الجديد برس : رأي
في عام 2011، فيديو لجلسة الجامعة العربية، التي تم فيها تكليف قطر برئاسة لجنة سورية بعد إبعاد سوريا عن الجامعة وكيف كان سعود الفيصل ينظر إلى حمد بن جاسم آل ثاني.
في عام 1969يصدر الإعلان البريطاني بالانسحاب من الجزيرة العربية ويظهر اتحاد الإمارات العربية.
في العام 1971 الانسحاب وبدء صرعات الحدود بين الدول الخليجية.
عام 1996 ظهور قناة الجزيرة، بعد انقلاب الابن القطري على أبيه وبعد حادث الخفوس مع السعودية.
عام 2005، قرار تحويل قناة أبو ظبي الإخبارية إلى قناة منوعات محلية.
لو أردنا الاستمرار في استنباط التواريخ ذات الدلالة، لملأنا صفحات تغني عن التحليل. ولكن ما أوردناه قد يكفي للانطلاق نحو قراءة معينة للأزمة الخليجية. بناء على ثلاثة قواعد جيوسياسية:
أولاً: إن لكل إقليم سياسي مركز وأطراف. وعندما يكون هذا الإقليم وحدة جغرافية تم تقسيمها على يد مستعمر، فإن صراع المركز يظل مبنياً على أمرين: إحساس الكبير بأن الصغير مسلوخ عنه وعن حقه، وإحساس الصغير بالخوف الدائم والحاجة إلى أشكال الحماية. وعندما يضاف إلى هذين الأمرين ظهور مقدرات اقتصادية طبيعية هائلة في كل من هذه البقع فإن صراع الهيمنة يصبح أكثر شراسة وتجذراً، سواء من قبل المعنيين مباشرة، أو من قبل القوى الاستعمارية ذات الصلة.السعودية لم تر نفسها الأولى على صعيد الخليج، وإنما أرادت دائماً أن تكون الأولى على صعيد العالم العربي ومن ثم الإسلامي. بما ترجمته دائماً صراعاتها مع مصر وسورية والعراق. ولكنها لا تستطيع أن تكون كذلك إلا بهيمنتها على الجزيرة ومن ثم على ما سمي مجلس التعاون الخليجي.
من هنا جاء صراعها الخفي والمعلن وهي المحمية الأميركية مع المحميات البريطانية التي حاولت تشكيل اتحاد إمارات لتقيم معها توازناً ما، بعد ذهاب الانكليز. لكن قطر والبحرين لم تلبثا أن انسحبتا من هذا الاتحاد.
ثانياً: بما أن قيمة المحميات تكمن في ما تملكه من الطاقة، فإن هذا الصراع قد ترجم عملياً بصراع بريتيش بتروليوم مع أرامكو، وهو صراع وصل عدة مرات إلى المواجهة العسكرية، حتى بالطيران، خاصة في حقلي البريمي الحدودي بين الإمارات والسعودية، وحقل الخفوس الحدودي بين قطر والسعودية.
وعندما اجتاح صدام حسين الكويت، أحس الصغار وفي مقدمتهم قطر، بالخوف من جيرانهم. وفعلاً لم تلبث السعودية أن هاجمت المخفر الحدودي في الخفوس فدمرته وقتلت ضابطاً وجنديين ممن كانوا فيه.
أدرك الابن أن عليه الانقلاب على أبيه، بالترتيب مع الأميركيين الذين كانوا يحتاجون إلى قاعدة.
“بالعديد والسيلية ضمنا حمايتنا” – قال لي مسؤول قطري.
“لم نجد من هو مستعد لسماع روايتنا، لا في مجلس التعاون ولا في الخارج. الإمبراطورية الإعلامية السعودية سيدة الموقف، أدركنا أن وسيلة إعلامية قوية يجب أن تكون إحدى ضماناتنا” قال لي محمد جاسم العلي مؤسس الجزيرة.
الضمانة الثالثة – الشرط – كانت فتح العلاقة مع إسرائيل.
ظلت عقدة الحجم هاجساً عند الجميع، فالسعودية تملك جميع عناصر السيادة المتفق عليها في العلوم السياسية، الجغرافية والديموغرافية والتاريخ والثروة (ماكرو دولة). في حين أن الآخرين لا يملكون إلا الثروة (ميكرو دولة)، ولكن سيادة العولمة، واعتمادها على الاقتصاد ومجتمع الاتصال جعل القطري المحمي يعتقد أنه يستطيع أن يتجاوز مرحلة الحماية إلى مرحلة القيادة.
أدرك أن العصر قد تجاوز النفط إلى الغاز وهو يأتي ثالثاً عالمياً على هذا السلم. وكما كسب الأميركيين إلى قاعدتيه وغازه المسال، فإنه يستطيع أن يكسب الغرب إذا ما مرر أنابيبه عبر سورية إلى أوروبا، وخلص القارة العجوز من التبعية الروسية. سواء بتغذية نوبوكو الذي أصبح خطأ من دون منابع، أو بشكل مباشر. سورية لم تقبل ففي ذلك طعنة لروسيا ولايران، وستصبح بدون حلفاء إلاّ حلفاء إسرائيل وستسبيح ثروتها الغازية القادمة. لم تقبل تفاوضاً، حسناً فبالقوة، وبالوكالة حيث تتكفل الثروة ومد الإخوان المسلمين، بتعويض الديموغرافية. وبما أن سورية لن تصمد إلا ثلاثة أشهر ينتهي خلالها الوضع المصري والليبي وربما العراقي، فلماذا لا تعبث إمبراطورية الوهم الكبير القطرية بالقوى الأخرى التي تشكل التهديد الأقرب: السعودية أولاً وأخيراً. وبعقد الباطن الإمارات التي التحقت نهائياً بالركب السعودي منذ وفاة الشيخ زايد ومجيء الشيخ خليفة إلى الحكم بشروط سعودية ترجمت حديثاً بالتحالف الشاب بين وليي العهد، المحمدين.
ثالثاً: كله يتطور تحت المظلة الأميركية – الإسرائيلية، وعلى الدخول تحتها أكثر يتنافس الجميع. لذلك لم يملكا ترف تظهير الخلاف وحتى التنافس طالما أن الرهان الأكبر هو تدمير سورية وحسم الحرب العالمية الثالثة فيها.
لكن من يحلل الأمور كان يدرك حتمية التفجر فور ميل الأمور إلى النهاية في هذا الاتجاه أو ذاك. السعودية حاولت الهرب إلى الأمام في اليمن لكنها غرقت في مستنقع وأغرقت الإمارات معها. والجميع غرق في سورية. من المنطقي أن الولايات المتحدة تقرأ كل ذلك بوضوح، ولم تكن عملية الابتزاز التاريخية، التي بدأت ولم تنته، مجرد نزق ترامبي.
اليوم يتردد أن مطلب إغلاق الجزيرة قد تراجع إلى مطلب تحويلها إلى قناة محلية أو منوعات، ليس هذا المطلب مطلباً إعلامياً، إنما هو أشبه بإغلاق فضائية أبو ظبي الإخبارية ذات التوجه القومي العربي عام 2005 وتحويلها إلى قناة منوعات شبه محلية. مطلب الإمحاء أمام الإمبراطورية الإعلامية السعودية، أي مطلب الالتحاق السياسي بالسعودية. لكن عام 2005 كان بعد الهزيمة الكبرى في العراق، وبعد استتباب النظام العالمي الجديد، وبعد قرار شطب الخطاب القومي العروبي من الإعلام. يومها شاع على الشاشات مصطلح “القومجي”. ويومها تم استبدال محمد جاسم العلي العروبي، بوضاح خنفر الإسلامي الإخواني، على رأس الجزيرة. فهل المطلوب اليوم هو الخطاب الليبرالي المتأسرل؟ أم الخطاب الإسلامي الذي بدأ متحدثون إسرائيليون بالترويج له: إسلام توحيدي بمعنى أنه يقبل بجميع الأديان، ويعبر عن ذلك بقبول يهودية الدولة العبرية، أي قبول التعاون الاقتصادي، قبول الاستيطان اليهودي في مختلف أنحاء الشرق الأوسط. وقبول مشاركة اليهود في العمرة وتسيير سكة حديد من فلسطين المحتلة إلى مكة والمدينة. وتكر المسبحة. هذا ما بدأ أكاديميون إسرائيليون وأوروبيون يتحدثون عنه بدقة وإلحاح. ولنتذكر أن أوسلو بدأت بأكاديميين. فهل ستنتهي الأزمة الخليجية بأوسلو جديدة؟
(معلومات هذا المقال تستند إلى كتاب الباحثة “جيوبوليتيك وخطاب الفضائيات الإخبارية العربية”)