الجديد برس : مقالات واراء
بقلم / ملك المداني
من قرأ منكم رواية مئة عام من العزلة لغابرييل ماركيز فليس غريباً إن اندهش من حبكتها الفريدة وتفاصيلها المتقنة وفصولها المتخمة بالاحداث والحوادث التي حيكت باحتراف كاتب وشغف راوٍ نسج بطاناتها وخاط اجزائها ليسدلها على سطور كل صفحة فيها لتحكي قصة ستة اجيال متتالية ، تداخلت فيها حياة التراجيديا والسياسة والعشق والثورة وحب السلطة وما الى ذلك بطريقة مشوقة واسلوب رشيق ينم عن خبرة ودراية واقتدار لخيال مؤلف يدرك مالذي يقوم به ومالذي يريده والى اين سوف يصل في نهاية المطاف ..!
اما من لم يقرائها منكم بعد ولكنه فجاءةً اراد ذلك ! خاصةً بعدما قمت به من مديح وترويج واطراء لما جاء فيها ولكاتبها المبدع الشغوف ، فنصيحتي له :
ان يستثمر ساعات القراءة التي سيهدرها للاطلاع على خرافات ماركيز ! في عيش ماهو فيه الان وأن لاداعي لأضاعة وقته في تصفح رواية من 504 صفحة سيرهق فيها عقله لتخيل شخصيات وافعال ومشاعر وتصرفات من نسج خيال راوٍ احتاجت لجمعها وسردها مئة عام من العزلة !
في الحقيقة اننا عشنا ‘عام من العزلة’ ماحدث فيه من وقائع واقعية وحقائق حتمية قد فاقت فانتازيا وخرافات وتخيلات استلزمت 100عام من مخيلة ماركيز لطرحها ونظمها بطريقة يتقبلها العقل البشري !
في الحقيقة اننا نعيش عام من العزلة من لم يندهش من احداثه او افتخر او اشمئز او انصدم او شعر بأي كان من تلك الاحاسيس التي لايمكن ان توصف او تترجم ،
تلك الاحاسيس التي تجعل منك متبلداً مذعوراً مذهولاً مصعوقاً باكياً ضاحكاً واثقاً فاقداً خائفاً أمناً ، فمؤكداً انه قد راوده شعور ما ، مزج جوراحه وخلط حواسه ، شعور ما ، يفوق كل ماقد يشعر به عند قرائته او رؤيته او حتى استماعه لأي رواية او مشهد او حكاية !
عام من العزلة ، شخصياته وابطاله والوقائع التي حدثت في طيات ايامه متناقضة بشكل لايحتمل ، متناقضة ومتنافية بشكل يستحيل على مخيلة كل كاتب ومؤلف وراوٍ ان تستوعب ماحدث فيه من مفرحات ومبكيات ، ومفخرات ووصمات عار وانتصارات وانكسارات وان تربط جزئياته في رواية مكتوبة مفهومة !
عام من العزلة ، حبكتها الحصار ومفرداتها الصواريخ والقنابل وكل مايفني ويدمر ، كتبت بالبارود والبندقية عوضاً عن الحبر والقلم وطبعت على صدور البشر عوضاً عن سطور الورق !
رواية ان فتشت في صفحاتها ستجد قتيل ونازح ، مشرد ومعدم ، يتيم وثكلى ، ارملة وشهيد ، ستجد ارتزاق واباء ، خضوع وارتماء ، شموخ وانتماء ، ستجد الشرف والعار والظل والنار ، ستجد كل نقيضة ونقيضة بشكل مرتب وفوضوي ، ستجد مالاتفهمه ولكنك مضطراً ان تفهمه !
عام من العزلة رواية متخمة بالاحداث والحوادث حيكت تفاصيلها بوحشية وخيطت اجزائها بدموية ، تدل على عقلية مراهق قذر وقاتل أشر ، ليسدل وقائعها على رؤوس اليمنيين كافة وعلى مدى 364 يوماً !
رواية لايدرك من بداء بكتابتها مالذي يريده وكيف ستكون خاتمتها ، ولايعلم صاحبها ان الكلمة الاخيرة في ختاميتها لن تكون له وان من سيسدل ستار نهايتها لسوء حظه هم شخصياتها “الأشرار” !!اولئك الذين اريد لهم ان يقتلوا في صفحاتها الاولى ، رواية سيكون فصل خطابها لأكثر الشخصيات شراً فيها تلك الشخصية التي بالغ الكاتب في قدحها وذمها بابشع الصفات ، بالغ كثيراً لدرجة انه استخدم مصطلحات خارجية وشتائم اجنبية في ذلك ! تلك الشخصية التي رغماً عن أنف المؤلف نزعت ارواح ابطاله الجبابرة وخطفت دور البطولة لتحرف المسار وتعيد تصحيحه ، لتكتب ان شموخنا وعزنا سيبقى فينا مابقيت الحياة ، لتنحت شرائع الدفاع المقدس في صدورنا ولتورث ثقافة الاعتزاز والأنفه للأجيال القادمة ، لتحكم وتقرر ان روايتهم التي اريد لها ان تنتهي في فصلها الاول طالت واسترسلت حد الإستعانة باللغات العالمية لإكمالها ! وستطول وتسترسل الى يوم القيامة إن استلزم الأمر ، لتطبع في اخر الصفحات ( هزيمة الكاتب والطابع والناشر ) مهما اختلفت السيناريوهات وعدلت وتعددت طرق هزائمهم ومصيرهم المحتوم ..!
–