الجديد برس : رأي
محمد يحيى المنصور
الإطاحة بمحمد بن نايف وتعيين محمد بن سلمان كان متوقعا منذ البداية ، في نظام حكم قروي غير منضبط لأي شكل مؤسسي أو تقاليد ، حتى ما سمي بنظام هيئة البيعة جرى خرقه والعبث به منذ وصول سلمان وولده الى الحكم.
مالم يكن متوقعا هو السرعة التي تمت بها عملية الانقلاب التي قام بها ابن سلمان بدعم أمريكي واضح وفاضح على ولي العهد محمد بن نايف الذي كان الرجل المفضل لدى إدارة أوباما لجهوده لنجاحاته في مكافحة الإرهاب كما قيل ، بن سلمان وبدلا من وضعه في السجن لإخفاقاته الكارثية وجرائمه في اليمن وسورية والعراق ،وفشله الذريع في ادارة اﻻزمة مع قطر يتم تعيينه وليا للعهد أنها مفارقة لن نجدها إلا في السعودية.
اخفاقات ابن سلمان على الصعيد الاقتصادي الداخلي وتأثيراتها السلبية الملموسة على المواطنين والمقيمين جميعها عوامل كانت ولا تزال تعمل لغير صالح ابن سلمان لو أننا في بلد آخر غير السعودية تتم فيه محاسبة الحكام وتتوافر فيه الحدود الدنيا من المشروعية السياسية الطبيعية بله الشفافية والمنطق.
لعل الأقرب إلى المنطق لفهم ما جرى وما يجري في ارض الحرمين من تطورات درامية تفسر أزمة الحكم السعودي العميقة يتمثل أساسا في سعي الملك الكسيح سلمان في توريث ابنه العرش.
وصول سلمان -المعروف بنزعته الوهابية المتطرفة – للحكم بعد وفاة أخيه الملك عبدالله سيعده المؤرخون بداية النهاية لحكم آل سعود ، حلم سلمان بجعل الحكم في ولده وجد عند الابن رغبة محمومة في الوصول إلى العرش بأي ثمن وبأية وسيلة حتى ولو خالفت المألوف.
فرغم صغر سنه ومحدودية قدراته ووجود من هم أفضل منه كفاءة وخبرة وقدرات داخل الأسرة الحاكمة إلا أن محمد بن سلمان وبمؤهله الوحيد كونه ابن الملك قد استطاع الوصول إلى أن يكون وليا للعهد والملك غير المتوج ، بصلاحيات لا يقيدها دستور ولا قانون في بلد لا دستور فيه ولا قوانين سوى ما يحدده الفرد المستبد.
لم يكن ذلك الثمن الذي بدأ محمد بن سلمان في سداده قربانا للوصول إلى الحكم سوى تلك السياسات الرعناء والقرارات والتوجهات المغامرة وغير المدروسة وفي مقدمتها العدوان التحالفي على اليمن وقتل اليمنيين وتدمير بلدهم ، وتصعيد التوترات والعنف وقطع الرؤوس والاعدامات في داخل المملكة نفسها كما في البحرين ،إضافة إلى اتباع سياسة تصعيدية مدمرة في سورية ، وتأزيم غير مبرر للعلاقات مع إيران من خلال العنوان الطائفي والمذهبي.
منذ وصول سلمان وولده للحكم عام 2015م تميزت سياسة المملكة الخارجية بالتطرف والعداء ، والقفز على ثوابت التاريخ والجغرافيا والتقاليد السياسية في محاولة لاصطناع دور قيادي إقليمي وعالمي أكبر من قدراتها ولا يعبر عن مصالحها الحقيقية ومصالح شعبها ، ولربما يفسر ذلك النهج بأنه محاولة للتغلب على الشعور باهتزاز العرش السعودي وفقدانه المشروعية الداخلية ، والعجز عن مواجهة المطالب المشروعة لمواطنيه المتمثلة في العدالة والمساواة ونيل الحقوق الإنسانية الأساسية والتي يقابلها النظام بالعنف والتنكيل والسجن لمن يوصفون بدعاة الإصلاح الذين يقبع الاف منهم في السجون.
خسرت السعودية معظم مكانتها السياسية والأخلاقية لدى الشعوب العربية والإسلامية، وأصبحت صورتها قرينة الإرهاب الوهابي على نطاق العالم ، وخسرت السعودية معظم تأثيرها في ملفات المنطقة المشتعلة في المنطقة لصالح إيران وتركيا وقطر الخ.
عجز النظام السعودي عن التطور والتجديد وانغلاقه على الصيغة البدوية للحكم الاستبدادي الوهابي المطلق ، جعله يدخل في مرحلة شيخوخة لن تنفع معها عملية وصول الجيل الثاني من الأمراء الذين يرمز لهم محمد بن سلمان لولاية العهد أو للعرش.
عجز الحكم السعودي عن استيعاب المتغيرات في المنطقة والعالم منذ عام 2011م وما شهدته المنطقة من ثورات في اليمن ومصر وتونس والبحرين وليبيا والأحداث في سورية ، ذلك العجز عبرت عنه سياسات القفز إلى الأمام ،في الداخل بالقمع وتكميم الافواه ، وفي الخارج ومع المحيط بإشعال الحروب والازمات.
فمع اندلاع ثورات الربيع العربي وجدت السعودية نفسها فيها ضدا مع تفهم حاجة الشعوب للحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة ،وضدا مع منطق التغيير لتندفع نحو قيادة الثورات المضادة ودعمها وتمويلها للجماعات المتطرفة لكي تكبح عجلة التغيير وتسعى إلى تحويلها إلى حروب وأزمات وفتن لا تزال مشتعلة.
كان تحرك السعودية وقطر والإمارات ضد ما عرف بثورات الربيع العربي يتلاقى مع أجندة الكيان الصهيوني والإدارة الامريكية والحلف الأطلسي ، بمنع عملية التغيير السياسي الغير محسوبة في البلدان العربية ، ومحاولة احتواء حركة الشارع العربي السلمية المدنية غير المؤد لجة بالحركات الإسلامية المنظمة جيدا والمضمون ولاءها للسعودية ، وعندما فشلت محاولات الاحتواء والسيطرة تم الشروع بتنفيذ مخطط اشعال الحروب والفتن ، والدخول في مشاريع التفتيت للبلدان العربية على أسس مذهبية ورقية والسيطرة على الثروات فيها.
خلال ذلك وكما هو الحال في اليمن وسورية والعراق وليبيا جرى تكوين الأحلاف لتبرير التدخلات العسكرية الأمريكية والتركية والاطلسية في سورية واليمن للغزو والاحتلال بدعم وتمويل سعودي إماراتي قطري ، مع محاولة اضفاء عناوين سياسية اومذهبية أو إثنية على الاحداث في تلك البلدان لتبرير تلك الحروب والفتن وأبعاد خطرها عن السعودية.
رفضت إدارة أوباما الانخراط المباشر في إسقاط النظام السوري أو خوض حرب مفتوحة ذات أهداف مذهبية بل إن أوباما نصح حكام السعودية بالتفاوض مع الإيرانيين وحل المشكلات بالحوار ، بل وذهب إلى توقيع الاتفاق النووي مع إيران ضدا على الرغبة السعودية والصهيونية.
ومن بوابة التطبيع مع الكيان الصهيوني والاستعداد للتنازل عن المواقف السعودية المعلنة من الكيان الصهيوني وجد محمد بن سلمان طريقه إلى البيت الأبيض، ليجد في شخصية الرئيس الامريكي التاجر ترامب قابلية إنجاز الصفقات مهما كان الثمن. ، فبالرضى الأمريكي الصهيوني ومقابل مئات المليارات التي اغدقها ابن سلمان بسفه لترامب أصبح ابن سلمان وليا للعهد ، ليثبت بذلك أن العرش السعودية سلعة يمكن شراءها.
التطورات أثبتت أن الشعب السعودي غير موجود في المعادلة ،فعليه أن يسمع ويطيع الأمير حتى وإن جلد ظهره وأخذ ماله بحسب الأثر المنسوب للنبي صلى الله عليه وآلة وسلم الذي تروجه الوهابية في أوساطها.
ابن سلمان أثبت أن شرعية الحكم في المملكة هي شرعية أمريكية واضحة ، تفتقد الإخراج المتقن ومراعاة التقاليد، ولا غرابة فهي قبل ذلك كانت بريطانية منذ تأسيس الكيان السعودي.