، كان لجورج بوش الابن النصيب الأكبر منها.
ورغم أنّ المحكمة العليا الأمريكية قد وضعت قيودًا تحد من دعم المرشحين إلا أنّ هذه الشركات لازالت تبحث عن الرئيس الأكثر ميلاً للحروب والتدخلات الخارجية، وهو ما رجح كفة الجمهوريين المعروفين بذلك، فكان نصيبهم من الأموال المدفوعة أثناء الانتخابات عام 2012 يقدر بـ 16 مليون دولار مقابل 11 مليون دولار لنظرائهم الديمقراطيين.
كما تؤكد العديد من المصادر أن شركة “داين كورب” تُدار بأعضاء سابقين في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وتورط الكثير منهم في فضائح وعمليات إجرامية دون محاسبة تذكر.
أشهر هذه الأسماء هو “جوناثان كيث إديما” الذي عمل في أفغانستان؛ لتدبير الاغتيالات وزرع متفجرات أُدين بها المتمردون، وقام بتعذيب الكثير من الأفغان الأبرياء في السجون بل ذهب لأبعد من ذلك عندما قام باختطاف قاضي المحكمة العليا هناك.
تُفيد المصادر أن إديما حُكم عليه بالسجن عشر سنوات وتم بالفعل سجنه في سجن يشابه الشقة الصغيرة كما وصفه “جيرمي كوزماروف”: “أنها مجهزة بالسجاد الإيراني الفاخر وتلفزيون ووجبات فاخرة”، ثم عفا عنه الرئيس الأفغاني حامد كارازاي بعد 3 سنوات، وذلك حسب ما قالته صحيفة “الوال ستريت”.
كما كشف تقرير جديد صادر عن الوكالة الدولية في وزارة الدفاع الأمريكية، نشره موقع “بوغو”، عن التجاوزات التي تقوم بها الشركات الأمنية أثناء تأديتها للمهام الموكلة إليها بموجب تعاقداتها مع الحكومة الأمريكية، التي وصلت للحد المحرج والذي بات يشكل عبئاً على المسئولين في البنتاغون في تغطيتهم على هذه التجاوزات، وأورد التقرير رصداً بجرائم تلك الشركات ومنها الجرائم التي اقترفتها “داين كورب”، ومنها جريمة إطلاق النار بشكلٍ عشوائي على مراهقين عراقيين غير مسلحين أثناء قيامها بمهمة حماية مطار بغداد الدولي، وجريمة دفع حافلة محملة بالأطفال ودحرجتها مما أدت إلى مقتل كل من على متنها، وجريمة قيام أحد عناصر الشركة بإطلاق النار بشكل عشوائي على عراقيَّين في سيارتهما، بعد أن أخبر أحد زملائه بأنه يرغب في “قتل شخصٍ ما” قبل أن يذهب في إجازة!، وجريمة إطلاق النار على سيارةٍ تقودها سيدة عراقية عام 2007، مما أدى لمقتلها هي والراكبة المرافقة، بسبب حالة اشتباه.
الإرهاب الأمريكي
وعلى الرغم من هذه السجلات الحافلة بالإجرام المنظم لشركة “داين كورب” ونظيراتها من الشركات الأمنية الأمريكية، التي تثبت وتؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنها شركات تمارس الإرهاب وبتمويلٍ أمريكي حكومي مباشر، إلا أن الواقع والإرادة الدولية الذي تشكّلها الولايات المتحدة وتتحكم في توجهاتها تستثني إرهاب هذه الشركات من العقاب، ونظراً للتأريخ القديم لتأسيس هذه الشركات وممارساتها الإجرامية التي تكاد تشابه إلى حد التطابق، جرائم تنظيم داعش والقاعدة، فهذا يوحي بشكلٍ جليٍّ أنّ ظاهرة التنظيمات الإجرامية الإرهابية المثمثلة بالقاعدة وداعش، خُلِقَت على غرار تلك الشركات، باختلاف الرداء الديني الذي ترتديه هذه التنظيمات.
حيث كتب “بوب ماكنزي” أحد هؤلاء المرتزقة في مذكراته بعد عملية تفخيخٍ في زيمبابوي أدت إلى احتراق العديد من الجثث مجهولة الهوية ” إنه من السهل أن تكون إرهابيًا”، حسب ما قالته صحيفة ” لوس أنجلوس تايمز” في أحد مقالاتها الناقدة لجرائم تلك الشركات عام 2009م.