الجديد برس : متابعات
تجد جريدة (الإندبندنت) أن الإصلاحات الاجتماعية التي طال انتظارها قد بشرت بمملكة تستعد أيضاً لمواجهة المصاعب الاقتصادية
في مقهى على السطح في جدة, تدخن 4 سيدات الأرجيلة بنكهة التفاح، ويشربن الشاي أثناء تصفحهن الإنترنت على موقع لوكالة لبيع السيارات المحلية.
تقول إحداهن: (هذا محرك في 6)، وهي تعيد التلفون لصديقتها, وترد عليها الأخرى: (لا تهتمي، اذهبي بنفسك للمحل بدلاً من هذا), وعلى الطاولة المقابلة يوجد رجلان يمنيان مظهرهما ثري، يحدقان ببعضهما باستغراب.
يقول رجل أعمال محلي رفيع اشترط عدم ذكر اسمه، لجريدة (الإندبندنت): (بطبيعة الحال إنه لمن الرائع أن يكون للمرأة مثل هذه الحريات, لكن لم تكن الأشياء بهذه البساطة من قبل).
تلك السيدات سيصبحن قادرات على قيادة السيارة، لكن من المؤكد أن ذلك سيكون بثمن، وسيزداد أهاليهن وآباؤهن وإخوتهن فقراً.
يقول الناقدون في السعودية إن المؤشر الحالي للتغيير سريع، لكنه لا يرقى إلى مستوى تغيير جذري، وإنما تجميلي فحسب.
وبفضل مرسوم ملكي ابتداءً من يونيو للمرة الأولى منذ عام 1990م , سوف يسمح للنساء بالقيادة في المملكة الإسلامية المحافظة.
وتلك الخطوة الرمزية العميقة سوف تغير حياة المرأة في بلد لا يزال عليها أن تأخذ فيه إذن وصي رجل لتلبية احتياجاتها ورغباتها الأساسية من سفر ودراسة وفتح حساب في البنك.
تقول فائزة (19 عاماً)، وهي مساعدة في محل ملابس نسائية، رفضت أن تعطي لقبها: (أدركت كم أن حياتي وفرصي مختلفة عن تلك التي حصلت عليها أمي, ولقد حان الوقت لأكون امرأة في السعودية).
وكنتيجة للسماح للمرأة بالقيادة، سوف يسمح لهن أيضاً بالمشاركة بشكل أكبر في القوى العاملة.
إن الإصلاحات الاجتماعية التي طال انتظارها يتم إرساؤها جزئياً لتهوين العقبات المريرة: فقد تعرض بيت سعود لضربة شديدة بسبب الهبوط العالمي في أسعار النفط منذ 2015.
وبالنسبة لرؤية 2030 فهي مبادرة جديدة لولي العهد الجديد محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، لجعل السعودية تنفتح بأموالها على العالم الحديث. وقد شملت تلك المبادرة مجموعة واسعة من الإصلاحات، وحتى وعداً بتحويل إسلام البلد إلى إسلام أكثر (اعتدالاً).
قال خريج جامعي محمد الرشودي من الرياض: (لطالما كانت هناك وعود بإحداث تغيير في المملكة، لكن لا شيء فعلي قد أنجز, وعموماً هناك تغييرات جيدة (كقيادة المرأة السيارة)، لكني أعتقد أن تلك الحريات ليست هي القلق الرئيسي في اللحظة الراهنة، فالعديد من السعوديين حالياً قلقون بشأن الاقتصاد).
وبالنسبة لمعدل البطالة فقد ارتفع إلى مستوى عالٍ، حيث بلغ 12.8% السنة الفائتة, وقد قدمت المملكة أول ضريبة قيمة مضافة على الإطلاق (بنسبة 5%) في 1 يناير، وبدأت بالإلغاء التدريجي لدعم الوقود.
وبينما ستتمكن المرأة من الحصول على عجلة القيادة في غضون شهور، سيتطلب ذلك الكثير لملء الخزان، ولا يوجد وظائف كافية لكل واحدة تقود السيارة.
يقول يوسف الحلو، مواطن مصري عاش أغلب حياته في جدة: (قد تم تقديم السعوديين للتو إلى العالم الحقيقي، وما قد عاشوه في السابق كان عبارة عن حكاية خرافية).
لكن بالنسبة للسعوديين العاديين فهذه التغييرات للأفضل والأسوأ قد تم حسمها مسبقاً.
في مدينة جدة على البحر الأحمر، لا تفرض الشرطة الدينية القوانين الحكومية، وهي عبارة عن نسق حياة إسلامي فاضل، كما يتم فرضها على نحو صارم في عاصمة المملكة الرياض.
وتتجول مجموعة من النساء في الساحات العامة من دون محارم، وغالباً ما يعملن في بيئات مختلطة، ويلبسن عبايات لامعة ذات ألوان رمادية وزرقاء، وكذلك سوداء، وحتى إن بعض النساء لا يرتدين غطاء الرأس على الإطلاق، ويمسك المتزوجون بأيدي بعضهم في الأماكن العامة.
في الشهر الفائت أحيا أحد مغني الراب والبوب الأمريكي حفلاً موسيقياً هنا، والحقيقة أنه فنان تضج أغلب أغانيه بالكلمات الجريئة, ورغم أنه ليس مسموحاً للمرأة أن تحضره في نهاية المطاف، إلا أن مجرد السماح لذلك الفنان بدخول المملكة يمثل تحولاً بحد ذاته.
ومن المحتمل أن يحضر محمد بن سلمان ذي 32 عاماً، جدول الأعمال في السعودية للعقود القادمة، ورغم أنه كان قد انتقد لموقفه العدواني من المنافس الإقليمي إيران، وكذلك ترأسه لحصار إقليمي على قطر، وتسببه في سفك الدماء في اليمن؛ إلا أنه صرح بوضوح بشأن نيته الجادة في الإصلاح الداخلي.
وفي آخر توبيخ له للمؤسسة الدينية المتزمتة في البلد، أبان الأمير أن 70% (من السعوديين) من السكان هم تحت 30%… (لن نسمح للـ30% أن يطغوا عليهم).
ومن آخر زيارة لـ(الإندبندنت) منذ 9 شهور فقط: (يبدو الناس أكثر جرأة: يطوف المراهقون حول موقف سيارة جديد وسط سيارات عالقة في الزحام، يخرج من تلك السيارة جاستين بيبر, ولكن آفاقهم آخذة في التقلص من نواحٍ أخرى، فوكالات السفر التي اعتادت أن تروج للرحلات إلى أوروبا باتت تقترح محطات أكثر ألفة كتركيا أو المنتجعات البحرية في جدة.
وأكثر من ذلك في فندق ريتز كارلتون تحرس سيارات الشرطة على حد سواء مدخل المجمع الضخم والطريق السريع, وكان أكثر من 200 شخصية ملكية وشرطة ورجال أعمال قد تم القبض عليهم في فندق 5 نجوم، في نوفمبر الماضي، في حملة التصفية ضد الفساد التي اعتبرت جزءاً من محاولات الأمير محمد لتقوية قاعدة سلطته، وللتخلص من المعارضة, وقد تم نقل المعتقلين إلى مكان آخر نهاية الأسبوع، بعد تسليمهم مبلغ 107 مليارات دولار (76 مليار يورو)، في ما يسميه النائب السعودي العام (العائد المفقود).
تقول ناشطة كانت اعتقلت في عدة مناسبات، في مقابلة أجريت بواسطة رسالة (تيليغرام) مشفرة، كونها ممنوعة من التواصل مع الصحفيين الأجانب: (لازال كل شيء في هذه المملكة يتم اتخاذه في القمة، وليس من قبل الشعب، ولا يزال نفس الأشخاص يحكمون، لكن على كل حال دائماً شيء أفضل من لا شيء!).
بيثان مكرنان
(الإندبندنت)
6 فبراير 2018