المقالات

فراغ فضائي

الجديد برس

بقلم / عبدالله علي صبري

امتلأ الفضاء العربي بالغث والسمين من القنوات التلفزيونية، وزاحمت بعضها بعضا إلى درجة يخيل للمشاهد أن الفضاء يتكلم عربي فحسب، مع أن القضايا العروبية مغيبة عن تناولات النشرات الإخبارية، والبرامج السياسية، إلا فيما ندر.

ومن هذا النادر تعد فضائية المنار على رأس القنوات التلفزيونية التي تحمل قضية عروبية، ارتبطت بالمقاومة الوطنية اللبنانية، ودور حزب الله في مقارعة الكيان الصهيوني، بالإضافة إلى المساحة الكبيرة التي أولتها القناة للقضية الفلسطينية، التي ضاقت مساحات الحديث عنها في الإعلام العربي سنة بعد أخرى، في مقابل تمدد البرامج الترفيهية المدعومة من دول وشركات البترودولار في المنطقة.

ويأتي موقف نايلسات الأخير وحجب قناة المنار من البث على القمرين عربسات ونايل سات، ليعلن عن فراغ فضائي حقيقي مقصود لذاته، لا يستهدف رسالة المنار وحزب الله والسيد حسن نصر الله فحسب، ولكنه يشتمل على أبعاد تتعلق بالهوية العربية إجمالاً، حيث أن الغالبية العظمى من القنوات التلفزيونية الناطقة بالعربية لا تعبر عن هموم الأمة وعن واقعها، بقدر ما هي مرتبطة بأجندة تصب في خدمة المشروع الصهيوأمريكي، الذي يعمل على تفتييت دول المنطقة، وزرع عوامل الفتنة الدينية والإجتماعية بين الشعوب العربية، بما يساعد على التحكم في قرارات حكوماتها، ونهب ثرواتها، وضمان أمن إسرائيل، ويضع حداً لمشاريع النهوض العربي السياسية والدينية والثقافية.

تأملوا أهم القنوات التلفزيونية المدعومة إعلانيا، والتي تستقطب أبرز الصحفيين والتقنيين والفنيين، وستجدون أن هذه القنوات وبرامجها تعمل في إطار تغييب وتزييف الوعي العربي، ووصل بعضها إلى حد الإسفاف الأخلاقي، بل أن بعض القنوات عمل بشكل مقزز ومكشوف بهدف تقطيع أوصال الأمة طائفياً، ومحاصرة مختلف أنواع التنوع الثقافي والمذهبي، باتجاه فرض رؤية دينية متماهية مع مخططات قوى الهيمنة، التي تعلم أن تعزيز الهوية العربية لمجتمعاتنا في ظل مشروع عروبي ناهض، كفيل بوضع حد لدولة إسرائيل وللتدخلات الدولية والإقليمية في أوضاعنا السياسية والاقتصادية، وهذا بالطبع ما لا يريده المستعمرون الجدد.

وكما استخدمت قوى الهيمنة إسرائيل ونظام الشاه في إيران قبل الثورة الإسلامية، باتجاه محاصرة المشروع العربي، فإن النظام السعودي كان هو الآخر ولا يزال ضمن الأدوات الإمبريالية لمحاصرة الوحدة والتحديث بالمنطقة العربية. وبعد أن كان آل سعود يتدثرون ويعملون تحت العباءة الإسلامية، باتوا اليوم على درجة عالية من الجرأة والوقاحة، للعمل على نحو مكشوف تحت مظلة التطبيع مع الكيان الصهيوني، بإعلان الحرب على اليمن، ثم على لبنان وحزب الله، وصولا إلى حجب قناة المنار، في حالة غير مسبوقة من الانحطاط والانهزامية أمام الكلمة الحرة وإعلام المقاومة.

التحية للمنار ولدورها الريادي المقاوم، الذي يقض مضاجع الخونة والعملاء في عالمنا العربي..والخزي لقائمة العار من الحكام المتصيهنيين، وأذيالهم من الساسة والانتهازيين المحسوبين على عالمي الثقافة والإعلام.