الجديد برس : مقالات واراء
كتب / عبدالسلام يحيى المحطوري
ليست التبرعات والودائع هي وحدها الأكثر أهمية وفائدة في دعوة السيد عبدالملك الحوثي للتضامن مع البنك المركزي، ففي الجانب الآخر هناك مبالغ كبيرة وبالمليارات من العملات المحلية والأجنبية تخص المواطنين، مودعة في البريد وفي البنوك الأهلية( تجارية وإسلامية)، وقد بدأت تتعرض للسحب التدريجي، خلال الأشهر الماضية واحتفاظ التجار وأصحاب رؤوس الأموال بمدخراتهم وأموالهم في الخزنات الخاصة، كنتيجة للوضع المالي والنقدي الصعب للحكومة وللبنك المركزي على وجه التحديد، والناجم عن الحرب والحصار الاقتصادي الشامل ، وما نتج عن ذلك من عجز كبير في ميزانية الدولة، وتآكل مخزون البنك المركزي من العملة المحلية، وقرار الفار هادي المدعوم من تحالف العدوان، بنقل مهام وصلاحيات البنك المركزي من العاصمة صنعاء، والذي يأتي في سياق الحرب الاقتصادية، كل ذلك أسهم في شيوع حالة من القلق واهتزاز ثقة قطاع رجال المال والأعمال في البنك المركزي وفي البنوك الأهلية في ذات الوقت.
وفي ظل ذلك الوضع جاءت دعوة السيد عبدالملك الحوثي والتي قابلها الشعب اليمني العظيم باستجابة كبيرة قل نظيرها، لتزيل المخاوف والقلق لدى أصحاب رؤوس الأموال ولدى قطاع المودعين من مختلف المستويات، وتعيد الثقة مجددا في القطاع البنكي والمصرفي، وقبل ذلك في البنك المركزي اليمني، وكان من أهم نتائج تلك الدعوة أن بقيت الودائع والأموال في البنوك والبريد ولم تسحب، بل تم تعزيزها بإيداعات جديدة خلال حملة دعم البنك التي لازالت مستمرة إلى اليوم، ولولا تلك الدعوة لكانت النتيجة الحتمية والتي لا يختلف عليها اثنان، انهيار منظومة البنوك بكاملها، وكانت ستمثل أكبر كارثة وخسارة اقتصادية ومالية للاقتصاد الوطني بشكل عام، وكارثة اجتماعية لمئات الآلاف ممن لديهم أموال في القطاع البنكي والمصرفي بصفة خاصة.
ومع كل النتائج الإيجابية لدعوة السيد عبدالملك إلا أن جوهر المشكلة في الوضع المالي والنقدي للاقتصاد اليمني يتمثل في العجز الكبير في الموازنة العامة للدولة، والذي تضاعف وتضخم بسبب الحرب والحصار ووصل في العام 2015م إلى (908) مليار ريال، ويمثل مبلغ العجز نسبة مرتفعة جدا تجاوزت الـ 15% تقريبا من الناتج المحلي الإجمالي المقدر لنفس العام، وفي سياق الحديث عن العجز يجمع الاقتصاديون على اختلاف مذاهبهم أن ضبط العجز في ميزانية الدولة يعد شرطا أساسيا للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في أي بلد، وبدون ضبط العجز في حدوده الآمنة فستظل مخاطر حدوث أزمات مالية ونقدية واقتصادية واجتماعية قائمة، ستتعدى مظاهرها وآثارها عدم القدرة على دفع المرتبات والأجور إلى ذهاب الاقتصاد الوطني نحو كساد اقتصادي كبير، يشمل مجمل الأنشطة الاقتصادية، تتزايد معه أعداد الفقراء والعاطلين عن العمل، وتتراجع معدلات الاستثمار وتتوقف العديد من المشاريع والأنشطة الاقتصادية عن الإنتاج بسبب ذلك، وبسبب تراجع الإنفاق العام من الموازنات العامة بصورة عامة، والذي يعد أحد أهم محركات الطلب الكلي على السلع والخدمات، ومن هنا تأتي أهمية الالتفات الجاد والسريع إلى المشكل الجوهري في الأزمة المالية والنقدية القائمة المتمثل في عجز الموازنة وذلك من خلال:
– تحصيل موارد الموازنة العامة للدولة من الأوعية الضريبية وفقا للقوانين النافذة.
– بذل المزيد من الجهد في مكافحة التهرب الضريبي والتهريب الجمركي.
– أن يرافق ما سبق إجراء إصلاحيات ضريبية وجمركية مدروسة واستثنائية يكون قطاع المال والأعمال مشاركا فيها ومعينا على تنفيذها في ذات الوقت باعتبار أن الجميع في سفينة واحدة، على ألا يترتب على تلك الإصلاحات أعباء إضافية على معيشة المواطنين ومتطلباتهم الأساسية، وتراعي في ذات الوقت متطلبات الأنشطة الاقتصادية من المواد الخام ومستلزمات الإنتاج، وأن تهدف الإصلاحات إلى حماية الإنتاج المحلي من المنافسة الخارجية غير العادلة ومواجهة سياسة الإغراق التجاري من السلع والبضائع الأجنبية والتي عمدت إليها السعودية والإمارات منذ سنوات، وأثرت بشكل كبير على الإنتاج المحلي، خاصة في ظل العدوان والحرب الاقتصادية والحصار الشامل المفروض على اليمن منذ ما يقارب العامين.
*المصدر : موقع صحيفة الثورة