الجديد برس – متابعات
تركز الانتباه في الأيام القليلة الماضية على مدينة عدن في جنوب اليمن، حيث أثارت المواجهات التي حدثت بين طرف تدعمه السعودية، وآخر تدعمه الإمارات، أسئلة حول التحالف الذي تقوده الرياض وقدرة اليمنيين على المحافظة على بلدهم موحدا.
وتناولت تقارير بريطانية الأحداث المتسارعة في اليمن، معتبرة أن رئيس الحكومة الشرعية بات الخاسر الأكبر في أحداث عدن وأن البلاد تتجه نحو الفوضى اليمن والتقسيم إلى دويلات ، متهمة دولة الإمارات بتمرير أجندتها جنوب اليمن.
وكتب مدير ومؤسس «غالف ستيتس أناليتكس» جورجيو كافييرو، قائلا: «التطورات في محافظة المهرة التي ظلت جزءا من جنوب اليمن طوال فترة استقلاله (1967 ـ 1990) زادت من القلق حول المصالح المتضاربة لدول مجلس التعاون الخليجي ودورها في تقويض أو إضعاف الحلول للنزاع اليمني. ففي العام الماضي شكلت الإمارات قوات نخبة مهرية على شكل القوة التي شكلتها في المحافظات الجنوبية في شبوة ولحج وأبين وعدن وحضرموت. وكلفت أبو ظبي قوات النخبة المهرية بحماية الحدود البرية والبحرية وملاحقة مهربي السلاح، وكذلك المعابر للمحافظة ومطارها في الغيضة، إلا أن قبائل بعينها رفضت الخطة الإماراتية في محافظتهم، وهي قبائل لم تعان من شرور الحرب الأهلية في اليمن أو هجمات السلفية الجهادية.
ويخشى السكان المحليون من تدخل دول التحالف في منطقتهم التي ظلت آمنة وجرها إلى الحرب.
ومع ذلك لم تلتفت الإمارات لمظاهر القلق الشرعية وقبائل المهرة وواصلت تمرير أجندتها في المحافظة اليمنية. وعندما وافقت اللجنة الأمنية على تحركات التحالف في المهرة بنوع من الشروط مثل عدم تحويل مطار الغيضة لقاعدة عسكرية تابعة للتحالف، وعدم تنسيق أي تحركات للتحالف مع السلطات المحلية وإدارة الأمن في المهرة وإبقاء الفريق العسكري في مكانه. وفي الشهر الماضي زادت السعودية من نشاطاتها في منطقة المهرة عبر الإمارات العربية المتحدة.
وبدت ملامح التأثير السعودي في المهرة عندما قام الرئيس هادي بعزل المحافظ وتعيين راجح سعيد باكريت بدلا منه، وهو مقرب من الرياض ولديه خبرة في مكافحة التهريب.
ويأمل السعوديون باستغلال علاقاتهم القبلية مع هذه المنطقة في اليمن حيث لا توجد للإمارات صلات.
ولكن تساؤلا ارتفع عن سبب اهتمام السعودية بمنطقة لم تصلها الحرب في وقت تعاني فيه بقية المحافظات من كوارث إنسانية تركت الملايين على حافة المجاعة». ويعلق الكاتب أن توقيت الاهتمام السعودي والإماراتي بالمهرة لا يتعلق بالأزمة الإنسانية اليمنية، والهدف على ما يبدو هو عسكرة الوجود في المهرة.
وفي 18 كانون الثاني/ يناير قالت مصادر إن السعودية نشرت تعزيزات في ميناء نيشتون، القريب من الحدود اليمنية ـ العمانية.
ورغم إعلان الرياض عن فتح مكتب للدعوة السلفية في المهرة إلا أن هناك إقبالا من اليمنيين وغير اليمنيين على شراء العقارات بأسعار أعلى من قيمتها الحقيقية. ويعتقد أنهم متطرفون قاتلوا في مناطق أخرى من اليمن.
وتنظر عُمان التي تمارس تأثيرا على المنطقة بقلق للدور المتزايد للتحالف في محافظة يمنية تريد أن تحافظ فيها على التوازن الطائفي والوضع الأمني القائم.
ولعمان تجارة حدودية متبادلة مع المهرة بشكل يجعلها حريصة على بقاء الأمن مستتبا فيها وحماية حدودها من الاضطرابات التي تعصف باليمن، ودخول العناصر الجهادية إلى أراضيها. لكل هذا فلعمان مصلحة ثقافية وسياسية وأمنية واقتصادية في الحفاظ على المهرة آمنة من النزاع اليمني.
ومن الناحية التاريخية يشعر العمانيون بالقلق على مستقبل المهرة لأنها قدمت أثناء ثورة ظفار في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي العمق للمتمردين. ومن هنا فأي تغيير في الإطار السياسي في اليمن سيترك آثاره على الأمن العماني الداخلي.
وهناك قلق من أن يؤدي تدخل التحالف في المهرة إلى نقل الحرب للمنطقة الشرقية بشكل يجعل من الأزمة اليمنية مشكلة خطيرة لعمان وأمن دول مجلس التعاون الخليجي.
ومع أن قطر هي هدف السعودية والإمارات والبحرين من خلال فرض الحصار عليها العام الماضي، إلا أن المسؤولين في مسقط شاهدوا كيف فككت الأزمة القطرية النسيج الاجتماعي للمجلس وتخشى من تداعياتها على المصالح الوطنية العمانية.
وما تراه مسقط محاولات من دول التحالف لمواجهة شبكات تهريب الأسلحة يأتي في وقت تواجه فيه منطقة الخليج حالة من انعدام الأمن وغياب دور مجلس التعاون الخليجي كمؤسسة إقليمية فاعلة. ومع أن الخلافات بين دول الخليج سابقة لحزيران/ يونيو 2017 ، أي وقت الحصار على قطر، إلا مجلس التعاون كان يحل مشاكله من خلف الستار ويحاول الحفاظ على مظهر من الوحدة في وقت تعاني فيه بقية الدول العربية من حروبها الأهلية.
ولعل حماية الأمن الوطني العماني كانت سببا في عدم انضمام عمان للتحالف في اليمن. وفي الوقت الذي تورطت فيه دول مجلس التعاون الخليجي في حرب اليمن ترى عمان أنها تدفع ثمن حملة عسكرية غير أخلاقية وبدون هدف.
ولو دخلت المهرة في الحرب الأهلية فستصبح عرضة للأزمة. وستجد السياسة الخارجية العمانية نفسها أمام تحد وهي تواصل التحالف مع دول مجلس التعاون من جهة وتعميق علاقاتها مع إيران من جهة. ووسط هذا التحدي ستكون المهرة نقطة ساخنة في الحرب الأهلية.
من جهتها حذرت مجلة «إيكونوميست» من مخاطر انهيار اليمن وتمزقه إلى دويلات. فتحت عنوان «تمرد في عدن يسرع من تمزق اليمن»: كانت عدن التي نعرفها: انفجارات قنابل وأصوات رصاص وألعاب نارية أضاءت الليل في فوضى النزاع والاحتفالات»، ونظم الجنوبيون احتفالات في شوارع ثاني أكبر مدينة في اليمن وأعلنوا عن الاستقلال عن أسيادهم الشماليين. وقطعت أصوات احتفالاتهم الدبابات بقصف مدفعي. وانضم الجنود الإماراتيون إلى الفوضى وأمطروا قواعد الموالين للحكومة المركزية بنيران مدافعهم. مع أنهم دخلوا ـ على ما يفترض ـ لحمايتها.
وللمرة الثانية عبر المقاتلون الموالون للرئيس عبد ربه منصور هادي عن استعدادهم للفرار من مكاتبهم بعد أيام من المواجهات التي بدأت في 28 الشهر الماضي.
وتشيرالمجلة إلى أن قوات هادي تسيطر على منطقة جبلية، فيما وقع الحزام الأمني الذي يضم الميناء والمصفاة تحت سيطرة الحزام الأمني للميليشيات التي دربتها ودعمتها القوات الإماراتية.
ونتيجة لهذا فقد تركت المواجهات اليمن بثلاثة مراكز للقوة، فيما انقسم تحالف هادي إلى قسمين. فهناك الحوثيون الذين سيطروا على العاصمة صنعاء عام 2014 وعلي محسن الأحمر، القيادي المعروف ونائب الرئيس اليمني والذي يقود ما تبقى من الجيش الوطني من مدينة مأرب، شرق صنعاء مع حلفائه من حزب الإصلاح والقبائل الموالية للإسلاميين والآن الفرع السياسي للحزام الأمني، المجلس الانتقالي الجنوبي والذي يحكم تحت قيادة محافظ عدن السابق عيدروس الزبيدي ورعاته الإماراتيين. وتقول المجلة إن الخاسر الأكبر في كل هذا هو الرئيس هادي، فلم يبق لديه موالون على الأرض. وكما وصفه مراقب أجنبي «إمبراطور بدون ثياب». ومع ذلك فلا تزال لديه خيارات من منفاه المذهب في الرياض. يمكنه مثلا الإعلان عن اليمن كفدرالية وتعيين الزبيدي نائبا له. فهذا رغم رفعه راية الانفصاليين الجنوبيين إلا أنه خفف من خطابه الانفصالي في الوقت الحالي. وكل ما يريده من هادي هو تغيير الحكومة وتعيين رجاله مكانهم. ولكن الصدوع بين الشمال والجنوب أبعد من هذه التغييرات.
اقرأ أيضاً: السعودية تبدأ بخطوات خطيرة باستهداف قبائل المهرة وسقوط قتلى وجرحى بأول حملة عسكرية
ترجمة وتحرير: صحيفة القدس العربي