الجديد برس : عبد الباري عطوان
لم يفاجئنا بنيامين نتنياهو رئيس وزراء دولة الاحتلال الاسرائيلي بعقده جلسة لمجلس وزرائه في هضبة الجولان العربية السورية المحتلة، واعلانه بأنها ستظل إلى الأبد تحت السيادة الأسرائيلية، ولكن ما فاجأنا حقيقة هو أن هذه الغطرسة لم تثر أي اهتمام على الصعيدين الرسمي والاعلامي العربيين، إلا في ما ندر، وكأن هذه الهضبة تخص الرئيس السوري بشار الاسد ونظامه، وليس ما يقرب من نصف مليار مواطن عربي من بينهم 25 مليون سوري في الوطن والمنافي.
الوقاحة، أو بالأحرى، الاحتقار من قبل نتنياهو للعرب والمسلمين جميعا، والسوريين، بكل مشاربهم خاصة، بلغت درجة وصف الوجود السوري في الهضبة بإنه “احتلال” استمر 19 عاما، وأن حكومات بلاده حولتها إلى جنة خضراء، وواحة للتنمية والإعمار، ولا نعرف ما إذا كان مسؤولون عرب قد اتصلوا به مهنئين ومباركين خطواته وتصريحاته هذه، بعد أن بات “حليفا” لهم، وعضوا اصيلا في تحالفهم الجديد، ولن نستغرب على أي حال إذا ما فعلوا ذلك.
***
ندرك جيدا أن سورية تواجه خطر التقسيم والتفتيت تحت عناوين شتى أبرزها “الفدرلة”، بهدف إلغاء دورها كقوة إقليمية في وجه الاحتلال الإسرائيلي، مثلما ندرك ان بعض المحسوبين على المعارضة السورية باتوا يعتبرون دولة الاحتلال حليفا وصديقا لهم، ويعدها بعضهم، بأنهم سيقدمون لها الجولان هدية في حال تدخلت لصالحهم لإسقاط النظام، ولا يغيب عن أذهاننا مطلقا صورة أليمة تتمثل في قيام نتنياهو بزيارات إلى الجرحى السوريين الذين يعالجون في مستشفيات إسرائيلية، ولكن سورية ستظل سورية في نهاية المطاف، وستتعافى مجددا، وتنهض من كبوتها، وتستأنف دورها الحضاري الذي امتد لأكثر من ثمانية آلاف عام، هزمت خلالها العديد من الغزاة، وتأسست على أرضها امبراطوريات حملت إحداها رسالة الاإيمان المحمدية إلى مختلف أصقاع الأرض.
نتنياهو يقول إن هضبة الجولان ستظل تحت السيادة الإسرائيلية إلى الأبد، ولكن أي “أبد” هذا الذي يتحدث عنه، وكم سيطول؟ عشر سنوات؟ ثلاثين؟ مئة؟ وهل يعتقد أن الحكام “النواطير” الذين يحمون حدود احتلاله، ويتنازلون عن الأرض والعرض، سيعمرون لألف عام مثل سيدنا آدم، عليه السلام مثلا؟
أليس من حقنا أن نسألة عن مصير الامبراطوريات الرومانية والبريطانية والفرنسية والسوفييتية؟ فهل عمرت هذه إلى الأبد، وهل دولته التي تستمد الحماية واسباب البقاء من غيرها اكثر قوة؟
سورية لم تقع حتى يشحذ نتنياهو وغيره سكاكينهم لتقطيع اوصالها، واخذ نصيبهم منها، سورية ستظل شامخة، ابية، عزيزة، مقاومة، عربية، اسلامية، وستتجاوز هذه المحنة الكبوة مثلما تجاوزت ما هو اخطر منها، فشعبها شعب الجبارين، وارضها تحتضن رفات رجال عظام تعتز بهم، ويكفي أن نذكر صلاح الدين، وسيف الله المسلول خالد بن الوليد.
نتنياهو يعيش ومستوطنوه أسوأ أيامهم، خوفا من المستقبل المرعب الذي ينتظرهم، فأيا كانت نتيجة الأزمة السورية، فإنهم سيدفعون ثمنا غاليا في نهاية المطاف من أمنهم واستقرارهم، وسيكون مشهد اللاجئين السوريين الذين يتدفقون إلى الملاذات الآمنة في الغرب ودول الجوار، مشهدا متواضعا بالنسبة لما يمكن أن يحدث للمستوطنين الإسرائيليين فيما هو قادم من أيام من جراء غطرسة حكامهم، وإغلاقهم كل أبواب السلام والتعايش.
فهذه الفوضى الدموية التي بذرت بذورها أمريكا في سورية والعراق والمنطقة بأسرها، وآلالاف الاطنان من الأسلحة من شتى الأنواع والأحجام، وهذه الخبرات القتالية العالية على جانبي خط القتال، كلها ستتوجه نحو العدو الحقيقي للأمة الذي يحتل الأرض، ويمارس كل أنواع الإذلال ضد أهلها الأصلاء.
أكثر من ثلاثة آلاف رأس نووي لم تمنع انهيار الاتحاد السوفييتي، وتطوير النظام العنصري الجنوب أفريقي قدرات نووية لم يحل دون سقوطه، وغزو أكثر من 200 ألف جندي أمريكي للعراق لم يطل امد احتلاله أكثر من ثمانية أعوام، فهل نتنياهو أقوى من أمريكا وروسيا وبريطانيا وفرنسا؟
***
المشكلة لن تكون هضبة الجولان واحتلالها فقط، وانما استعادة كل فلسطين التاريخية لاصحابها، ايا كانت ديانتهم وعقيدتهم، واقامة دولة التعايش والتسامح والمساواة بعيدا عن كل الممارسات العنصرية التي نراها حاليا في ابشع صورها.