الجديد برس : رأي
محمد ناجي أحمد – كاتب صحفي
موقف اليسار الطفولي من الأب:
على لسان (رشدي) في حواره مع (وردة) يقول الراوي (لم أعجب للهجة العداء لأبيها التي ظهرت في أحاديثها، فقد كنا نتبارى في السخرية بآبائنا وتخلفهم أو جهلهم أو قسوتهم وعدم إنسانيتهم. وكثيراً ما شاركت في هذه الأحاديث، مستنكراً الحب المفرط الذي يحمله أبي، منتهزاً الفرصة لأحكي كيف قضى ليلة شتوية كاملة خارج مركز الشرطة الذي حُجزت به عندما اشتركت في إحدى المظاهرات المعادية، أو كيف كشف المخبأ الذي أودعت به نسخة من البيان الشيوعي وأخرى من (كتيب كيف تكون شيوعياً حقاً) لفيلسوف الثورة الصينية ليو تشاوشي، وأراد أن يحرقها، فهددته بالقتل إن فعل).
تمزج (شهلا/وردة) في حديثها عن أبيها بين موقفها الشخصي منه بسبب إصراره على أمها أن تنجب طفلاً رغم نصح الأطباء له بعدم الإنجاب لخطورة ذلك على حياة الأم، لكن الأم تحمل وتنجب طفلاً يكون سبباً في وفاتها، مازجة هذا الموقف الشخصي مع استغلال أبيها للفلاحين وشرائه لمنتوجاتهم الزراعية بأبخس الأثمان، ثم بيعها بأسعار مرتفعة لايحصل الفلاح على الربع من تلك القيمة الشرائية.
انخرطت (وردة) في (الجبهة الشعبية لتحرير عُمان والخليج العربي) بظفار. في البداية بـ(حملة تعليم جماهيري ذات شقين: مكافحة الأمية وتعليم اللغة العربية مع التربية السياسية). دروس محو الأمية هي في الوقت ذاته دروس للتثقيف السياسي. ما إن يجيد التلميذ فك حروف الأبجدية حتى يبدأ تلقينه (أبجدية الثورة: طبقة، تحرير، مجتمع، نضال، حرية، ثورة، عامل، فلاح، استعمار)، بعد ذلك يبدأ التلاميذ دراسة فصول مبسطة من برنامج الإرشاد السياسي المكون من 25 درساً تشمل 4 موضوعات رئيسية: صفات المناضل الثوري، المبادئ التنظيمية، مبادئ الماركسية اللينينية، الأممية والتحرير الوطني والصراع الطبقي.
وكما هو الحال في العراق حين كان المفكر علي الوردي يحاول أن يقنع الشيوعيين هناك بأن المجتمع العراقي مجتمع عشائري وليس طبقياً، كذلك كان المجتمع في ظفار مجتمعاً قبلياً وعشائرياً، ولم يكن طبقياً، فالمرء يُعَرّف بقبيلته لا بمهنته، لكن الرفاق أجمعوا على أنه مجتمع طبقي!
أُنشئت مدارس للبدو، وتأسست الملكية التعاونية للأراضي، وتعليم النساء وإشراكهن في القتال، وحقهن في اختيار الزوج وفي الطلاق.
يصف الراوي الداخلي (رشدي) (الجبهة الشعبية لتحرير عُمان والخليج العربي) وعملياتها الفدائية والتحولات الاجتماعية التي أحدثتها في ظفار، بما يماثل دور (الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني).
تلتقي (وردة) بعبد الفتاح إسماعيل (ذهبنا إلى عبد الفتاح إسماعيل في بيته فوق أحد التلال المشرفة على الميناء. هادئ ورزين، شعر رأسه غزير وناعم، حاد الذكاء. سألته عن الموقف من الشيوعيين، قال إنهم رفاق جيدون، ثم أضاف مبتسماً: يجيدون الكلام. تذكرت حديث جيفارا عنهم). ويبدو أن إعادة توظيف المقولات الماركسية اللينينية ومقولات جيفارا صفة ملازمة لعبد الفتاح إسماعيل، دون أن يشير إلى مصدرها، مكتفياً بإيرادها باسمه، كما جاء في مذكرات (حسين الحبيشي).
لقد كانت (الجبهة الشعبية لتحرير عُمان والخليج العربي) تواجه كل الأنظمة الرجعية والامبريالية في ظفار، من النظام الأردني وبريطانيا والسعودية وإيران الشاه، بل إن شاه إيران صرح في 10 أبريل 1973م لمجلة (نيوزويك) أنه (مسؤول عن حماية وحراسة منطقة الخليج العربي التي يوجد بها 60% من احتياطي البترول العالمي، والجوهرية بالنسبة لأمن الغرب. اعتمد 3 مليارات دولار لشراء الأسلحة).
تنتمي (وردة) إلى منطقة (الباطنة) في الشمال، ثم نزح أهلها إلى صنعاء، ورفيقها (دهميش) ظفاري صميم من (مرباط) من بيت كثير، يصغر وردة بـ5 سنوات، هرب إلى الكويت وعمره 18 سنة. اشتغل عاملاً في شركة النفط بالخافجي. كان هناك آلاف من العُمانيين. انضم لحركة القوميين العرب في الكويت، وكان من الكوادر التي استقطبها (أحمد الخطيب) أحد مؤسسي الحركة، الذي كان تواصله مع العمال العمانيين إما داخل عيادته حيث يعمل طبيباً، أو يذهب إليهم في مواقع عملهم.
يتبنى الروائي الداخلي بخصوص (سالم ربيع علي) رواية خصومه، فلقد وصفوه بـ(اليساري الانتهازي)، مسقطين عليه مقولة لينين (أقصى اليمين يلتقي بأقصى اليسار). بل إن عبد الفتاح إسماعيل في حواره مع صحيفة (الثوري) 13/10/1979م، يصف سالمين بـ(اليساري الانتهازي… أراد الانحراف بالثورة، وحاول جر الثورة إلى طريق مسدود، كان يرتدي قميص الثورية… ويبدي حماساً للاشتراكية العلمية وسلطة الكادحين، ولقد احتاج الأمر منَّا إلى نضال شاق ودؤوب لفضحه وتعريته، ومن ثم التخلص النهائي منه… وتكشف الوثيقة التي تؤكد ارتباطه بالدوائر الرجعية والامبريالية وتنسيقه معها، أن هذه الدوائر طلبت منه تصفية قيادات التنظيم السياسي الموحد، بل التنظيم ككل، وتقديم رأس الثورة والتنظيم لها) [للاستزادة يمكن العودة إلى كتاب (الخروج من نفق الاغتراب) وكتاب (حول الوحدة اليمنية… والانتهازية اليسارية والحزب الاشتراكي اليمني) للدكتور محمد علي الشهاري].
يبدو أن ما طرحه عبد الفتاح في صحيفة (الثوري) أو الصحف اللبنانية، عن مخطط، لم يكن الغرض منه سوى أن يكون (سالمين) أول ضحاياه، ثم مطيع، وقماطة، وبعد ذلك علي عنتر وصالح مصلح، وشايع وعبد الفتاح إسماعيل إلخ. ولكن بيد علي ناصر محمد وغيره من الرفاق الذين استقطبتهم الدوائر الرجعية والامبريالية لتصفية الحزب. لقد كانت المؤامرة تنخر الحزب لينتهي مع الجبهة الشعبية في ظفار بالإخفاء القسري.