الجديد برس:
حسمت إسرائيل أمرها بالرد على الهجوم الصاروخي الإيراني غير المسبوق على منشآتها العسكرية والأمنية، وسط تعالي الأصوات الداعية إلى استغلال ما يعتقد العدوّ أنها «حالة الضعف» التي تعانيها «حلقة النار»، وخصوصاً في غزة ولبنان، من أجل معالجة أمر المشروع النووي الإيراني.
وفي هذا الإطار، انشغل صنّاع القرار في إسرائيل، خلال الأيام الأخيرة، بالبحث في طبيعة الرّد، وذلك خلال اجتماعات أمنية انعقد بعضها في مقر وزارة الحرب في تل أبيب (الكرياه)، وأخرى تحت الأرض في مقر الاجتماعات السرّي المضاد للهجمات النووية، والمقام في مدينة القدس.
وممّا تسرّب من هذه المداولات، أن الرد الإسرائيلي اتُّخذ، وسيكون «حازماً وقوياً»، من دون أن تُحدد طبيعته، وإن كانت التقديرات أنه قد يتراوح بين استهداف المنشآت الاستراتيجية كالصناعات النفطية الإيرانية بهدف تدمير اقتصاد البلاد، وتنفيذ اغتيالات مُركّزة، وضرب الدفاعات الجوية، أو قواعد عسكرية وأمنية، وصولاً حتّى إلى استهداف المنشآت النووية الإيرانية نفسها.
ولم تقتصر الأصوات الداعية إلى إدخال العالم في «متاهة النووي» على المستويات السياسية، بل امتدت لتشمل جزءاً من الباحثين والمحللين، ما يعني أن الموضوع كان محط تداول بالفعل في أروقة صنع القرار.
وفي السياق، تناول الباحث والمحاضر في قسم «دراسات الشرق الأوسط والإسلام» في «جامعة حيفا»، يارون فريدمان، الرد بضرب المنشآت النووية باعتباره «فرصة ينبغي استغلالها»، على أساس أن التهديدات الاستراتيجية لإسرائيل، والمتمثلة في «حزب الله» و«حركة حماس»، قد زالت بعد عام كامل من الحرب، والتطورات الأخيرة التي تخللها تصعيد مجنون في لبنان، فضلاً عن امتلاك إسرائيل قنابل خارقة للتحصينات التحت أرضية، بـ«إمكانها قصف هذه المنشآت».
واعتبر فريدمان أن من يؤيدون الانتظار حالياً، ويتخذون موقفاً مخالفاً لدعاة الهجوم على المنشآت النووية، ويؤيدون التوصل إلى اتفاق، «هم على خطأ»، كما كانوا خلال «مراهنتهم طوال سنوات على أن نظام آية الله سيؤول إلى السقوط».
والسبب، كما يفسره، قائم على أن تحليل التاريخ الإيراني منذ الثورة سنة 1979 حتى الآن، يثبت أن الآمال التي قام عليها الاتفاق النووي مع إيران «كانت فارغة»؛ إذ إن «القيادة الإيرانية لن تنصاع أبداً للقوانين الدولية، ولن تسمح لمراقبي وكالة الطاقة الذرية بالوصول إلى كل المنشآت».
وحتى لو وُقّع اتفاق ثانٍ، فإن إمكان سماح هذا النظام برقابة فاعلة تشمل كل المنشآت «ضئيل جداً». أمّا في ما يتعلق باستقرار نظام الجمهورية، فيدل التاريخ على أنه صمد في مواجهة اضطرابات أقسى، بينها الحرب ضد العراق، والتي استمرت 8 سنوات، والاضطرابات سنة 2009، وموجات الاحتجاجات المتكررة منذ ذلك الحين.
عملية ضرب المنشآت النووية الإيرانية قد تكون مستحيلة من دون مساعدة أمريكية مباشرة
وتابع فريدمان مجادلاً بما سيوفره اتفاق نووي جديد لإيران من مزايا، وخصوصاً على مستوى تحسين اقتصاد البلاد التي تُعدّ ثاني أو ثالث دولة في الشرق الأوسط من حيث مخزونات النفط والغاز، مشيراً إلى أن «تجربة الماضي تدل على أن أغلبية المداخيل التي ستتوفر من رفع العقوبات، ستنتقل إلى الحرس الثوري لإعادة بناء حزب الله في لبنان وتسليح سائر الميليشيات الشيعية الموالية لإيران في سوريا والعراق واليمن، ومن الممكن أن تحوّل نسبة ضئيلة من هذه العائدات لتحسين حياة المواطن الإيراني» على حد زعمه.
أمّا بالنسبة إلى تعهد إيران بأن مفاعلاتها النووية ستكون لأغراض مدنية فحسب، فاعتبرها فريدمان «حجة سخيفة» نظراً إلى ما تمتلكه البلاد من ثروات نفطية وغازية. وانطلاقاً مما تقدّم، رأى فريدمان أن القضاء على «التهديد النووي الذي يشكل تهديداً وجودياً على دولة إسرائيل ليس مسألة سياسية»، معتبراً أن هجوم إيران الصاروخي على إسرائيل يُشكل «فرصة تاريخية لضرب المفاعلات في إيران، ومن الممكن ألّا تتكرر هذه الفرصة، التي إن أضعناها لن تتكرر أبداً».
مع ذلك، يكشف تحليل معمّق أجرته صحيفة «فاينانشيال تايمز»، أن ضرب المنشآت النووية الإيرانية هو واحد من أعقد التحديات العسكرية بالنسبة إلى إسرائيل، وأن فرص نجاحه منخفضة من «دون دعم أميركي»؛ إذ إن سلسلة من التحديات اللوجستية المعقدة تنتظر القوات الجوية والحال هذه، في مقدمتها المسافة البعيدة التي تتجاوز ألف كلم، ما يتطلب رحلة عبور في مجالات جوية لعدد من الدول، من ضمنها السعودية والأردن والعراق وسوريا، وربما حتى تركيا.
وبالتالي، يمكن لأيٍّ من هذه الدول رصد الطائرات وتنبيه إيران، ما يسمح للأخيرة بالاستعداد للدفاع. أمّا التحدي الثاني، بحسب الصحيفة، فهو إعادة ملء خزانات الوقود؛ حيث تتطلب الرحلة الطويلة إلى الأهداف والعودة استنفاداً كاملاً لقدرات التزود بالوقود الجوي.
ووفقاً لتقرير صادر عن «خدمة أبحاث الكونغرس» الأميركي، فإنه «لن يكون هناك أي مجال تقريباً لحدوث أخطاء أو تأخيرات غير متوقعة. حتّى إن عطلاً فنيّاً صغيراً أو ظروف مناخية طارئة قد تعرّض العملية بأكملها وحياة الطيارين للخطر».
كما أن عملية كهذه عليها التعامل مع الدفاع الجوي الإيراني الذي يحمي المنشآت النووية من خلال أنظمة دفاعية متقدمة، يتطلب التغلّب عليها وجود قاذفات إسرائيلية قريبة من الطائرات المقاتلة لحمايتها، وهذا بحد ذاته يفترض مشاركة 100 طائرة، وهو عدد كبير يمثل عملياً ثلث الطائرات التي يمتلكها سلاح الجو الإسرائيلي. فضلاً عن ذلك، فإن نجاح الطائرات الإسرائيلية في الوصول إلى الأهداف لا يزيل التحدي الآخر المتمثل في تدمير المنشآت ذاتها، والموجودة، وفقاً لتقارير عدّة، في عمق كبير تحت الأرض ومحمية بطبقات صخرية وخرسانية مُسلّحة.
وبحسب الصحيفة، فإن تدمير هذه المنشآت يتطلب أسلحة خاصة قادرة على اختراق عشرات الأمتار من الصخور والخرسانة قبل انفجارها؛ وفيما تمتلك إسرائيل بالفعل قنابل قادرة على اختراق المخابئ، «إلا أنها قد لا تكون كافية لهذه المهمة المعقدة».
وكما تنقل عن خبراء، فإن السلاح التقليدي الوحيد الذي يمكنه أداء المهمة هو القنبلة الخارقة الضخمة المعروفة باسم «Massive Ordnance Penetrator» والتي يبلغ طولها 6 أمتار ووزنها 14 طناً، وبمقدورها اختراق 60 متراً من الأرض قبل أن تنفجر. ومع ذلك، «ليس واضحاً ما إذا كانت إسرائيل لديها إمكانية الوصول إلى هذا السلاح أو القدرة على استخدامه».
وفي ظل هذه الظروف المعقدة، يُطرح السؤال الأساسي حول ما إذا كانت إسرائيل تمتلك القدرات اللازمة للقيام بمهمة كهذه؛ فحتّى لو كانت لدى إسرائيل قنابل كتلك، فإن الطائرات المقاتلة (F-15 وF-16 وF-35) غير قادرة على حملها بسبب وزنها الثقيل، فيما يستبعد الباحث السابق في وزارة الأمن الإسرائيلية، إيهود عيلام، أن تكون لدى إسرائيل فرصة لضرب هذه المنشآت، لأنها لم تتمكن من شراء قاذفات استراتيجية أميركية مثل «B-2 Spirit»، المطلوبة لإسقاط مثل هذه القنابل الثقيلة.
وتخلص الصحيفة إلى أن عملية كهذه قد يكون مستحيلاً أن تتم من دون مساعدة أميركية مباشرة، وبالتالي، قد تخطط إسرائيل لضرب المنشآت النووية، ولكن من طريق عمليات سرية وسيبرانية وفق ما دأبت عليه في الماضي، عندما استخدمت فيروس «ستوكسنت» الذي نجح في تأخير المشروع النووي، فضلاً عن العملية التي قُطعت فيها الكهرباء عام 2021، وأدّت إلى إتلاف نظام الطاقة الداخلي في منشآت نطنز.
المصدر: جريدة الأخبار اللبنانية