الأخبار المحلية المقالات

هل يختصّ مجلس النواب بـكلّ ما يتعلّق بالسّياسة العامة للدولة وجميع شؤونها ؟!

الجديد برس : رأي 

مصطفى عامر –  ماجستير في القانون الدستوري، جامعة القاهرة.

لأنّ مبادرة مجلس النواب الأخيرة تتعلّق بأمرٍ مصيري، فقد كان تباين وجهات النظر حولها أمرًا طبيعيًّا بالتأكيد، وضروريًّا.

على أنّ النقاش حول هذا الأمر تحوّل منذ الوهلة الأولى إلى ضجيجٍ جمعيٍّ عبثيٍّ لا أحدٌ فيه يستمع إلى أحد، ولا أحدٌ فيه يثق بأحد، وقد كنت في هذا الجو المشحون أؤثر الصّمت لولا أنّ الأخ المحامي محمد مهدي المسوري قد أدلى في غمرة انفعالاته برأيٍّ دستوريٍّ لم يسبقه إليه على حدّ علمي، منذ الثورة الفرنسية و”عولمة” مبدأ الفصل بين السلطات، أحد.

ولكي يكون الأمر واضحًا بالنسبة لغير المُتخصّصين فإنّ مبدأ الفصل بين السلطات يقول- ببساطةٍ بالغة- بأنّ ثمّة ثلاث سلطاتٍ في الدولة، هي: التنفيذية والتشريعية والقضائية، ويتوجّب على كلّ سلطةٍ النأي بنفسها عن منازعة السلطات الأخرى في اختصاصاتها الأصيلة.

مثل هذا الأمر بديهيٌّ للغاية، تقرّه أغلب دساتير العالم، ويعرفه على نحوٍ حتميّ كلّ طلبة الحقوق في هذا الكون، ولا أعرف قانونيًّا واحدًا- باستثناء الأخ محمد مهدي المسوري- ينكر مثل هذا المبدأ.

والدستور اليمنيّ، بالطّبع، ليس بدعًا بين الدّساتير، وهو قد أعطى لمجلس النواب- بالفعل- مكنة “إقرار” السياسة العامة للدولة، لكنّه في المقابل أعطى لرئيس الجمهورية بالاشتراك مع الحكومة مُكنة “وضع” السياسة العامة للدّولة و”الإشراف” على تنفيذها، والفرق بالطّبع جليٌّ بين “الإقرار”، و”الوضع”، و”الإشراف”.

وحينما يخبرك أحدهم، بالتّالي، أنّ مجلس النّواب يختصّ بـ “كلّ ما يتعلّق بالسّياسة العامة للدولة وجميع شؤونها” فاعتذر إليه بلطف، وأخبره بطريقتك الخاصة بأنّ ما يخبرك به “محض كلامٍ فارغ”.

لمجلس النّواب، بالطّبع، سلطاتٌ واسعة للغاية، والإسهاب في بيانها قد يستهلك بضعة مجلدات، لا خلاف في هذا الأمر؛ على أنّه ينبغي التنويه إلى أنّ سلطات مجلس النّواب مهما اتّسعت لن تكون مطلقة، أو، على الأقل: لا أحدٌ من القانونيين في هذا العصر يؤمن بأن سلطة البرلمان مطلقة.

لقد مرّ زمنٌ طويلٌ منذ ثورة البرلمان في إنجلترا، ومبدأ سيادة البرلمان تمّ تهذيبه بمبدأ الفصل بين السلطات، وما يتصوّره المسوري عن سلطات البرلمان ينتمي بالتحديد إلى القرن الثاني عشر الميلادي، أي: إلى ما قبل عصر النهضة وعصر الثورة وعصر النّانوتكنولوجي، وينتمي بطبيعة الحال إلى ما قبل مونتسكيو وروسو ودوفرجيه وهوريو؛ وأنا أتحدّث الآن في أمرٍ يعرفه على نحوٍ حتميٍّ كلّ من أكمل قراءة الباب التّمهيديّ من أيّ كتابٍ “محترم” يتعلّق بالقانون الدّستوري.

لهذا، وحينما يُخبرك أحدهم بأنّ مجلس النواب لا يملك حق “اقتراح” المبادرات فهو لا يشكك بمدى سعة صلاحياته، ولكنّه ببساطةٍ بالغةٍ يُخبرك بأنّ المبادرات التي قد تنشأ عنها اتفاقياتٍ ذات طابع دولي تدخل في اختصاص السلطة التنفيذية، وأنّ مهام مجلس النّواب تنحصر في “التصديق” عليها؛ وفرقٌ شاسعٌ- كما أخبرتك آنفًا- بين ألفاظ “الوضع”، و”الاقتراح”، و”الإقرار”، و”التصديق”.

كان أستاذي الدكتور أحمد ابو الوفا يخبرنا دائمًا بأنّ اللغة مفتاح القانون، والفلسفة جوهر النّص، ومن فقد المفتاح فلن يلج الدّار، ومن غابت عن ذهنه فلسفة النّص فلن يهتدي إلى تفسيره.

أمّا مونتسكيو، حينما قرّر التأليف في القانون، فقد ألّف كتابًا أسماه “روح القوانين”، ولم يكن اختياره لهذا الاسم- بالتّأكيد- محض عبث.