تسابق السعودية الزمن من أجل تحسين صورتها في الولايات المتحدة والغرب تحسبا لتأثيرات قانون “جاستا” مستقبلا، وخلق أجواء مناسبة لتولي محمد بن سلمان عرش المملكة خلفا لأبيه. وتعمل بنصائح لوبيات أمريكية ويهودية وعلى رأسهم خبراء استخبارات ودبلوماسيين سابقين لضمان حضور في الاعلام الأمريكي والدولي بأخبار بعيدة عن الإرهاب وتساعد على منحها صورة الدولة المنفتحة السائرة في طريق العصرنة والتحديث.
ومنذ مصادقة مجلس الشيوخ والنواب الأمريكيين على قانون “جاستا” الذي يجيز محاكمة الدول الراعية للإرهاب، والعربية السعودية تسابق الزمن للإفلات منه، ويستهدف القانون الرياض ودول خليجية بعد تورط عدد من مواطنيها في هجمات 11 ايلول والحديث عن خيوط تحقيق قادت الى تبرعات من أمراء سعوديين لصالح الإرهابيين.
وتعاقدت العربية السعودية مع كبار اللوبيات ووكالات “الماركتينغ” السياسي لتحسين صورتها في الولايات المتحدة، واستدعت سياسيين وكبار الصحفيين لهذا الغرض لزيارة المملكة العربية، وأبدت استعدادا لسماع النصائح وتطبيقها، وتحولت الى زبون رئيسي لشارع “كيت ستريت” في واشنطن الذي يضم شركات اللوبيات الأمريكية.
ورفعت السعودية من التعاقد مع اللوبيات وشركات الضغط للتخفيف من الأجواء التي خلقها قانون “جاستا”، وإدراكا منها أنه إذا تطورت الأوضاع نحو الأسوأ، وحكم القضاء على السعودية بالتورط في هجمات 11 أيلول ستكون وقتها تحت رحمة الغرب وستفقد مئات المليارات من الدولارات. وزاد قلق السعوديين جراء وجود رئيس متقلب المزاج مثل دونالد ترامب الذي لم يتردد في مطالبة السعوديين بتعويضات مالية مقابل الحماية مستقبلا.
ويدور بين شركات الضغط و”الماركتينغ” السياسي في الأمم المتحدة بنيويورك وواشنطن أن السعودية لم تكتفي بالتعاقد مع شركات الضغط، بل تعاقدت بعيدا عن الأنظار مع خبراء سابقين في الاستخبارات والدبلوماسية الأمريكية للحصول على نصائح منهم لرسم خارطة طريق تستنير بها، ولجأت الى هؤلاء الخبراء إدراكا منها بمحدودية دور شركات الضغط أمام التطورات التي قد يحملها قانون “جاستا”.
ويعمل مسؤولون سابقون في الجيش والاستخبارات والخارجية كشركات ضغط لكنها تقدم النصائح أكثر من العمل وسط القاعات المغلقة مع المسؤولين، كما كان يفعل الجنرال مايكل فلين، مسؤول الأمن القومي السابق في إدارة ترامب قبل إقالته، وقد عمل لحساب دول مثل روسيا وتركيا.
وتمثلت النصائح التي قدمها الخبراء في ضرورة إمساك السعودية زمام المبادرة بنفسها والوصول الى الرأي العام الأمريكي بدون وساطة بل بقرارات جريئة، وتحتل بهذه القرارات حيزا في الصحف وبرامج التلفزيون دون تأدية صفحات من الدعاية في الصحف الأمريكية تكون عادة بدون مردود بل الجميع يعرف بأن الأمر يتعلق بإشهار سياسي مدفوع الثمن، كما نصح الخبراء السعودية بتولي جيل جديد من الأمراء مسيرة تحديث المملكة لأن الجيل الأول والثاني من الأمراء لا يصلحون لهذه المهام، وهنا يأتي تسريع تعيين محمد بن سلمان وليا للعهد وإقالة محمد بن نايف.
كما نصح الخبراء الرياض بضرورة جعل بوصلتها في السياسة الخارجية تسير بتوافق تام ومليمتري مع البوصلة في البيت الأبيض، وتجنب انتقاد إسرائيل.
وهكذا، بدأت مسيرة ألف ميل في قرارات ترمي الى إيهام الرأي العام الغربي ومنه الأمريكي بالخصوص بوجود تغيير شامل في المملكة العربية السعودية، وكانت البداية مع تبرير قرارات ترامب بمنع دخول مواطني ست دول إسلامية الى الولايات المتحدة، فقد انتقد العالم هذه القرارات وبادر مسؤولون سعوديون الى تبريرها تحت شعار “حماية أمريكا لأمنها”. وكشف مسؤول أمريكي بسخرية لشخصية عربية “ترامب يتخذ القرارات والسعودية تقول آمين”.
وبدأ السعوديون في مغازلة إسرائيل، فتارة يصرح مسؤولون بأنه انتهى زمن محو إسرائيل وعلى الفلسطينيين قبول أمر الواقع، وتارة يعتبرونها طرفا في الدفاع العربي المشترك في مواجهة المد الشيعي الإيراني، ووصلت التسريبات للصحافة بزيارة ولي العهد محمد بن سلمان إسرائيل سرا لوضع ترتيبات مستقبلية، ولا تجد الرياض صعوبة في مغازلة إسرائيل، فقد مهد للطريق الأمير تركي الفيصل، واللواء المتقاعد أنور عشقي.
وحققت السعودية ترحيبا عالميا بعدما سمحت للمرأة بقيادة السيارات، ويقول أحد خبراء “الماركتينغ” السياسي لـ”رأي اليوم” “حظيت الرياض باهتمام عالمي بقرارها الترخيص للمرأة بقيادة السيارة، فهذا كان أذكى من مليون حملة إشهارية في شارع كيت ستريت في واشنطن”.
وعادت السعودية لتحتل حيزا لا بأس به في الصحافة العالمية وبرامج التلفزيون منذ أسبوعين، عندما قام ولي العهد بمراجعة الثقافة الدينية والخروج من عقود التطرف الى الاسلام المعتدل.
لكن تسرع ولي العهد في تلميع صورته وصورة المملكة جعلته يسقط في أخطاء فادحة ومنها إعلانه تشييد مدينة “نيوم” بقيمة 500 مليار دولار، مشروع أثار سخرية البنوك الدولية وخبراء الاستثمارات لأنه غير واقعي بسبب وجوده في منطقة نزاعات لا تنتج حتى هاتفا نقالا وتفقد موقعها الاستراتيجي وفي ضخامة المبلغ الذي لم يسبق أن غامرت به اي دول أو مجموعة من الدول حتى الغربية الغنية.
وهكذا، كل المبادرات التي تقوم بها السعودية هي خارطة طريق مصممة من خبراء غربيين، لكن لا أحد يعلم مستقبل قانون “جاستا” وكيف سيمس مستقبل المملكة العربية لأن بوصلة القضاء الأمريكي لا يسير دائما مع بوصلة السياسة الأمريكية .