الجديد برس
لقمان عبد الله
يمعن رئيس اليمن المستقيل، عبد ربه منصور هادي، في المضي قدماً، في استمرار الخيار العسكري، رغم أن هذا الخيار أثبت عقمه وفشله، بعد مضي سنتين من الحرب على اليمن. ورغم إخفاقه الكبير في إدارة مؤسسات الدولة، بالإضافة إلى الصراع الداخلي بين أجنحة سلطته، فإن هادي لا يفوته أبداً التذكير بأن رؤيته الاستراتيجية للحرب هو رفع العلم اليمني فوق أعلى قمة في جبال مران.
لا يبدو الرجل يعبأ أبداً بمدى المأزق أو التخبط الذي تعانيه قواته العسكرية المشكلة من ألوية متفرقة ومتشتتة، بُنيَت على أسس مناطقية وحزبية وفصائلية ومحسوبيات وولاءات خليجية وأجنبية، وهي ــ الألوية ــ لا تحمل عقيدة عسكرية مبدئية، ولا تملك نظاماً قتالياً موحداً يمكن الركون إليهما في الجبهات التي تزج بها في الشمال اليمني.
الحرب لم تنته بعد، بل هي الآن في ضراوة العمليات العسكرية على الساحل الغربي وبقية الجبهات، حتى وقع الاحتراب الداخلي بين الفصائل السلفية المحسوبة على الإمارات وحزب «الإصلاح» الإخواني المدعوم من السعودية في محافظة تعز. وما إن توقفت المعارك بينهما بفعل ضغوط من وسطاء محليين، حتى أطلت الفتنة برأسها بينهما من جديد من خلال التهديدات المتبادلة بين الطرفين. ويجمع المطلعون على مجريات الأمور على أنه لو أتيح للحرب التي تشن حالياً على اليمن أن تتوقف، فإن حرباً ضارية ستقع وتلتهم بنيرانها البشر والحجر، ويشارك فيها جميع القوى المشكلة للسلطة.
عبد ربه منصور هادي لا يكترث بحالة الفوضى وفقدان الأمن والفساد المستشري في إدارات الدولة في الجنوب، مع العلم أن الجزء الأكبر من هذا الفساد المنظم والمدروس قائم بفعل الحمايات التي يوفرها هو شخصياً للمحسوبين والمقربين منه، وأبرز هؤلاء نجله جلال. كذلك إن أصل التعيين في تلك الإدارات لا يكون وفق معايير الكفاءة والشهادات العلمية، بل يستخدم لشراء الولاءات والمنافع.
هادي لا يبالي بالوضع الخدمي السيئ والمنهار على الصعد كافة، إذ تعيش البلاد من دون كهرباء، مع الإشارة إلى أنه في «عز الحرب» في الجنوب ظلت الكهرباء تغذي المناطق كافة من دون انقطاع. وكذلك بالنسبة إلى الفقدان المتكرر للمشتقات النفطية، وقد أثبتت التقارير الدقيقة أنها مفتعلة ومتعمدة أيضاً، فكيف يمكن عاقلاً أن يصدق أن محافظات الشمال المحاصرة أقل معاناة بالنسبة إلى المشتقات النفطية وكذلك الأمن، من تلك التي تخضع لسلطة ما يسمى الشرعية، ومن ورائها التحالف الخليجي؟ وكيف يمكن (هادي) أن يجيب عن سؤال أساسي: لماذا المعاناة المتكررة للشعب الجنوبي في أزمة المشتقات النفطية وحضرموت تعيش اليوم حالة من الهدوء والأمن النسبي وفيها احتياطي نفطي هائل لا يستخرج منه سوى 46 ألف برميل يومياً من خلال ميناء الشحر؟
هادي لا يكترث بحالة الفوضى والفساد في إدارات الجنوب
هذا المستخرج يذهب معظم ثمنه إلى المنتفعين، وكبار الموظفين وبعض شيوخ القبائل المكلفة حماية الآبار وخطوط النقل، وللأسف يذهب بعضها الآخر كمجهود حربي وشراء ذمم للقوات الإماراتية المنتدبة عليكم بالأصالة عن واشنطن، بالإضافة إلى ما يدفع للسماسرة والشركات النفطية.
ليس معلوماً ما إذا كان الرئيس المستقيل يدري أنّ محافظته ومسقط رأسه (أبين) صارت بيد «القاعدة»، وهي تتحكم بإدارتها بالواسطة أو بالمباشر ــ لا فرق في ذلك ــ وهي قادرة (القاعدة) على الانقضاض عليها وإعلانها إمارة إن هي رأت مصلحتها في ذلك، وهذا سهل عليها، لأن أحداً ما في قصر الرئاسة في عدن (المعاشيق) أصدر قراراً للألوية (المتفرقة والمتشتتة) بالانسحاب من دون قتال. اللافت أيضاً انسحاب قوات الحزام الأمني بالتزامن مع انسحاب قوات هادي، مع العلم أن قوات الحزام تأتمر بأوامر إماراتية صرفة.
يعكف الخبراء والناشطون الجنوبيون على الدراسة والبحث عن أسباب الانسحاب، ولكل واحد منهم رأي يختلف عن الآخر. والأكثر غرابة أو ألماً ما نشره بعض الناشطين عن أن الضباط والجنود قرروا الانسحاب احتجاجاً على عدم صرف رواتبهم منذ شهور، فيما تدفع الرواتب (ألف ريال سعودي للعنصر) للشباب المجبرين جراء العوز والفقر على التوجه إلى جبهات الشمال، لأن رئيساً مهووساً بالسلطة، لا يزال خلافاً للمصلحة الوطنية وغير معتبر من السنن التاريخية والتضاريس الجغرافية المعقدة وصلابة الرجال فيها، مصرّاً على الذهاب إلى جبال مران.
هل يستطيع هادي وفريقه حل لغز الإنزال الأميركي في البيضاء الذي أدى إلى مقتل 40 شخصاً بينهم نساء وأطفال، وكان هدفه وفق الناطق باسم البيت الأبيض الحصول على المعلومات عن «القاعدة»، وقد نجحت المهمة وفق قوله أخيراً. أما مدير دائرة التوجيه المعنوي في جيش ما يسمى الشرعية، اللواء محسن خصروف، فقال في تعليقه على عملية الإنزال الأمريكي إن القيادات التي قتلت من آل الذهب هي قيادات في «المقاومة الجنوبية»، معترفاً بأنهم من ضمن الشرعية.
اليوم تقول حكومتك إنها أخبرت واشنطن بضرورة التنسيق المسبق بشأن العمليات المستقبلية لتحاشي سقوط المدنيين. فهل يعلم هادي وفريقه ــ وفق مصادر أميركية متطابقة ــ بأن قوات خاصة إماراتية شاركت في الإنزال. في هذه الحالة، من المفترض أن يكون التنسيق انسيابياً وسهلاً، لأنه وفق قرار تدخل الخليجيين في الحرب، فإنه أتى لدعم الشرعية، فكيف تشارك أبو ظبي في الإنزال وهي جاءت لدعم الشرعية؟ بل المتحدث باسم قوات هادي يعلن أن الضحايا الذين سقطوا، هم مقاتلون خدموا في جبهات الجنوب سابقاً.
عبد ربه منصور هادي وصل إلى مرحلة لا مثيل لها من الذل والخنوع والانبطاح، وهو يجهد في انخراط أكبر نسبة من المنتفعين من جهة واستغلال الفقر والعوز من جهة أخرى، ولا إشكال لديه في إغراق شعبه وأرضه من أجل خدمة الوكلاء الحصريين (الإمارات والسعودية) رغم الطريقة الوضيعة التي يلقاها منهما. في هذا السياق، أفضل مقارنة لحالة هادي في العصر الحديث هي مع أنطوان لحد.
المصدر : الأخبار اللبنانية