المقالات

الصعود إلى الحضيض

الجديد برس : مقالات واراء 

كتب / مصطفى عامر

في آخر أيّام بن العلقمي، الخائن الشهير، شوهد وهو يركب حمارًا، كان التتار قد دخلوا بغداد وعيّنوه حاكمًا، وفي ذلك اليوم خرج حاكم بغداد، شخصيًّا، لجلب شعيرٍ كان التّتر قد طلبوه منه! كان الجنود التّتريون يشتمون حاكم بغداد في ذلك اليوم، يصفعونه، يقتادونه إلى غرفة عمليّات التّحالف، ينتظر ثلاث ساعاتٍ كاملة، تنقله طائرة هيلوكبتر- فيما بعد- إلى الرّياض، يتلهّى به الجُبير قليلًا، يصفّق بيديه، يدخل عبدالعزيز جُباري- صديق بن العلقميّ الحميم- يُحني رأسه أكثر ممّا ينبغي: – سم طال عمرك! – خُذ هذا الشّقي معك، وانتظراني في الغرفة المجاورة.

– سم طال عمرك! – سأنام قليلًا ثمّ أقرّر ما أفعله بشأنكما، أيّها البغلين! – سم طال عمرك! – اذلف، لعن الله ابو ها الوجه! – سم طال عمرك! – أهبل انت؟ ما تسمع؟ – سم طال عمرك! ولولا أنّ “قلم الرّوج” ارتطم بالجدار لكان الجباري يعيش الآن بعينٍ واحدة! يخرج الرّفيقان إلى الغرفة المجاورة، أسنانهما تصطكُّ، أطرافهما معًا، فيما يقوم عبدالملك المخلافي بتنظيف غرفة الجبير، غشاوةٌ تُغلّف عينيه.

– علّها دمعة كرامةٍ ضاعت؟ – لا، هي دمعةٌ أحدثها تقشير البصل. صورةٌ تمرٌّ، مثل “صرحٍ من خيالٍ”، يستعيذ المخلافي من شرّ صاحبها ومن “فلسفة الثورة”، تعود إليه أنفاسه، يحمد الله، ثمّ يمسح الغبار عن “بشت” الجُبير.

في الرّدهة تظهر امرأةٌ من بغداد، خرجت لتوّها من كتاب البداية والنّهاية، تصمت قليلًا، تنظر شزرًا، تأخذ رئيس أركان هادي الحميّة، يتفقّد رتبته العسكريّة، لا شيء في كتفه الأيمن. لا يهم، ففي كتفه الأيسر- على أيّة حال- جزءٌ لا بأس به من الشّارة.

حتّى الآن لم يسقط أحد السيفين وهذا أمرٌ جيّد! يبتسم، يرفع رأسه بقدر الإمكان، تبتسم، يغالبُهُ بكاءٌ، تضحكُ، يبكي، يغتالُهُ البكاءُ، يسقط ما تبقّى من سيفيّ رتبته العسكريّة، ترفع أنفها، تُغادر الرّدهة، صوتٌ يمرُّ: ايهٍ يا بن المقدشي! هل كان أهلك في اليمن يعاملونك هكذا؟! يمكنك الآن، يا صديقي، أن تُقفل الكتاب وتكتفي بهذا القدر من الحكاية.

تقول الرّياض، الآن، أن مرتزقتها ارتكبوا مذبحةً دون إذنها، هي تعدّهم الآن للذّبح قربانًا، لقد اقتيد المقدشي- كما أخبرتك آنفا- إلى الرّياض. وقد اقتيد على نحوٍ مهين.

أمسك نفرٌ من الجُندِ بقرنيّ رئيس هيئة أركان هادي، اقتادوه من بين جنوده مثل عنزةٍ يريدون ترحيلها إلى الآخرة، كان يقاوم، سقطت رتبته العسكريّة، سقط ماء وجهه في منتصف المسافة، ولم ينبس أحدٌ ببنت شفة. من أصغر جنديٍّ لدى المقدشي إلى هادي، رئيس الجمهورية التي تمارس سلطاتها ضمن حدودها الإقليمية وفي إطار مساحتها التي لا تتجاوز- على أيّة حال- مترين مربّعين في أحد فنادق الرياض، يحدّها المطبخ شمالًا، جنوبًا حمام عمومي، سام الغباري شرقًا، ومن الغرب لا يحدّها أحد. حسنًا.. ما قلته أعلاه ليس متنًا، إنّهُ هامش.

أمّا المتن فيكتبه يمنيٌّ شجاع، يصرخ ملء الكونِ: #سلم_نفسك_يا_سعودي فتفرّ الدّبابات منه، تصطدم ببعضها، تصطكُّ أسنانها، تنهارُ، تفقد توازنها، تقف، تنتظر اليمنيّ في التّبة المجاورة حتى يختار أقلّ أدوات “تمويتها” كُلفةً. المتن يكتبُهُ يمنيٌّ لا يحمل رتبة المقدشي، ولا وزارة المخلافي، ولا سفارة ياسين، ولا جمهوريّة هادي. المتن يكتبُهُ يمنيٌّ يحمل فوق كتفيه اليمن التي يحدّها البحر من الغرب والجنوب، ومن الشّمال لا يحدّها أحد.

ولهذا فإنّ السّعوديّة لن تخرج من هذه الحرب بسلام. ذلك أنّ بإمكان اليمنيّ الذي يحمل اليمن فوق كتفيه أن يحرق دبابة الإبرامز بقدّاحة سجائر، كما يمكنه- أيضًا- أن يرسل كرامة مملكة الرّمال إلى الجحيم بشويّة كراتين. وهذا ليس مجازًا، إنّها حقيقة، وموثّقة.