الجديد برس : رأي
مروة الدعبول
من يراقب المشهد العالمي عن كثب، سيلاحظ أن المملكة السعودية باتت منذ مدة تطمح لتنصيب نفسها ملكة العالمين العربي والإسلامي، كنوع من فرض النفوذ والهيمنة، وتجسيداً لنظرتها الفوقية النابعة من عقدة نقص السيادة الحقيقية، وظناً منها أنها بذلك ستنافس الوجود الإيراني أو تنهيه؛ وتجسد هذا الطموح وتعزز بداية بأخذ الرضا الأمريكي عبر زيارة ترامب للمملكة، معتبرين أنه بهذه الزيارة قد منحهم الحصانة الإلهية، ونصبهم ولاة أمر على المنطقة، وثانياً ما تلى ذلك من تعيين بن سلمان المعروف بـ(رجل واشنطن) ولياً للعهد، والذي ظن نفسه الوصي الشرعي لهذه الشعوب وسيدهم الأول، ولكن ما لبثت أن أخذت الخيبات والإخفاقات تنهال على رأس السعودية الواحدة تلو الأخرى، رغم سعيهم الدؤوب للتغيير والظهور بالشكل اللائق أمام سيدهم الأميركي المنتخب حديثاً.
السعوديون مروا فعلاً بصدمات جدية ومتتالية خلال الآونة الأخيرة..
ففي قطر، شهدنا فشل السعودية في إخضاع تميم، وبقي التقارب مع إيران سيد الموقف.
في العراق كذلك أخفقت السعودية مرتين؛ الأولى كانت بطرد الجيش العراقي لإرهابيي داعش، والثانية تمثلت بفشل البرزاني في فصل إقليم كردستان.
في لبنان منيت السعودية بخبطة عنيفة أيضاً عندما حاولت الضغط على اللبنانيين وإخضاعهم بعد احتجاز رئيس وزرائهم وإجباره على الاستقالة من أرضها، لكن لم تجرِ الرياح كما تشتهي السفينة الوهابية، حيث طالبت دول عدة بعودة الحريري، وقيامه هو الآخر بتعليق تلك الاستقالة حال وصوله الأراضي اللبنانية.
أما في سوريا (الضربة الموجعة لحلف السعودية دائماً وأبداً)، فما زالت الخيبات تُصدّر من هناك الى السعودية معلبة وبالجملة كلما قام الجيش العربي السوري بتطهير محافظة جديدة من براثن داعش الإرهابية، وبذلك عدم نجاحها في تغيير المشهد السياسي السوري، والذي راهنت وتراهن عليه منذ سنوات.
وأخيراً وليس آخراً، خسارتها الكبيرة في اليمن؛ فالضربة الأحدث والأعنف والأشد فتكاً بالسعودية وأدواتها أتت من هناك.
أحست السعودية بعد حرب طويلة ومدمرة شنتها وتشنها على الشعب اليمني، بعجزها عن السيطرة على صنعاء عبر العدوان الخارجي، وبالتالي أصبح يتوجب عليها اختراقها من الداخل بعدما احترقت أوراقها السابقة جميعاً، فلا بد إذن من استخدام الورقة الأخيرة، ألا وهي التحالف مع صالح بغية شق الصف اليمني وبث نار الفتنة.
وخصوصاً مع تصاعد الدعوات في العالم لإيقاف العدوان السعودي، ووسط مطالبات دولية واسعة للمجتمع الدولي بحظر بيع الأسلحة للنظام السعودي المجرم، وإيصال المساعدات الى اليمن فوراً، وإنهاء الحصار عليها..
ولكن السعودية تعثرت مجدداً، فما كادت تهلل لهذا التحالف الجديد حتى قُتل صالح! وهذه نهاية طبيعية لكل من يتدثر عباءة بني سعود، ويتعاون معهم ضد شعبه.
بلا شك، سيشكل مقتل صالح تحولاً كبيراً في اليمن ومستقبلها، ولا سيما مع تزامن إطلاق أنصار الله صاروخاً مجنحاً أصاب مفاعلاً نووياً قرب أبوظبي، قبل يوم واحد من الحادثة، والأيام القليلة القادمة سترسم لنا مجريات هذا التحول، ولو أن ملامحه بدأت تتشكل من اليوم الأول عبر خروج اليمنيين إلى الساحات بالآلاف؛ مؤكدين وأدهم للفتنة وتصديهم لها، واستمرارهم بمقاومة العدوان دون أي وجود للخونة بينهم.
إن فشل السعودية في إدارة ملفات المنطقة ليس أمراً مستغرباً؛ فمن غير المنطق أن تتدخل مشيخة ما في شؤون بلد ثانٍ، وتتآمر على آخر، وتتحالف وتقصف دولة مجاورة، بحجة مكافحة التمدد الإيراني، فكل دولة لها الحق في اختيار حليفها الاستراتيجي واختيار من تبني علاقاتها معه ومن تقاطعه؛ ومن المفارقة المثيرة للسخرية أن هناك دولاً (عربية) تقيم علاقات جيدة مع الكيان الصهيوني، ولا أحد يقول لها لماذا وكيف ومتى! ومن بينها السعودية و(علناً) في الفترة الأخيرة، فإذا كان التحالف مع كيان غاصب للأراضي العربية مباحاً عند بني سعود ومن لف لفهم، فلنذكرهم بأن هناك شعوباً عربية مازالت تعرف عدوها جيداً، وتعاديه، ولن تسمح بتمرير المشاريع السعوإسرائيلية عبرها أو على حسابها.
إذن، تهاوت أحلام السعودية بالتلاعب بدول المنطقة، وضاع أملها في القدرة على التأثير بمجريات الأحداث، هذا ما سيضع السعوديين أمام معضلة معقدة جداً، وفي مأزق جديد لا يحسدون عليه، فالشرق الأوسط بعد داعش سيكون شرقاً أوسط منتصراً لمحور المقاومة ولإرادة الشعوب الحرة في اليمن وبقية الدول التي قالت (لا) لبني سعود.