الجديد برس : رأي
صلاح الدكاك
خلف كل صمود وانتصار نحرزه في مواجهة العدو، نسيج اجتماعي متماسك وحاضنة شعبية مؤمنة صلبة.. وخلف كل تقدُّم يحرزه العدو مهما بدا صغيراً، موضع مهترئ ومهلهل في هذا النسيج.. وفي (حيس) كما في سابقاتها من (الخوخة) في الساحل الغربي إلى (بيحان) شرقاً، شق تحالف قوى العدوان الأمريكي طريقه بأرتال من بلدوزرات الأموال القذرة، قبل أن يزج بعديده وعتاده الحربي الذي برهنت سنوات المواجهة الثلاث على عجزه في المضي بمشروع التحالف التفتيتي الاستعماري إلى الأمام، متجاوزاً قامة المقاتل اليمني الثوري في الجيش واللجان ذي الظهير الشعبي الحصين والمنيع.
الأسبوع الفائت ابتهلت شبكات ميديا تحالف العدوان شكراً لملياراته التي جندت عدداً لا بأس به من قوارض وجرذان الطابور الخامس على مديات زمنية متباعدة من عمر الاشتباك، ليتحين مشغلوها برهة غفلة من حراس التراب الوطني، يبدو أنها واتتهم أخيراً فترجموها تقدماً في مديرية (حيس) الواقعة غرباً في منتصف المسافة بين محافظتي تعز والحديدة، والتابعة لهذه الأخيرة إدارياً.
مصدر محلي مطلع أكد لـ(لا) حقيقة تقدم مرتزقة التحالف في عمق (حيس)، وعلى الرغم من أن الطريق الدولي الرئيس المؤدي إلى الحديدة لا يزال في يد الجيش واللجان، فإن الخرق الذي أحدثه العدو قد يكون له ما بعده، مشيراً إلى جملة تجاوزات لم يتعامل معها المعنيون بالحزم اللازم في وقت مبكر، أفضت إلى هذا الخرق.
لكن كيف أمكن لمرتزقة التحالف بلوغ (حيس) قفزاً على مديرية (الخوخة) و(يختل في مديرية المخا)، واللتين تقعان تحت سيطرة قوات الجيش واللجان، بحسب معلومات سابقة؟!
صدمة المتابع المحلي للمجريات مبعثها هذا السؤال، والإجابة عليه تعود إلى ما يزيد على شهر من الآن، حيث وردت تقارير داخلية سرية تفيد بنجاح العدو في (استقطاب أحد أبرز وجاهات الساحل الغربي العارفين بمسالكه وشعابه وطرقه)، والأفدح من كل ذلك أن المستقطب قاتل منذ بدء العدوان بوصفه قيادياً محلياً في صفوف الجيش واللجان، ليلتحق بصفوف المرتزقة في التحالف، مطلع يناير الفائت، طبقاً للتقارير المشار إليها، والتي تعاطى المعتدون مع تحذيراتها على محمل التهاون..
مصادر (لا) أوضحت أن القيادي المحلي السابق في الجيش واللجان المرتزق حالياً (حمير إبراهيم عريك)، نفذ (التفافاً على صفوف المجاهدين، وتقدم من منطقة موشج مروراً بالمشقر ثم الكادحية والشاذلية فالنجيبة غرباً، لا عبر وادي ظمي وجسر عرفان من جهة الخط الرئيس الذي يسيطر عليه المجاهدون، بالإضافة لسيطرتهم على الهاملي وتبة الحرزين ومنطقة الجمعة والسبلة).
في السياق ذاته، حصلت (لا) على معلومات حصرية تشير إلى أن عديد تحالف العدوان الموكول إليه اجتياح (مديرية حيس) يراوح حتى اللحظة في حالة كمون على أطراف المديرية، متأهباً لاجتياحها إثر نجاح موجة الاختراق الأولى المؤلفة من المرتزقة المحليين المسنودين بغطاء جوي كثيف من طيران (الأباتشي) في النفاذ إلى عمقها..
وأفادت ـ ذات المعلومات ـ أن معظم قوام عديد المرتزقة هم من أبناء محافظات جنوب اليمن، يتقدمهم مرتزقة محليون بمعية (حمير عريك) وبرديف من (الجنجويد) في المخا، وأن وجهة رهان التحالف فيما إذا أمكن له اجتياح (حيس) وتثبيت سيطرة عصاباته عليها، ليس التقدم صوب الحديدة، وإنما تحريك خلاياه النائمة من الطابور الخامس في المحافظة الساحلية بغية حصر الجيش واللجان بين نارين.
على الضفة الأخرى من رهانات العدو، يعد مقاتلو الجيش واللجان العدة آخذين في الحسبان ما تكشَّف لعيانهم من نواقص ومعثرات ودسائس ساعدتها برهات الغفلة ومنسوب يقظة انخفض بفعل الوثوق بجدوى وتيرة الأداء السابق لمتغير (حيس).. وقد وردت – أثناء كتابة المادة – معلومات تؤكد تدمير منظومة الدفاع الجوي التابعة للعدو في المخا (بانتسير s1) الروسية، بعملية نوعية مشتركة للقوتين الصاروخية والجوية اليمنية، وهو ما سيعني انكشاف زحوفات مرتزقة التحالف لضربات أبطالنا الباليستية من الآن وصاعداً، كما أن الإنزال البحري المعادي في ميناء المخا لن يكون آمناً.
شخصيات محلية قالت لـ(لا) إن مجتمعات الساحل التهامي عصية على مخططات وأطماع العدوان، غير أن القيادة السياسية ينبغي أن ترفع منسوب يقظتها أكثر من ذي قبل إزاء استثمار العدو الدؤوب في بحر معاناة أبنائها المتفاقمة بفعل العدوان وعقود التهميش، كما وأن تعمل على تكتيلهم في القوام الوطني المواجه للعدوان أفقياً وعمودياً، بوصفهم حاضنة مستهدفة وحفية وأكثر دراية بسبل تحويل الساحل إلى جهنم للعدو ولجحافل مرتزقته.
يؤكد خبير عسكري محلي منخرط في المواجهة إلى جانب الجيش واللجان، أن تحالف العدوان عمد إلى تجريف البنية السكانية للمناطق التي احتلها من تهامة، واستهداف شخصياتها الوطنية بأعمال ثأرية طاولت ممتلكاتهم ومنازلهم وأرواحهم في أحايين أخرى، وعليه فإن إرادة القتال لديهم متوافرة من قبل ومن بعد، ولا غنى عن الإصغاء المتفهم إليهم في حساب إدارة المواجهة مع العدو سواء على مستوى دراسة طبوغرافيا الاشتباك أو تقدير لوازمه الفنية والمادية كيفاً وكماً، بغية خوضه على النحو الأمثل.
لقد وجد كثير من المخلصين لثورة أيلول أنفسهم باسم الوفاق السياسي في مرمى الانكشاف لـ(طارق عفاش) وجلاوزة سلطة الوصاية البائدة، كما وتحت طائلة عقاب العميد الفار والعميل إن أشار أحدهم إلى نواقص المعركة الواجب استيفاؤها لتلافي تقدُّم العدو الوشيك.
على أن هذا السلوك لا يزال مستمراً، وبرعاية من الأيدي الخفية لـ(توابع عفاش)، حتى بعد وأد المخطط الخياني، وإليه ينسب الخبير العسكري المحلي جملة الإخفاقات التي شهدتها جبهات الساحل الغربي منذ ديسمبر الفائت وصولاًَ إلى متغير (حيس)..
(لماذا السماح للعدو بمزاولة نشاط إمدادات عسكرية آمنة في ميناء المخا؟! تفضلوا.. صار بوسعه اليوم تعويض المدرعة التي يدمرها أبطالنا بمدرعتين في ظرف زمني وجيز، بعد أن كان ذلك يستغرق وقتاً طويلاً عبر طريق إمداده البري المحاذي للساحل سابقاً)؛ يقول الخبير العسكري المحلي، ويعزو نشاط الإمداد البحري الآمن والمعادي هذا، إلى تهاون في الاستهداف الصاروخي لقِطَع العدو الناشطة في ميناء المخا رغم وقوعها في متناول صلياته.
في حين يتحدث مقاتل محلي في الجيش واللجان بِلَوْعَةٍ عن مجريات الزحف الأخير على (حيس): (كانت الأباتشي تحلق قيد كيلومتر من رؤوسنا، وكان اصطيادها ممكناً لو وفَّر المعنيون قاذفات الكتف الصاروخية، عوضاً عن خزنها خارج المعركة بلا جدوى!)..
وتشير المصادر إلى أن العدو أمكنه تجاوز حقول الألغام باستخدام كاسحاته التي لا مناص من تزويد المقاتلين بالأسلحة الكفيلة بإعطابها، وهي متوافرة بالعموم.
وطبقاً لتأكيدات مطلعين فإن العمل جارٍ بوتيرة عالية من الجدية والتفهم العابر لعثرات الأداء السابق، بعد أن وضحت أبعاد الصورة للقيادة السياسية والعسكرية، وبات الإعداد في الراهن ليس لردة فعل تطهيرية تستهدف دحر العدو في موضع جغرافي بعينه، فالتوجه ينحو ـ أبعد من ردات الفعل ـ إلى مواجهة نوعية شاملة تعتمد مبدأ المبادرة، وتستهدف انقلاباً في قواعد الاشتباك مع تحالف قوى العدوان في الساحل الغربي..
إن الغطاء الذي انكشف في الساحل الغربي إثر الإطاحة بمخطط ديسمبر الخياني، ليس الغطاء المجتمعي الوطني التهامي الذي كان ولا يزال ينسدل سميكاً على ثورة الـ21 من أيلول، وإنما هو ـ على نقيض الترويج المتشفي للخونة الديسمبريين الفارين- غطاء الوفاق السياسي الذي تلفع به ثعابينها، ونشطوا برعاية منه، وقد انكشف اليوم لأعين وأيدي الثورة التحررية، لا عنها، والقادم القريب حافل بما يشفي صدور شعبنا المؤمن المجاهد، ويلبس على (عفافيش العتمة) تلبيسهم، فينقلب فرحهم الشامت عويلاً ونواحاً، ويخسأ أربابهم فوق ما هم خاسئون.