الجديد برس – مقالات وآراء
بقلم / عباس السيد
“التفاحة الفاسدة تفسد بقية التفاحات في الصندوق” هذا هو احد المبادئ السياسية التي تعتمدها الولايات المتحدة في تعاملها مع دول العالم الذي يبدو من شرفات البيت الأبيض، مجرد مزرعة كبيرة يمكن أن تديرها “شركة الفواكه المتحدة ،United ” Fruits Company كما فعلت بدول أمريكا الوسطى، التي عرفت بـ”جمهوريات الموز” كتعبير عن حجم النفوذ الذي كانت تتمتع به الشركة الأمريكية داخل أنظمة الحكم في تلك الدول.
ووفقاً لتلك النظرة ، يقسم الأمريكيون مناطق العالم إلى صناديق تفاح.. على سبيل المثال: تشكل قارة أمريكا الجنوبية ثلاثة صناديق. الأول يضم دول البحر الكاريبي والتفاحة الفاسدة فيه هي كوبا، والثاني في أمريكا الوسطى ،وفيها ينتقل الفيروس من تفاحة إلى أخرى، بدأ في جواتيمالا، وانتقل لاحقاً إلى نيكاراجوا، ثم السلفادور ، ووصل حتى تفاحة بنما.
الصندوق الثالث، تمثله دول جنوب القارة اللاتينية، من فنزويلا وحتى تشيلي..
وبالمثل تنقسم قارة آسيا إلى عدد من الصناديق ، وصندوق خاص لأوروبا الغربية أيضاً.
وبناء عليه، يعتبر شبه الجزيرة العربية صندوقا يحوي سبع تفاحات “دول الخليج الست واليمن”، وهو ما سنتناوله في هذا المقال، مع الاستشهاد بحالات ونماذج مماثلة في الصناديق الأخرى حول العالم.
كما سنحاول التعرف على معايير الجودة الأمريكية للتفاح، وأنواع الفيروسات والبكتريا السياسية التي تشكل خطراً بحسب مختبرات العم سام، وكذلك طرق التعامل المختلفة التي تستخدمها الولايات المتحدة مع التفاحات الفاسدة.
التفاحة اليمنية
تبدو اليمن، أو التفاحة اليمنية في صندوق الجزيرة العربية، فاسدة، أو مهيأة لتكون كذلك -بحسب المعايير الأمريكية- وحتى لا تؤدي إلى إفساد بقية التفاحات في الجزيرة والمنطقة العربية. اتخذ الأمريكيون وحلفاؤهم في المنطقة قراراً بالتدخل المباشر والواسع لعزل التفاحة اليمنية بدأ تنفيذه في 26 مارس 2015م بعد أن فشلت المعالجات الجزئية على مدى السنوات الماضية.
بعد أكثر من عام لا تزال عملية العزل والمعالجة تواجه العديد من الصعوبات لأسباب متعددة، منها: الحجم الكبير للتفاحة اليمنية، وموقعها أسفل الصندوق، بالإضافة إلى إصابتها بأنواع مختلفة من الفيروسات والبكتيريا.
فاليمن، هو الجمهورية الوحيدة في شبه الجزيرة العربية، لها دستور، وفيها تعددية سياسية، وحريات صحفية، وتجرى فيها انتخابات رئاسية وبرلمانية ومحلية.
وإذا تمكن هذا البلد من تحقيق طموحاته بشكل مستقل “خارج العباءة السعودية والمظلة الأمريكية” فإن ذلك سيشكل خطراً ستنتقل عدواه إلى دول المنطقة، أو التفاحات المجاورة في المنطقة العربية.
اليمن.. كأخطر ” مثل طيب”
من منظور القوة المهيمنة ، يرقى إعلان النية بتقديم نموذج ملهم للآخرين إلى مرتبة العدوان -بحسب المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي- الذي يضيف بطريقته الساخرة: ” يجب تدمير الفيروس حال رصده، وتحصين الضحايا المحتملين”، وفي حالة كون “النموذج الملهم” دولة صغيرة ضعيفة فقيرة، يجري التعامل معها “أخطر مثال طيب” إذا حققت نجاحها المستقل، لهذا يجب أن تسحق بشراسة” .
يبدو أننا في اليمن نشكل هذا النموذج الخطير بالنسبة للأمريكيين، فنحن الدولة الأضعف والأفقر في المنطقة، وسيكون نجاحها محرجا للكثير من الأنظمة ، وحافزا قويا لشعوب الدول المجاورة لاقتفاء مسيرة اليمنيين.
فالنموذج التشيلي جرى سحقه ، ليس لتجنب انتقال عدواه إلى الدول اللاتينية المجاورة فحسب، بل خشية انتقال عدواه إلى إيطاليا في الجنوب الأوروبي، فقد كان لليسار الإيطالي حضور قوي دفع الأمريكيين للاستعانة بأدوات النظام الفاشي في المواجهة.
لذلك يجري التعامل مع “التفاحة اليمنية” بطرق وحشية وهمجية قل نظيرها في تاريخ الحروب والنزاعات في العالم، ولم يكن السيد حسن نصر الله مبالغاً، حينما وصف مظلومية اليمنيين بأنها تتجاوز مظلومية الفلسطينيين.
فيروس اليسار في أمريكا اللاتينية
رصد ومراقبة صناديق التفاح مهمة أمريكية بدأت عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية. ويروي المفكر الأميركي نعوم تشومسكي في كتابه ” سنة 501 الغزو لا يزال مستمرا ” ما يلي:
“عام 1954م حذر موظف في الخارجية الأمريكية من أن جواتيمالا صارت تشكل تهديداً متزايداً لاستقرار هندوراس والسلفادور، إن إصلاحها الزراعي سلاح دعائي جبار، ولبرنامجها في الرعاية الاجتماعية جاذبية قوية لسكان الدول المجاورة “.
كان ذلك تمهيدا للإطاحة بالرئيس جاكوب اربنيزا، أو جاكوب الأحمر، كما كانت تسميه واشنطن سقط جاكوب عام 1954م بانقلاب عسكري شارك فيه 500 مرتزق جندتهم ” CIA “، ودفعت الولايات المتحدة بحليفها الكولونيل كارلوس ارماس إلى السلطة ، لتدخل جواتيمالا في حالة من الفوضى والحروب استمرت 36 عاماً، سقط خلالها 200 ألف قتيل، ودمرت 450 قرية.
تفاحة البرازيل .. أحدث نموذج
انتشار فيروس التفاح في دول أمريكا اللاتينية يشكل قلقاً مستمراً للبيت الأبيض، فما إن يجري عزل تفاحة ، حتى تظهر الإصابة بأخرى، من جواتيمالا جنوب المكسيك، إلى كوبا وهاييتي في البحر الكاريبي ، وصولا إلى تشيلي والإرجنتين في الجنوب.
آخر عمليات مكافحة الفيروس، تمت منتصف أبريل الماضي في البرازيل “أكبر تفاحة في السلة اللاتينية”.
عزلت الرئيسة ديلما روسيف في انقلاب ناعم أنهى 13 عاما ًمن حكم حزب العمال الاشتراكي، ومثل ذلك ضربة مؤلمة لحلم التخلص من الهيمنة الأمريكية في مختلف دول العالم ، وليس في البرازيل فقط.
الإجراءات العقابية للولايات المتحدة ضد البرازيل سوف تستمر، ولا يستبعد أن يكون فيروس “زيكا” الذي تصدر نشرات الأخبار مؤخرا هو اختراع أمريكي لنقل أولمبياد ريودي جانيرو إلى دولة أخرى.
التفاحة اليمنية وفيروس الديمقراطية
في فبراير 2010م نشر موقع ” شبكة فولتير الإخبارية ” التي يديرها الصحفي الفرنسي تيري ميسان، لقاء مطولا مع الباحث السياسي في شؤون الجماعات الإسلامية محمد حسان *، وكان عنوان اللقاء ” الولايات المتحدة في اليمن تحارب الديمقراطية وليس القاعدة “.
أكثر ما تخشاه الولايات المتحدة هو انتشار الديمقراطية الحقيقية؛ لأنها تقود للاستقلال. يجري ذلك رغم ادعاءاتها بدعمها، والانقلاب على الرئيسة البرازيلية المنتخبة، جرى بمشاركة المعهد الديمقراطي الأمريكي في البرازيل – بحسب تقرير نشره موقع «ساسة بوست»في 18 مايو 2016م.
تفاحات آسيوية
لم تكن فيتنام في ستينيات القرن الماضي، سوى تفاحة فاسدة يخشى الأمريكيون انتشار عدواها إلى باقي دول الهند الصينية، كمبوديا، لاوس، ميانمار، وصولاً إلى تايلاند، بعد أن نجح الزعيم الفيتنامي، هو شي منه، في تحقيق بعض الإصلاحات في الاقتصاد وبرامج الرعاية الاجتماعية.
لكن الولايات المتحدة صورت ذلك للشعب الأمريكي كخطر يتهدد وجود حليفتها في الشطر الجنوبي من فيتنام، والمصالح الأمريكية بشكل عام، وكان ذلك مبرراً لتشن حرباً على فيتنام خلفت أربعة ملايين قتيل فيتنامي ونحو ستين ألف أمريكي.
وفي اندونيسيا دفعت الولايات المتحدة بالديكتاتور سوهارتو إلى السلطة، ليبدأ عهده بحرب ضد أحد الفيروسات التي تخشاها أمريكا “الشيوعيون”.. قتل الجيش الاندونيسي حوالي مليون من أعضاء الحزب الشيوعي الأندونيسي خلال السنة الأولى من حكم سوهارتو الذي امتد 32 عاماً – 1966-1998م-.
وفي حين كانت الولايات المتحدة تبدو للكثيرين بمنأى عن تلك الأحداث ، امتدح مسؤول أمريكي لاحقا عمليات الجيش الأندونيسي قائلاً: لقد طبق الضباط الذين تلقوا تدريباتهم في الأكاديميات العسكرية الأمريكية ما تعلموه بشكل جيد .
فيروس التفاح يجتاح مزار ع الموز
في سبعينيات القرن الماضي استشعرت الولايات المتحدة خطر عودة الفيروس الذي سيؤدي بالتأكيد إلى تقلص أرباح ونفوذ شركة الفواكه الأمريكية في دول أمريكا الوسطى، وقد كان للرئيس ايزنهاور أسهم في تلك الشركة.
كلفت الإدارة الأمريكية عدداً من رجالها الذين اكتسبوا في فيتنام خبرات في الجريمة و الإرهاب للقيام بمهمة التعامل مع “الفيروس الذي اجتاح مزارع الموز”.
ومثلت السلفادور الحالة الأخطر بالنسبة للبيت الأبيض، ومنذ مطلع الثمانينيات في القرن الماضي، انتهجت الولايات المتحدة أساليب مختلفة في التعامل مع السلفادور عقب نجاح بعض الإصلاحات الاقتصادية والرعاية الاجتماعية.
وعلاوة على التدخل العسكري الأمريكي المباشر أنشأت المخابرات الأمريكية عدداً من العصابات والتنظيمات الإرهابية ، من ضمنها كتيبة ” أتلاكاتل ” سيئة الصيت في السلفادور.
سقط نحو 75 ألف سلفادوري في حروب ومجازر وحشية، أشهرها مجزرة قرية “الموزوت” التي راح ضحيتها أكثر من 900 من الفلاحين.
لم تقتصر التدخلات الأمريكية في أمريكا الوسطى على السلفادور ، إذ شملت أيضا نيكاراجوا التي خاضت مواجهات دامية مع عصابات الكونترا التي أنشأتها ودعمتها الولايات المتحدة خلال عقد الثمانينات.
إفقار الشعوب كسلاح أمريكي
تتمتع اليمن بمقومات اقتصادية وبشرية وجغرافية هائلة، ومع ذالك ، تصنف ضمن الدول الأفقر في العالم، ويجري حاليا إفقارها أكثر وأكثر.
فالتدمير الممنهج للبنى التحتية ، بما فيها منشآت التعليم والصحة، وتدمير المعامل والمصانع، كل ذلك يهدف لإعادة اليمن عقودا إلى الوراء، وسيزداد بالتالي حجم البطالة وإعداد الفقراء.
هكذا يجري التعامل مع دول أمريكا اللاتينية، فعلى الرغم من تمتعها بموارد اقتصادية متعددة، إلا أن شعوبها لا تزال تعاني تبعات تلك الحروب والهيمنة وسياسة الإفقار الأمريكية على أكثر من صعيد.
وكمثال لا تزال عملية الوصول إلى العديد من مناطق هندوراس صعبة بسبب محدودية شبكة الطرق في البلاد، بينما يجري نقل الموز من المزارع إلى ميناء التصدير عبر سكة حديد خاصة، وفي موازاتها يسير الهندوراسيون على الحمير والبغال والعربات البدائية.