الجديد برس | مقـــالات
عبدالناصر التيمي
منذ أن خلق الله الكون والباطل بجيشه وجنوده يريد أن يطفأ نور الحق ,ولأن آل البيت الكرام هم العلامة التي جعلها الله للناس يميزون بها طريق الحق من طريق الباطل , فقد كانوا وعلى مدى السنين ومنذ أن تحمل جدهم الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم مهام دعوة الأنام إلى دين السلامة والإسلام وهداية الناس من الظلمات إلى النور , هم صراط الحق الذي يعبر به الخلق إلى الحق , فالحق مع علي عليه السلام ومع آل بيته الطيبين الكرام على مدى السنين والأعوام .
ولذا فقد كانت لهم مع الباطل الذي يريد القضاء الحق صولات وجولات , فمن الفتنة التي أحدثها الباطل في منازعة سيدنا الإمام علي عليه السلام الأمرَ , إلى الخروج عليه ,إلى قتله , ثم الصراع مع أولاده عليهم السلام , من كربلاء حيث مُنع الحسين وأهله الماء و قتل الصغار والتمثيل بالجثث وإحراق خيم النساء ,واقتياد من تبقى من هذه الأسرة الطيبة من كربلاء إلى دمشق سبايا ,شعث الرؤوس مقيدي الأرجل والأيدي , في منظر لا تزال الفطرة السلمية تبكي عند سماع أحداثه دما لا دموعا , كان الحق يسير معهم خطوة بخطوة ملتصقاً بهم وبمواقفهم البطولية .
وهكذا ومع استمرار الحياة كانوا هم الحق , حيث استمرار الصراع بين الحق والباطل , وفي كل مرة كان الباطل يتمادى في فيها يريد القضاء على هذا النسب الشريف , والمنهج المستقيم , تأتي الغارة الربانية ,فتُغير مجرى الأحداث فيُكتب لآل البيت النبوي النصر بشتى صوره , ففي كربلاء أرادت قوى الطغيان أن تستأصل هذه السلالة المباركة ,ولم تدرِ بأن الله قد تولى حفظ هذا النسب إلى يوم القيامة وحتى الورود على الحوض ,فهم كوثر الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم الذي لا ينضب ولن ينضب , وسيستمر مِعطاءاً يتدفق بخير البشرية وصلاحها ونهضتها حتى قيام الساعة , سيظل هذا الكوثر مُنقذاً لكل تائهٍ في صحاري الحياة ,باحثٍ عن الحق الذي يروي عطشه الروحي والعلمي , فيسقي كل عطشان يروي صداء كل ظمئان , فكانت كربلاء هي الميلاد الثاني لهذه النسب الشريف , حيث جاءت المعجزة التي حفظ الله بها هذا النسب الشريف ,فمن صلب ثلاثة أشخاص هم بقية آل البيت في ذلك الزمان , امتلأت مشارق الكون ومغاربه بقبائل وعشائر تنتمي إلى هذا النسب المبارك كرامةً من الله الذي نزل الذكر وحفظه ,وحفظ حملته من آل بيت نبيه الكرام .(إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ , أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الْآخَرِ : كِتَابَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي , فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا , فَإِنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ)
ففي كربلاء انتصر الحق بثبات هؤلاء الذين قدموا أرواحهم ورؤوسهم أضاحي للحق , فواجهوا الموت بشوقٍ ,لأن الموت في سبيل الحق هو السعادة الحقيقية , وهو الحياة التي لا تعكرها منغصات الدنيا .
ونحن اليوم إذ نشاهد نموذجاً لذلك الصمود الحسيني في صراري صبر ,حيث النسل الحسيني الشريف الذي يقاوم أعتى الطغاة وأحقرهم , ففي قرية صغيرة أغلب ساكنيها هم النساء والأطفال والشيوخ وبعض الشبان , تجلت للعالم صورة حسينية ثابتة لا تلين , لا تُرهبها حشود الباطل لجنده من شتى القرى والعزل , والذين يريدون اقتحام هذه القرية الصغيرة بحجمها ,العظمية بإيمان أهلها , مدججينَ بكافة الأسلحة التي تتساقط قذائفها على القرية ,ليلاً و نهارا في محاولة منهم لتركيع القرية التي يفرضون عليها منذ عام حصاراً مُحكما , مُنع فيه الغذاء والدواء عن أولئك الحسينيين الثابتين على الحق الرافضين الاستسلام للباطل .
في الصراري تتجدد الملحمة الحسينية الرافضة للطغيان , والمتشوقة لنشر السلام والحب والإنسانية التي هي لب الدين وفي فلكها تدور أحكامه .
في الصراري كأني أرى روح سيدنا الحسين عليه السلام تقف هناك , لتنظر من إحدى التباب المطلة على القرية أولئك الثابتين على نهجه ,المتمسكين بحبله , الثائرين في سبيل نهجه ,يحدق في عيونهم التي كان نوره الحسيني عصب بصرها , وتستلذ بشموخ ٍ ذلك الإصرار العجيب على الحق , إنها تبصر فيهم نسخةً أخرى منها , نموذج لفتيةٍ يستهينون بجحافل الشر , الذي لا يهز فيهم جبروته شعرةً واحدة ,وذلك هو الثبات الحسيني ,الذي ورثوه كابراً عن كابر .
نعم الحسين هناك يستمع إلى أصداء صرخته وهي تنطلق من حناجرهم مرددةً ( هيهات منا الذلة ),فترتفع هامات الرجال تعانق السحاب بكبرياءٍ لا يعرف الخنوع .
الحسين هناك في الصراري , لا ليرى كربلاء أخرى, بل ليرى بدراً أخر , ليرى ما يُسر به قلبُه , ليرى الحق الذي يحمل رايته أولادهُ الكرام ينتصر على الباطل , لقد جاء ليستعيض عن حزن كربلاء بفرحة انتصار الصراري , جاء ليشهد شمس آل البيت وهي ترسل أنوارها من جديد , معلنةً ذهاب ظلمة الباطل , وزوال عهد الظلم اليزيدي ,واندحار الشيطان بقرنه وحزبه