الجديد برس:
أثار التحرك الأمريكي الأخير مع المكونات اليمنية الموالية للتحالف غضباً سعودياً غير معلن، من خلال لقاء المصالحة الذي نظمه المعهد الديمقراطي الأمريكي ووكالة التنمية الأمريكية، خلال الأيام الماضية، بين تلك القوى في مدينة عدن، بما فيها حزب الإصلاح والمجلس الانتقالي الجنوبي والمقاومة الوطنية، وما كان يسمى بأحزاب اللقاء المشترك، لتشكيل تكتل سياسي واسع، للدفع بما أسمته إنهاء الانقلاب واستعادة الدولة.
ويتمثل الغضب السعودي من تلك التحركات في أن المملكة انزعجت من التنسيق المباشر للمكونات الموالية لها مع الولايات المتحدة بدون أن يكون عبرها ومن خلالها، الأمر الذي دفع بها إلى تسريب موقفها الغاضب بشكل غير مباشر عن طريق واحد من الصحافيين المقربين من السلطات السعودية، والتي تمرر عبرهم ما لا تريد إعلانه بشكل رسمي، لينقل رسالة إلى الأطراف اليمنية التي انخرطت في تنسيقات مباشرة مع الأمريكيين، مفادها أن السعودية غاضبة من ذلك وأنه مغامرة غير محسوبة العواقب.
ومررت السعودية رسالة إلى المكونات اليمنية الموالية لها عبر مساعد رئيس تحرير صحيفة عكاظ السعودية، عبدالله آل هتيلة، الذي كتب تدوينة على منصة “إكس”، قال فيها إن “الوضع في اليمن يتطلب من جميع المكونات الالتفاف حول الشرعية المُعترف بها دولياً ولا يتحمل المغامرة أو اتخاذ إجراءات غير مدروسة”، في إشارة إلى أن لقاء المصالحة بين حزب الإصلاح والمجلس الانتقالي وبقية المكونات في مدينة عدن، لم يرُق للسعودية لأنه لم يتم عبرها، بل بتنسيق مباشر مع الأمريكيين، ولأن السعودية تخشى أن يعيدها ذلك إلى مربع المواجهة المباشرة مع قوات صنعاء بعد كل جولات التفاوض التي تمت خلال الفترة الماضية لوقف الحرب وإحلال السلام في اليمن، وعرقلتها الولايات المتحدة التي ضغطت على السعودية بربط إعلان خارطة الطريق بوقف هجمات قوات صنعاء على السفن الإسرائيلية.
وأضاف هتيلة: “خارطة عمل مجلس القيادة الرئاسي والحكومة تسير كما هو مرسوم لها على المستويين الداخلي والخارجي، وأي خطوات لعرقلتها يعني التخادم مع كل من يسعون لخلط الأوراق خدمة لأجندات ضيقة”، وهو هنا يشير أو يذكر بأن السعودية عندما شكلت المجلس الرئاسي شكلته على أساس أن تكون جهوده باتجاه تحقيق السلام مع الحوثيين وليس من أجل الحرب.
وتعمل الولايات المتحدة الأمريكية حالياً على إدارة جولة جديدة من التصعيد العسكري في اليمن، ضمن سلسلة من التحركات للضغط على حكومة صنعاء وأنصار الله الحوثيين لوقف هجماتهم على السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، بعدما اتضح للأمريكيين عدم قدرة عملية “حارس الازدهار” وما تبعها من قصف جوي وصاروخي على اليمن في الحد من تلك الهجمات، حيث يعتقد الأمريكيون أن إعادة تحريك الجبهات الداخلية باستخدام القوى اليمنية المناهضة لصنعاء يمكن أن يلقي بمزيد من الضغط على حكومة صنعاء لوقف هجماتها في البحر الأحمر والبحر العربي وصولاً إلى المحيط الهندي.
وفي هذا السياق جاءت زيارة وزير الخارجية الأمريكي إلى السعودية، الإثنين الماضي، ولقاؤه وزير الخارجية السعودي ووزراء الخارجية الخليجيين، وسط ما يعتقد بوجود تحفظات سعودية تهدف إلى تجنيب المملكة التعرض لهجمات يمنية تستهدف البنية التحتية الاقتصادية، خصوصاً في ظل التقارير الأمريكية التي أكدت تطور قوات صنعاء والحوثيين بشكل كبير عمّا كان عليه الوضع خلال سنوات الحرب بقيادة السعودية.
وحول ذلك حصل موقع “يمن إيكو” على معلومات مؤكدة أن وزير الخارجية الأمريكي خلال زيارته إلى الرياض أكد أن بلاده ستتولى إدارة الجانب العسكري من التصعيد، وأن على السعودية تمويل العمليات المحتملة بواسطة القوات اليمنية المناهضة لقوات صنعاء والحوثيين، على هيئة منحة إلى الحكومة أو وديعة إلى البنك المركزي في عدن.
كما يأتي ذلك أيضاً بالتزامن مع قيام الوكالة الأمريكية للتنمية والمعهد الديمقراطي الأمريكي بتنظيم مؤتمر للمصالحة بين القوى المناهضة للحوثيين في عدن، على رأسها حزب الإصلاح والانتقالي الجنوبي، على الرغم من خلافاتهما وجولات الصراع الدموي التي خاضاها، حيث وضع مؤتمر المصالحة مواجهة الحوثيين تحت عنوان إنهاء الانقلاب واستعادة الدولة.
وكان موقع “يمن إيكو”، نشر تقريراً في الرابع من نوفمبر الماضي، بعنوان “رسائل الرياض إلى صنعاء: هل ارتكب العليمي الخطيئة التي لن تغفرها له السعودية؟”، جاء فيه أن الموقع حصل على معلومات متجددة تقول إن الاتصالات المباشرة بين حكومة صنعاء والسعودية لا تزال نشطة للغاية، وإن الأخيرة جددت تأكيدها لحكومة صنعاء أنها جادة في التسوية لإنهاء الحرب التي بدأت في مارس 2015، وأنها غير راضية عن تنسيق القوات الحكومية الموالية لها مع الجانب الأمريكي للتصعيد ضد قوات صنعاء، حتى أن السعودية رفضت- على الأقل بشكل علني- الانضمام إلى أي تحرك أمريكي لمواجهة قوات صنعاء أو الحوثيين في البحر الأحمر، بل إن وزير الخارجية السعودي عبَّر في أكثر من مناسبة عن أن هجمات الحوثيين في البحر الأحمر مرتبطة بالحرب على غزة، وأن معالجة وضع القطاع وإنهاء الحرب الإسرائيلية سبيل وحيد لإنهاء الأحداث في البحر الأحمر. علاوة على ذلك جاء بيان الخارجية السعودية عقب الهجمات الأمريكية البريطانية على اليمن في 11 يناير الماضي ليؤكد الموقف السعودي الذي خلا من أي تأييد لتلك العمليات، بل إن البيان كان أقرب إلى إدانتها.
كما أن التطورات التي شهدتها العلاقة بين السعودية وحكومة صنعاء واقترابهما من التسوية السياسية همشت تماماً دور الأطراف اليمنية التي رعاها التحالف السعودي في سنوات الحرب، ووجدت نفسها مجبرة على الترحيب بمجريات المفاوضات بين صنعاء والرياض، لكنها كانت تضع في ترحيبها مسألة التمسك بالمرجعيات الثلاث للحل السياسي في اليمن، وأهمها قرار مجلس الأمن 2216 الذي تجاوزته المحادثات بين صنعاء والرياض، الأمر الذي جعل الأطراف اليمنية (مجلساً رئاسياً وحكومةً وأحزاباً وقواتٍ انفصاليةً جنوبية) تجد نفسها وحيدة وعاجزة عن كبح جماح المساعي السعودية للتصالح مع صنعاء، حتى وجدت في الهجمات على السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر فرصة للحصول على رعاية أمريكية في مواجهة الحوثيين.
ومما يبدو أن السعودية تذكر رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، بأنه ارتكب خطيئة كبيرة حين أجاب من الرياض- في نوفمبر الماضي- على سؤال للصحافيين حول ما إذا كان يريد تدخلاً أمريكياً مباشراً في اليمن ضد الحوثيين بالقول: إنه يطلب ذلك في كل يوم وكل شهر وكل عام، رغم حداثة عهده في منصبه الذي تولاه لقيادة التسوية السياسية مع الحوثيين، حسب ما رسمته له السعودية، لكنه بطلبه التدخل الأمريكي يبدو أنه وقع في خطيئة من وجهة النظر السعودية تتمثل في محاولة التنسيق المباشر مع الأمريكيين، ويبدو أنه الآن يكرر هذه الخطيئة بإشرافه على التحركات الأمريكية للتصعيد العسكري ضد حكومة صنعاء.
وحسب التقرير، لم يكن العليمي وحده الذي طلب التنسيق المباشر مع الأمريكيين والحصول على الدعم منهم، بل إن حكومته وأعضاء مجلسه، مثل طارق صالح وعيدروس الزبيدي، كلهم وجدوا في المساعي الأمريكية لمواجهة الحوثيين أو قوات صنعاء، لوقف هجماتهم على السفن الإسرائيلية التي تهدف للضغط نحو إنهاء الحرب على غزة، فرصةً للحصول على رعاية أمريكية للمساعدة في مواجهة الحوثيين لوقف الهجمات ضد السفن، وللتخلص من التسوية التي يرون أن السعودية تريد إجبارهم عليها.
*نقلاً عن موقع “يمن إيكو”