المقالات

العاكفون على العجل الأمريكي

الجديد برس : رأي 

صلاح الدكاك – كاتب صحفي 

بمنأى عن الشماتة أطالع ضآلة المُداخل القطري على شاشات التلفزة وهو يتلقى وابل بصاق المداخل السعودي والإماراتي بنفس ذليلة مستكينة، مفتقرة لجرأة رد الشتيمة بالشتيمة ودفع المهانة عن النفس.. أليس هؤلاء هم ذات المداخلين الذين كانوا يخاطبون بالأمس سوريا العروبة بمنطق (على الأسد أن يكف عن كذا وكذا.. وإلا!).. كيف نفد مخزون صفاقتهم الزاخر، فباتوا قططاً أليفة تتمسح بذيل العباءة السعودية الإماراتية، وترد على ركل الأقدام بمواء الاستعطاف!
قالت العرب سالفاً (من الحماقة أن تُقدِمَ حيث ينبغي أن تُحجِمَ، ومن الذلة أن تحجم حيث ينبغي أن تُقدِمَ)، لكن قطر التي طفرت من غير بيئة هذه المقولة، قلبت مضمونها رأساً على عقب، فأقدمت وتجاسرت في مواقف توجب على الشجاع الشم أن يحجم، فطعنت ظهر المقاومة اللبنانية، ومولت بلا حدود جرذان الخراب في سوريا، واستجلبت رُسُل الموت من شتى الأصقاع إليها، وعبأت شوارع وحارات ومساجد العراق واليمن وتونس ومصر بالمفخخات وأحزمة الغيلة، مطمئنةً إلى أن (هذا هو ما تريده أمريكا وترغب فيه).. على أن الرغبة الأمريكية التي استمدت قطر منها قوة الإقدام، هي من توسدها اليوم قرباناً لضغائن جارتيها السعودية والإماراتية، غير مصغيةٍ لتوسلاتها الذليلة ولا آسفة عليها، ولأن هذا المآل هو – كذلك – (ما تريده أمريكا وترغب فيه)، فإنه لا حيلة لقطر حياله، ولا إمكانية لدفعه ولا للتعقيب عليه، كامتداد طبيعي لافتقارها – منذ البدء – إلى قوة وحوافز الحركة في ذاتها ولذاتها دون حبل ومدد من أمريكا بوصفها اليد العليا القابضة على حزمة خيوط مسرح الدمى الخليجية، بما فيها الدميتان السعودية والإماراتية اللتان تشحذان مخالبهما لافتراس نظريتهما القطرية النافقة بمشيئة أمريكية وحفز أمريكي، لا صدوراً عن محددات ذاتية تخصهما هما بطبيعة الحال.
ليس علينا أن نتفاجأ كرسول أصحاب الكهف إزاء هذا المتغير غير المسبوق في علاقة دمى المسرح الخليجي الواهنة – لولا القبضة الأمريكية في الأساس – ببعضها البعض، والأحرى – عوضاً عن فغر الفاه – أن نستشرف تداعياته على الحالتين العمانية والكويتية الأوفر حياة ومغايرة ضمن هذا المسرح، كما وعلى شعب البحرين الحر الثائر الشريف والمغبون.
لا ريب أن تصفية الدور القطري (الأمريكي) أيسر وأهون من أن يستوجب كل هذا التحشيد الإعلامي والسياسي والعسكري الجاري لجهة إنجازه، والأرجح أن الحاجة الأمريكية غير المعلنة هي لخلق نطاق اشتباك يتعدى تطويق وتطويع قطر شطر تكبيل هامش الحركة العمانية – الكويتية غير المرغوب فيها بمحددات هذا الاشتباك في المحصلة، واستثارة حفيظة الجار الإيراني (اللدود) باللعب على تماس أمنه القومي على أمل استدراجه خارج حدوده فيكون قد وقع في محظور يمكن تجييره أمريكياً على هيئة قرارات عزل أممي من جديد وتجييش اصطفاف خليجي تحت العباءة السعودية ضده بوصفه تهديداً مباشراً للبيت الخليجي الوادع، وبذلك فإنه لن يكون في مقدور الصين – روسيا اتخاذ مواقف مغايرة مقابل فرضية الإجماع تلك، حد التصورات الأمريكية المرجحة تحليلاً.
قد يكون المانع أمام سيناريو محتمل كهذا هو خطورة نشوب اشتباك عسكري في الحاضنة الأولى للوقود العالمي، على أمريكا بالمقام الأول، الأمر الذي يدحض احتمال أن تدفع واشنطن باتجاه نشوبه؛ على أن أمريكا اليوم ليست ذاتها بالأمس لعوامل شتى، ومن غير المستبعد أن تلجأ إلى خيار (شمشون)، لا هدماً للمعبد برمته، وإنما تخليقاً لقواعد اشتباك تكبل بها عنق الكتلة الشرقية الناهضة، وتلجم الحركات الثورية العربية المناهضة لسياساتها في المنطقة والرامية لتأليف وجود عربي وازن ومستقل عن هيمنتها.
كل الاحتمالات واردة، وعزاؤنا أن ثمة (لا) كبيرة يتعاظم هديرها من اليمن إلى العراق وسوريا وفلسطين في القرصنة الصهيونية الأمريكية وصبيانيات وكلائها الآفلين وتنظيمات مسوخها الداعشية.
إنه أوان أن نُقْدِم حيث يحجم الآخرون فزعاً من عجل أمريكي له خوار، شطر أن ننسفه في اليم نسفاً، فيسيح العاكفون عليه في الأرض قائلين (لا مِساس).