الجديد برس
بقلم / عابد المهذري
على بعد 50 كم من دمشق نتانياهو يعقد جلسة حكومته في الجولان السوري المحتل . الجولان المحتلة قضاء القنيطرة ومساحتها 1860 كم وتطل على بحيرتي طبريا والحولة وتطل على سهول حوران وريف دمشق . وعلى منابع نهر الاردن وجبل الشيخ .
نتانياهو فقد رشده واستفز كل سوري وكل عربي ، وحشر أنفه في الصراع السوري وهي مسألة وقت حتى تتطاير الكاتيوشا فوق طبريا .
هكذا كتب صباح اليوم المحلل والكاتب والصحفي الفلسطيني الدكتور ناصر اللحام مدير مكتب قناة الميادين ورئيس وكالة معا عن أبرز حدث تناقلته كبريات وسائل اعلام العالم .. وحاول اللحام احتواء السخط الموجع وتهوين الضربة القاسية بالإشارة الى رد قادم ؛ قد لا يأتي قياسا بعدم الرد على قيام طائرات الكيان الاسرائيلي بشن هجمات عدة داخل الاراضي السورية مؤخرا .. ويأتي تواجد نتينياهو في الجولان بمثابة تحد صارخ لسوريا الأسد وحلفائها في ظل تبجح نتينياهو تأكيداته ان تل أبيب لن تتخلى عن الهضبة .
في المقابل .. كان هناك حدث مهم وموازي .. لكن الدكتور اللحام واقنوات الاعلام المقاوم ؛ لم يعيروه الاهتمام الذي كان مناسبا لتفادي محور المقاومة والقومية ؛ الإحراج الذي خلفه ظهور نتينياهو مجتمعا بحكومته داخل أرض سورية .. لأن أراضي فلسطين المحتلة شهدت نهار اليوم حدثا كبيرا في أبعاده ودلالاته .. بظهور السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي قائد حركة انصارالله اليمنية في مدينة رام الله الفلسطينية .. المدينة التي خرج أبناؤها رافعين صور القائد اليمني الشاب .. يهتفون بإسمه إعجابا وآمالا عراض .. ويعبرون عن اعتزازهم بصمود اليمنيين في وجه العدوان السعودي الامريكي المتصهين .
ليست المرة الأولى التي ترفع فيها صورة قائد ثورة المستضعفين عبدالملك الحوثي خارج اليمن .. قبل ثلاث سنوات خرج العراقيون تلقائيا في النجف وكربلاء حاملين صوره في ذكرى الحسين .. وقبل عامين امتلأت شوارع العاصمة الإيرانية طهران بعشرات الآلاف يرفعون صورة قائد المسيرة القرآنية عبدالملك الحوثي .. كذلك شهدت البحرين ولبنان والقطيف وسوريا وباكستان فعاليات جماهيرية وشعبية في مناسبات مختلفة .. مسيرات ومظاهرات تكتسي بصور الشاب الثلاثيني القادم من أرياف اليمن فلفت نظر العالم بحركته الثورية ومشروعه الثقافي الأكثر نجاحا وبروزا والتفافا وقابلية في المنطقة .
مشروع ديني ووطني وعروبي يتعزز حضوره المتفاقم على الساحة الإقليمية بتقدم متسارع وقوة متصاعدة ترفض الخنوع والاستسلام وتواجه بجسارة وكفاءة كل التحديات والمؤامرات السياسية والعسكرية وتحسمها بإحراز النجاح الكاسح من صعدة الى صنعاء الى الحدود السعودية .
حركة يمنية فتية قضيتها المحورية تحرير فلسطين المحتلة وهدفها تحصين المجتمعات بالوعي والفكر القرآني من مخاطر المخططات الامريكية والاسرائيلية انطلاقا من شعار ( الله اكبر .. الموت لأمريكا .. الموت لإسرائيل .. اللعنة على اليهود .. النصر للإسلام ) .
الشعار الذي كان مؤسس حركة انصار الله الشهيد حسين بدرالدين الحوثي أول من رفعه ودعى اليه في 2002 وبسببه شنت عليه السلطات اليمنية ست حروب دامية دفع فيها حياته ثمنا لفكرة ومنهجية واصل دربها أتباعه وانتصروا بها ومن أجلها وفي سبيلها .. ولا يزالون يخطون بدمائهم وأرواحهم منذ 2004 الى اليوم طريق العدالة والكرامة والحرية والحق ومواجهة الطواغيت وقوى الإستكبار .. حتى صار أنصارالله أيقونة الشرف والإباء في زمن الذل والإرتهان .
نتينياهو يطل من الجولان .. ياللحسرة والعار .
السيد عبدالملك الحوثي يظهر في رام الله .. ياللفخر والغبطة .
انها مقاربات سيلتفت اليها التاريخ عما قريب .. منبها متجاهليها والمنتقصين من فحواها حاليا لخطأ ما اقترفوه سهوا او عن عمد .
فأن يخرج ابناء الشعب الفلسطيني عفويا للتعبير عن مشاعرهم تجاه شاب يمني يقود حراكا تغييرا جامحا .. ففي ذلك دلالات لا يمكن مرورها على المراقبين دون قراءة متمعنة .. خاصة وهي – كحدث إيجابي محفز للثقة والطمأنينة – تتصادف توقيتا وزمانا ومكانا وقضية ؛ مع حدث سلبي – يكرس الروح الانهزامية – كإجتماع نتينياهو بحكومته في الجولان السورية .
نتينياهو الذي خرج قبل أشهر مرتعدا أمام الكونجرس الأمريكي ؛ يتحدث إليهم عن مخاوفه من الخطر اليمني القادم ومدى ما يمثله أنصار الله من تهديد على الأمن القومي الإسرائيلي .
نتينياهو نفسه الذي اعترف بخوفه من صواريخ زلزال والقاهر التي صنعها رجال جماعة الحوثي محليا في اليمن .
نتينياهو نفسه الذي بات انصار الله كابوسا يقض مضجعه منذ انتصار ثورة الشعث الغبر اليمنيين في 21 سبتمبر 2014 التي انشغل بعدها إعلام وزعماء تل أبيب بالتحذير من الأنصار والتحريض ضدهم والتآمر عليهم .. ليشعلوا حربا عدوانية على اليمن بأدوات سعودية استمرارا لتلك الحروب السابقة ضد الحوثيين التي كانت اصابع اسرائيل ورائها بنية استئصال واجتثاث الحوثي وجماعته وشعاره .
نتينياهو نفسه ونفس سلطته وقوته وحكومته .. الذين نسوا النووي الإيراني وكتائب حزب الله وحماس وفتح وجهاد والجيش العربي السوري والقوات المصرية والقاعدة والتنظيمات الإرهابية والاسلامية المتطرفة .. التي ظل الأعداء قادة الكيان الإسرائيلي والصهيونية العالمية يتحدثون عن خطرها عليهم طوال عشرات السنين الماضية .. و الآن ؛ اصبحوا فقط يخافون من انصارالله اليمنيين (!!) وهل بعد ذلك فخر لليمن والانصار أكثر من هذا ؛ وقد صاروا هاجسا مقلقا ومزعجا للعدو الإسرائيلي الغاصب المحتل .. الذي بالتأكيد لم تأتي مخاوفه من فراغ .. بل من دراسات وبحوث وتقارير ونبوءات تستشعر الخطر الداهم على كيانهم من حركة انصار الله الصادقة في اهدافها وجهادها وقضيتها المركزية : القدس والمسجد الأقصى وفلسطين .
عبدالملك الحوثي في رام الله .. هذه المرة مجرد صورة عابرة .. لمحة محفورة في الذاكرة .. لحظة مغروسة في القلب .. ومضة مضيئة في الوجدان .. اطلالة مشرقة في بؤبؤ العين .. وقريبا بوعد إلهي سيكون حقيقة قائمة على الأرض .. يعيد الاعتبار للأمة العربية والإسلامية .. ينتشلها من التيه والذل والهوان .
عبدالملك الحوثي الذي يواجه بإمكانات بسيطة وتسليح بسيط .. ترسانة تحالف عدواني تجتمع فيه أقوى وأغنى دول الدنيا ؛ أمريكا واسرائيل والسعودية وأشرار ومجرمي الكون .. يشنون منذ عام حربا غاشمة – بالطائرات وأحدث الأسلحة – على واحد من أفقر وأضعف شعوب العالم هو اليمن ؛ الأقوى بإيمانه بربه وثقته برجاله وعدالة مظلوميته .
عبدالملك الحوثي يظهر في فلسطين ..يتعملق في رام الله .. ونتينياهو يتعربد في أرض سوريا يتحدى العرب والمسلمين .. يهينهم ويذلهم .. بزيارات واجتماعات ولقاءات تطبيعية يجريها وفود تل أبيب في الرياض والقاهرة والإمارات وقطر والأردن وموريتانيا والسودان ويهرول أردوغان تركيا ومطاوعة الإخوان الى بلاط العدو الاسرائيلي يطلبون عونه وعفوه ومغفرته بلا حياء من دين ولا خوف من رب العالمين .
وحده القائد اليمني عبدالملك الحوثي من يجاهر بالعداء والبغضاء والتحدي والتهديد والوعيد لإسرائيل .. فيهز أركانها وهو على مسافة آلاف الأميال من عقرها .. حد يجعل المتأمل يتساءل : ماذا لو كان لدى اليمن حدود مع الكيان الصهيوني المحتل .. ماذا لو كان أنصارالله قريبون من إسرائيل ونتينياهو .. ماذا لو كانوا يمتلكون من المال والسلاح والامكانات ما هو متوافر بأيدي أدعياء العداء لليهود والصهاينة واسرائيل من العرب والمسلمين ؛ دولا وحركات ومجتمعات ؟!!
الاجابة يعرفها سيد المقاومة اللبنانية حسن نصرالله وشهد بها شهادة ناصعة النقاء براءة للذمة أكثر من مرة .. ومن أسارير العظمة في شهادة السيد حسن لأهل اليمن .. بدت المعاني زاهية التعابير النبيلة من ثنايا محياه المبتهج بوجود أحرار مؤمنين كأنصارالله .
يعرف الإجابة ايضا كل من نتينياهو و آل سعود وأوباما وأحبار اليهود .. ولمن لا يعرف الجواب على هكذا تساؤلات بسيطة تجيب على نفسها من مضامينها .. فعليه ان يتوقف بالتحليل والتأمل حول ظهور “ابوجبريل” في رام الله .
ظهور السيد اليمني عبدالملك الحوثي فجأة بدون ترتيب ولا تنسيق ولا تمويل هناك في رام الله .. اذ لا ينبغي على الأذكياء والخبراء الاستراتيجيين فهم ومعرفة اسباب ومآلات وجود نتينياهو في سوريا .. والتغاضي بغباء عن استيعاب مضمون حضور الحوثي بالقرب من ثالث الحرمين وعلى بعد كيلومترات من القدس أقل من ال50 كيلومتر التي فصلت نتينياهو عن دمشق .