الجديد برس : عبدالباري عطوان
الإعلان الذي صدر اليوم (الجمعة) عن ماثيو راكروفت سفير بريطانيا في الأمم المتحدة، وقال فيه ان بلاده ستقدم مشروع قرار يطالب بوقف فوري لاطلاق النار في اليمن، واستئناف العملية السياسية يشكل بدء العد التنازلي لانتهاء “عاصفة الحزم”، وتفكك التحالف العربي وانتصار الكف اليمني على المخرز الحكومي السعودي.
هذا القرار الاممي في حال صدوره يشكل “طوق نجاة” للقيادة السعودية من المستنقع اليمني الذي غرقت فيه طوال الأشهر الـ19 الماضية نتيجة قرارات متهورة.. متسرعة.. تعكس جهلا سياسيا عسكريا وجغرافيا باليمن وبأس اهله.
البريطانيون اكثر الغربيين معرفة باليمن وطباع اهله المفعمة بالكرامة وعزة النفس، والنفس الطويل في المقاومة، وادركوا بدهائهم ان التحالف العربي الذي تقوده السعودية، ويضم معظم حلفائها الخليجيين لن ينتصر في هذه الحرب مهما امتلك من أدوات القوة، ومهما طال الزمن، مثلما ادركوا ان هذه الحرب ستطول، وربما تهدد تطوراتها المستقبلية الامن والاستقرار في المنطقة، وخطوط الملاحة الدولية التجارية الرئيسية، وصادرات النفط وعمودها الفقري (اكثر من 18 مليون برميل يوميا) وتمدد القوتين الإيرانية والروسية في هذه المنطقة الاستراتيجية الحساسة، لهذا قرروا التحرك بسرعة لتطويق الحرب وتقليص الخسائر.
لا نعتقد ان البريطانيين يقدمون على مثل هذه الخطوة، وبمثل هذه السرعة الا بطلب امريكي أوروبي، وعدم ممانعة سعودية، فمن يعرف البريطانيين وتاريخهم في منطقة الشرق الأوسط، وهو تاريخ سيء حافل بالمؤامرات، سيؤيد حتما مثل هذه النتيجة.
***
الحرب التي تشنها السعودية في اليمن باتت مصدر احراج للاتحاد الأوروبي وامريكا، فقد اعطى هذا التحالف المؤيد لهذه الحرب منذ بدايتها مهلة امدها بضعة اشهر للقوة السعودية الجوية والبرية والبحرية الجبارة لحسم هذه الهرب، ثم مددوها لسنة ونصف السنة، وعندما لم تنجح في هذه المهمة، رفعوا “الكرت الأحمر” خاصة بعد ان تعاظمت الخسائر البشرية في صفوف المدنيين، وتصاعدت الاحتجاجات من قبل المنظمات الإنسانية الدولية.
الولايات المتحدة كانت طرفا رئيسيا في هذا العدوان على اليمن منذ اليوم الأول، ليس بتزويد طائرات “عاصفة الحزم” بالوقود في الجو، وانما من خلال إدارة جنرالاتها للعمليات العسكرية وتحديد الأهداف، وتقديم المعلومات العسكرية، وتحديد الأهداف، وتقديم المعلومات لاستخبارية اللازمة، ومنع توجيه أي انتقادات للحكومة السعودية وحلفائها في أجهزة الاعلام الغربية والعربية معا، والأكثر من ذلك انها باعت السعودية ما قيمته 20 مليار دولار من الأسلحة الحديثة في عام 2015 فقط، أي في ذروة العدوان.
السفير البريطاني تذرع بان الدافع الأبرز الذي يدفع بلاده للتقدم بمبادرتها هذه، المجزرة التي ارتكبتها طائرات التحالف السعودي بقصف قاعة عزاء في صنعاء، اسفر عن مقتل 140 شخصا واصابة 600 آخرين، ولكن هناك أسباب أخرى اكثر أهمية، وهي القصف الصاروخي الذي استهدف سفينة إماراتية في باب المندب، وسفن حربية أمريكية قبالة الشواطيء اليمنية، وكذلك الصاروخ الباليستي الذي انطلق من صعدة شمال اليمن، ووصل الى مدينة الطائف.
البريطانيون الذين استعمروا الجنوب اليمني لعشرات السنين، وانسحبوا مهزومين عام 1967 بفعل ضربات المقاومة اليمنية، توصلوا الى قناعة بأن الروس والايرانيون قادمون الى اليمن بنفوذهم واسلحتهم، الامر الذي سيؤدي الى تحكمهم بأهم مضيقيين بحريين في العالم، أي مضيق هرمز في مدخل الخليج، ومضيق باب المندب في فم البحر الأحمر.
***
عارضنا في هذه الصحيفة العدوان السعودي على اليمن في يومه الأول، وذكّرنا بمقولة الملك الراحل عبد العزيز آل سعود لابنائه، بأن اليمن مقبرة الغزاة فاجتنبوه، ولكن احفاده لم يعملوا بنصيحة جدهم، وطالنا الكثير بسبب موقفنا هذا، ومن هنا فإننا نؤيد أي قرار او مجهود اممي يوقف هذه الحرب، ويحقن دماء الاشقاء السعوديين قبل اليمنيين أيضا، وبأسرع وقت ممكن، ولا نعتقد ان القيادة السعودية باتت في وضع يؤهلها لاملاء شروطها التي عرقلت، بل نسفت مفاوضات الكويت.
الصمود والتضحيات اليمنية هي التي أحدثت هذه “الصحوة” للدبلوماسية الدولية، والاستيقاظ من غفوتها “المصطنعة”.. ومن يضحك أخيرا، يضحك كثيرا، ولا شك ان هذا المثل ينطبق على المقاتل اليمني وحاضنته الشعبية الاصيلة.