المقالات

التدخل الأمريكي.. لماذا؟!

الجديد برس : رأي 

فهمي اليوسفي – كاتب وناشط يمني

فهمي اليوسفي

شعرت واشنطن أن الدعم للرياض في عدوانها على اليمن لم يحقق بنك أهدافها، بل لمست الإخفاق والفشل، فأصبحت تخشى تقدم الدور الإماراتي لصالح بريطانيا التي تعد منافستها الأساسية باليمن، أو وصول الدب الروسي، ويتكرر فشلهم في اليمن إلحاقاً بسوريا، الأمر الذي جعل سلطات ترامب تغامر بالتدخل المباشر في جنوب الجزيرة العربية، بعد أن وفرت المبررات لإسكات المجتمع الدولي. وفي ضوئها وضعت خارطة طريق بدأت بتسخير اللوبي التابع لها في أزقة مجلس الأمن لانتزاع قرار أممي كغطاء للتدخل أمام المجتمع الدولي، وفعلاً استطاعت انتزاع القرار رقم 2342 الذي يوفر لها الفرصة لتنفيذ بنك أهدافها الاستراتيجية التي لم تستطع السعودية تحقيقها خلال الفترة الماضية.
الملامح الأولية توحي بخطورة هذا التدخل الذي برز تحت ذريعة الإرهاب وحماية المياه الإقليمية في باب المندب، واختراع مسرحية وهمية تتحدث عن وجود ألغام بحرية بالمضيق، متهمة الحوثيين والرئيس الأسبق، كما كانت تضج وسائل إعلامها عن البارجتين الحربيتين التابعتين للإمارات والسعودية، واتخذت من ذلك وسيلة وذريعة للتدخل، مع أنها هي من روجت لهذه الأكاذيب، والجميع يدرك أنها تحمل ماركة أمريكية شبيهة بمسرحية الإرهاب ومسلسل حماية الملاحة البحرية.
لم يأتِ هذا التدخل من فراغ، بل يندرج وفق مشروع حلقاته مستمرة من الماضي للحاضر، وما يجري اليوم يعد إحدى حلقات المسلسل، بل هو الأكثر خطورة.. من يقرأ المحطات التاريخية للمشاريع التي أتت من الخارج، سيجد أن من ضمن الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة الشرق أوسطية السيطرة على اليمن وتهيئته للتقسيم، وسيجد البصمات الصهيونية حاضرة في مشاريع الاستهداف لليمن منذ ستينيات القرن المنصرم، وصولاً لهذه المرحلة. والأحداث التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط من الماضي للحاضر، هي جزء من المسلسل، وبالذات (مصر، السودان، الصومال، إثيوبيا، العراق، اليمن قبل وبعد الوحدة، سوريا وليبيا و… و… و…)، وتدفع فاتورتها دول الخليج.
لكن الحلقات الأخيرة باليمن التي بدأت عام 2011م وحتى اليوم، تظل هي الأخطر، بغض النظر عن الديكور السعودي أو الإخراج الفني للفار هادي أو ضجيج الإعلام الامبريالي الذي يسوق للإرهاب الدموي بشكل مبطن، ويرقع البالي بأبلى.
التدخل الأمريكي الراهن أمر بالغ الأهمية، بل ينبغي أن يخضع للدراسة من قبل القوى التي تتصدى للعدوان، وإقدام واشنطن على قصف مناطق في محافظة البيضاء، خلال الأسابيع المنصرمة، تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، مع دخول أساطيلها البحرية لباب المندب، تحت مبرر وجود ألغام بحرية على حد كذبها.. يعد مؤشراً على أن الاستهداف ليس للقاعدة الإرهابية، بل لمن هم ضد الإرهاب وضد المطامع الغربية بالمنطقة، وإن عملاً كهذا يمثل حجر الزاوية لتمزيق اليمن.
هنا أكثر من سؤال يطرح ذاته: ما هي أهداف التدخل الأمريكي الغامضة وآلياته والأطراف اللاعبة والمساندة إقليمياً وداخلياً؟ وكيف يمكن تجاوز هذه التحديات؟
للإجابة باختصار فإن واشنطن تسعى للسيطرة على أهم المناطق باليمن، سواء التي فيها ثروات كحقل الربع الخالي الذي بشر به أنور عشقي، أو استثمار موقع اليمن الاستراتيجي من الناحية العسكرية أو السياسية والاقتصادية، والذي تحاول اتخاذه موقعاً لتصفية حسابات دولية وإقليمية مع بعض بلدان المنطقة، كإيران ونظام سوريا أو حتى الروس والصين..
من المسلمات، ووفقاً للمعطيات المؤكدة، فإن واشنطن تسعى لبناء وتوسيع شبكة قواعدها العسكرية في بلدان الربيع العربي، كما هو حادث بليبيا، إضافة إلى استغلال القواعد الجاهزة التي كان للروس دور في بنائها، مثل قاعدة العند القريبة من باب المندب، والتي أصبحت في الوقت الراهن تحت سيطرتها، فضلاً عن طموحها ببناء قواعد أخرى في العديد من الجزر كسقطرى وميون، حيث إن العين الأمريكية أكثر تركيزاً على باب المندب والجزر اليمنية منذ منتصف القرن المنصرم.
إقدام إريتريا على احتلال أرخبيل حنيش، خلال الفترة الماضية، كان بضوء أخضر أمريكي ـ إسرائيلي، ولازالت واشنطن طامعة وطامحة لاستكمال السيطرة على مضيق باب المندب، لتصبح ضفتا المضيق والبحر الأحمر تحت هيمنة القواعد الغربية، خاصة الأمريكية.
تُقاس تلك الأطماع الأمريكية ماضياً وحاضراً، بالعديد من المحطات، أهمها استهداف النظام الشيوعي الإثيوبي، وتحويله إلى دولتين (إريتريا وإثيوبيا). وكذلك السودان ساندت نظام البشير وأصبح شطرين، وغارقاً في مستنقع المشاكل الدموية، وكذلك تغذية الفوضى في الصومال الذي لم يعرف استقراراً منذ رحيل محمد سياد بري حتى اليوم، إضافة إلى دورها في أحداث 13 يناير 86م في جنوب اليمن (آنذاك)، ودورها في تصفية كل من عبدالفتاح إسماعيل وإبراهيم الحمدي، وحرب 94م، والقرصنة البحرية، وقضية أرخبيل حنيش، حتى ربما بركان جزر الطير.
أخيراً، أقدمت الإمارات على استئجار قاعدة عسكرية في إريتريا، وقاعدة للسعودية في جيبوتي، وأيضاً بالصومال. مع أن الحقيقة توكد أن الاستئجار لصالح أمريكا وأخواتها، ويصب لنفس الأهداف الصهيونية. ويكفي الاستدلال فقط بمشروع أنور عشقي الذي يرد في بنوده إنشاء جسر يربط مدينة النور بمحافظة تعز بمدينة جيبوتي، وتغيير النظام السياسي في إيران..
هنا تتضح ملامح خطة واشنطن في اليمن، بغض النظر عن برامج التضليل. مع أن تدخلها الأخير يحمل في طياته استهداف كافة القوى اليمنية بالداخل المضادة للمشروع الإمبريالي، والإعداد والتحضير لتوجيه ضربة عسكرية لإيران والنظام السوري وحزب الله وأنصار الله وكل من يعترض على الأمريكان، ومن ثم الشروع بتقسيم اليمن على ما يشتهي الوزان.
التدخل الأخير لواشنطن نقطة ارتكازه تبدأ من البحر العربي، ويسير على خطين، وبتعاون وتسهيل سلطة الفار هادي ودول التحالف والدواعش.
يبدأ الخط الأول من ساحل محافظة أبين حتى البيضاء، ويمتد إلى الهضبة الوسطى، منها عتمة وريمة ووصاب.. بينما الخط الآخر يبدأ من ساحل أبين إلى سواحل عدن ولحج، وصولاً لباب المندب ومناطق ما بعد ميناء المخا، ومن ثم يتجه نحو السلسلة الجبلية المؤدية لعتمة وريمة، ويلتقي مع الخط الأول… ومن أجل ذلك تم تفعيل الدواعش بمنطقة عتمة.
ففي حال نجح الأمريكان بذلك سيكون عاملاً لتفعيل الخلايا النائمة لداعش في الهضبة الوسطى من تعز إلى ذمار، وتفعيل بقية الخلايا الداعشية في صنعاء وعمران وصعدة، إذا لم تنتبه القوى التي تقف ضد عدوان بني سعود.
مع أن الجنوب وأجزاء من محافظة تعز أصبحت مشبعة بالدواعش العائدين من سوريا ومشاركين إلى جانب دول التحالف، وهم جزء من الأدوات الأمريكية.
بالتالي، فإن هذه المرحلة تستدعي الانتباه لهذا التدخل الأمريكي ولأجنداته بالداخل، خصوصاً الأخيرة الداعشية، والتعامل مع هذه المسألة بجدية ويقظة عالية، ومطلوب من الجميع إصلاح الماكنة الإعلامية لمواجهة الزيف والتضليل الإمبريالي، باعتبار ذلك أمراً بالغ الأهمية لمواجهة التحديات.