تقارير

عن القبيلة الـيَـمَـنية.. دورها التاريخي ومُستقبلها الوطني

الجديد برس

استنهضت قيادةُ الثورة في القبيلة حميَّتَها ونخوتَها وفعّلت مزاجَها العسكري بشكل ثوري تقدّمي لتقاتلَ مع الشعب في ثورة الجياع، ومقاومة العُـدْوَان، وتسقط إمبراطوريات بيت الأحمر ووكلاء الرياض، وتصدّ زحوف الغزو، وتقتحم مواقع العدو خلف الحدود، وبهذه المشاركة الثورية تغيّرت نظرة القبيلة لنفسها وللمجتمع حولها، من موقع ودورها الوطني الجديد.

وثيقة الشرف القبلية أحد مظاهر تحول الوعي الاجتماعي للقبيلة ومستقبل علاقتها مع الدولة كجزء متجانسة لا ضِـدّ متصارع، وكجزء من الهُوية الـيَـمَـنية الوطنية لا هُوية خَاصَّـة مضادة أَكْبَر من الدولة، وتماسك القبيلة أحد أهم أَسَـاسات تلاحُـم المجتمع في وجه الديمقراطية الغربية القائمة على تمزيق لمجتمع فئات وأقليات وطوائف بقضايا ومطالب خَاصَّـة.

أنس القاضي

 

القبيلةُ أحدُ أشكالِ التطوُّر الاجتماعي للجماعات الإنْسَـانية، وما لا يُدرِكُهُ كثيرون أنَّ كُلّ الدولَ المتمدنةَ بنتها القبائلُ في السيرورة التأريخية لتلك الدول، ولم تبزغ المدَنية فجأةً من خارج التأريخ والمجتمع بهدم القبيلة، بل تراكم الإنتاج والتنمية؛ فليست القبيلة شراً في تشكيلتها الاجتماعية كما فلسفَ وشتم أنصاف المثقفين ودُعاة الحداثة! تظهر اليومَ القبيلة الـيَـمَـنية بدور وطني متقدم وهام في الحياة العامة، بمشاركتها في الثورة والمقاومة، وقتالها دفاعاً وجودياً عن الدولة والشعب، وكان الهجوم النخبوي على القبيلة الـيَـمَـنية والمطالبة بهدمها وإبادتها في واقع عدم وجود نمط حياة مديني يمني متماسك قائم على الإنتاج كان تمزيقاً لوحدة المجتمع الـيَـمَـني بعد أن مزقت السلطة السابقة الوحدة الوطنية وهويتها، الهجوم على القبيلة كان نشاطاً تدميرياً استعمارياً بقصد أَوْ دون قصد، تبدّى اليوم واقعه، حيث أظهر العُـدْوَان بأن قشور البنى الاجتماعية المدنية الاستهلاكية الهزيلة المُفككة في عدن وتعز، هي الّتي تقبلت العُـدْوَان وباتت فريسةً سهلة لداعش ووقعت جرائم السحل والذبح والوجود الأجنبي في ساحاتها، لا في ساحات القبيلة.

 

القبيلة الـيَـمَـنية بعد الثورة الشعبية

 

بعد اختمارات تحوُّل اجتماعي منذ انتفاضة 11 فبراير 2011 تنامت ونضجت في ثورة 21 سبتمبر، تحوّل مسار القبيلة الـيَـمَـنية بنحوٍ إيجابي كبير عما كان عليه في نصف قرن مضى، بعدَ دورها التأريخي العظيم في مقاومة الاستعمار العثماني واستقلال الـيَـمَـن كأول دولة. ففي ثورة 21 سبتمبر 2014 كانت المرة الأول منذ ثورة 26 سبتمبر 1962 تقاتل القبيلة الـيَـمَـنية بحس وطني دفاعاً عن كُلّ الشعب وكل الوطن لا مع سُلطة ضد سُلطة ومع شيخ وإقطاعي ضد دولة وجماهير ولا (جمهورية في الصباح وملكية في المساء).

 

وهذا التحولُ أنضجتهُ الظروفُ الاجتماعية في ظل سلطة الافقار ووصفات صندوق النقد الدولي، الذي أنهك الشعب الـيَـمَـني فتوحدت الحاجات الاقتصادية الاجتماعية للفرد القبيلي في الريفِ كمزارع أَوْ مقاتل مع حاجات العامل والجُندي والطالب والموظف البسيط والعاطل عن العمل في المدينة، استطاعت قيادة الثورة الشعبية فَهْــمَ هذه المعطيات واستنهض في القبيلة حميتها ونخوتها ومزاجها العسكري بشكل ثوري تقدُّمي لتقاتلَ مع الشعب في الثورة ومقاوَمة العُـدْوَان تسقط إمبراطوريات بيت الأحمر ووكلاء الرياض وتصدّ زحوف الغزو وتقتحم مواقع العدو خلف الحدود.

 

وبهذه المشاركة الثورية العملية تغيّرت نظرة القبيلة لنفسها وللمجتمع من موقعها ودورها الوطني الجديد، وتطهّرت القبيلة من ممارسات شاذة سابقة كانت تستهدف قيمها وتشوّهُ صورتها، ممثلة في التقطع والنهب والاختطاف والثأر وهي شوائب المصلحة الخَاصَّـة والأنانية الفردية التي طَغَت على المجتمع الـيَـمَـني في ظلِّ السلطة الاستبدادية السابقة التي أفقرت الناس في الريف والمدينة وسحقت آدميتهم ليبحثَ كُلُّ قطاع شعبي وكل فرد من المجتمع عن خلاصِه الفردي من نَيرِ الواقع المتوحش، لا عن الخلاص المجتمعي العام.

 

القبيلة في مواجهة العُـدْوَان، وتثوير قيمها الأصيلة

 

للقبيلة قيمٌ قَبَلية أصيلة تسمو اليومَ وترتفعُ من المصافِّ القَبلي الخاص إلَى المصاف الوطني العام، وبعد أن كانت بعض القبائل تُجنَّدُ بالمال لتقاتل مع هذا أَوْ ذاك، القبيلة الـيَـمَـنية اليوم تقدم خِيرة رجالها وتتبعهم بقوافل المال والغذاء والسلاح ليقاتلوا في الجبهات الوطنية على امتداد الجمهورية.

 

هذه الروح القبيلة الأصيلة جُـزءٌ أصيلٌ من تكوينها الاجتماعي الاقتصادي، فالقبائلُ على مستوى البشرية بشكل عام كشكل اجتماعي أقرَب منها في حياتها الاقتصادية إلَى الشكل المُشَاعِي والملكية الجماعية من المُلكية الخَاصَّـة، وهذا ما كانت عليه في حياتها القائمة على الصيد والزراعة والغزو، ورغم اختلاف نمط الإنتاج في هذا العصر الرأسمالي وظهور الملكية الخَاصَّـة وانعزال الفرد القبيلي عن قبيلته للعمل الفردي، إلَّا أن القبيلة الـيَـمَـنية ما زالت تحتفظ بالقيم الأصيلة التي تعكس تكوينها الأول، والقبيلي متمسكٌ بقبليته رغم تحرّره الاقتصادي فجند الكرم والجود ووحدة الجماعة في دفاعها عن الفرد فيها وعن ساحتها ما زالَ قائماً حتى اليوم في المدن أَوْ في الأرياف، واليوم يأخذ أسمى تجلياته ويتطوّر لتدافع القبيلة ليس فقط عن ابنها في وجه القبيلة الأخرى بل عن ابن الـيَـمَـن في مواجهة العدو مرتزقته، فكل يمني هوَ ابن قبيلة وجب عن بقية القبائل الدفاع عنه، ولم تعد تدافع القبيلة عن ساحاتها الجُغرافية في مواجَهة سلطة الدولة أَوْ قبيلة أخرى بشعور أناني، بل تناضل وتجاهد بحس وطني ومسئولية إيمانية عن الساحة الـيَـمَـنية ككل في مواجهة الغزو والاحتلال الأجنبي والداعشي، وأصبح الثأر لا ثأراً داخلياً مُمزقاً، بل ثأر القبيلة الـيَـمَـنية مع دول العُـدْوَان ودول الغزو والاستعمار العالمي.

 

ميثاق الشرَف القبَلي.. قفزة نوعية في الوعي السياسي والمسئولية الاجتماعية

 

من قبل الثورة الشعبية لم تكن القبائل تصدر بياناتٍ سياسيةً ولا ترفع لافتات ثورية ولا تنظم وقفات احتجاجية سلمية أَوْ مسلحة، وتعد هذه الممارسات وغيرها من الممارسات الحضارية التي التزمت بها خلال مراحل الثورة الشعبية وبعد انتصارها، قفزة نوعية في الوعي السياسي للقبيلة الـيَـمَـنية، خلاصتها جاء في ميثاق الشرف القبلي، هذا الميثاق القبلي بطابعه الوطني الذي يرتكز على تجاوز الخلافات بين القبائل من ثأرات وغيرها وعلى وحدة القبيلة الـيَـمَـنية في مواجهة العُـدْوَان الأمريكي السعودي وحماية ساحتها والوطن من الغزو وتعزيز الجبهات، وعدم قبول عودة رموز العملاء الذين أباحوا الدم الـيَـمَـني في الرياض ونبذ كُلّ فرد في القبيلة ناصَر العُـدْوَان وقتل معه، وإقامة العقوبة القانونية والعُرفية عليه، كُلُّ هذه المرتكزات التي توحّده حوّلها القبائلُ الـيَـمَـني وأقامت الفعاليات والوقفات وجمعت التوقيعات وصادقت عليها، قفزةٌ هائلةٌ في الوعي الوطني والمسئولية الاجتماعية لم يَكن يُمكن أن تتوحّد عليها القبائل قبل 10 سنوات على الأقل، وهذه القفزة أحد تمظهُرات التطوّر الكبير للوعي الاجتماعي للقبيلة ومستقبل علاقتها مع الدولة كجزء متجانس لا ضد متصارع وكجزء من الهُوية الـيَـمَـنية الوطنية، لا هوية خَاصَّـة مضادّة أَكْبَر من الدولة، وفي تماسكها ستظل أحد أهم أَسَـاسات تلاحُم المجتمع الـيَـمَـني في وجهِ الديمقراطية الغربية الجديدة وخطاب منظمات المجتمع المدني التابع للدول الاستعمارية القائمة على تقسيم المجتمع أقليات لكل أقلية مطلب لا مجتمع له مطالب اقتصادية اجتماعية موحدة، وهوَ خطاب يُعزز التقسيم الطائفي المناطقي بخلق قضية وهوية لكل جزء من المجتمع.