الجديد برس : رأي
صلاح الدكاك
زج قيادات العمالة والارتزاق المحليون – لا أقول بالبلد فهو لا يعنيهم – بل بقواعدهم وشارعهم الحزبي وأنصارهم، في أفران تحالف نازي صهيوني إمبريالي بشع، وبعد 3 أعوام يبدو جلياً أنهم لم يتقاضوا الأثمان التي وعدوا بها نظير هذه القوادة السياسية، وعوضاً عن أن يدفع إليهم التحالف بأثمانهم، لا يزال قيادات العمالة والارتزاق يدفعون إلى أفرانه بالمزيد من الوقود البشري، ويتملقون شبقها بأطنان من اللحم الأبيض بخسة ودناءة لا نظير لها على امتداد تاريخ النخاسة وعصور الرق السياسي!
جميع مورِّدي الأعضاء البشرية من أكابر اليمين الإخواني واليسار الاشتراكي والقومي الناصري والحراك الانتقالي والمؤتمر العفاشي، بلا استثناء، باعوا ويبيعون بالآجل على فراش (بني سعود وعثمان ونهيان وآل ثاني).. وبعد 3 أعوام من الاتجار لا أحد استوفى الثمن، ولا أحد سيستوفيه، ولا أحد يبدو أثيراً لدى التحالف أو أكثر حظوة من سواه، فالجميع سواسية في الخذلان، والأفدح من ذلك أن الجميع عاجزون عن أن يغضبوا كما يفعل أي قواد وقع فريسة لاستحمار زبون، أو كما تفعل مومس فتحت عينيها بعد ليلة ضروس على شيك بلا رصيد..
أعيذ أسماعكم من أن تحسب صراخ الإصلاحية (توكل كرمان) وصبيانها غضباً في وجه السعودية والإمارات، لجهة وطن استدعت النوبلية شذاذ الآفاق لـ(تحريره)، وتبين لها أنه بات رهينة لاحتلالهم.
وهل كانت (كرمان وصبيانها) لتغضب لو أن قطر نهشت من جغرافيا الوطن المحتلة ما يجعلها ترضى؟! لقد غضبت – بطبيعة الحال – لغضب (غلام الدوحة) على خلفية (قسمة ضيزى) لحصص النفوذ في اليمن ضمن تحالف عدوان كانت قطر عضواً فيه، وكانت (كرمان) تهلل له حتى مايو الفائت الموافق اشتعال فتيل الخلافات بين السعودية والإمارات من جهة وقطر من جهة (موازية بالأصح) وصولاً إلى (حصار!) الأخيرة في الحدود الأثيرية لنطاق نفوذها الإعلامي متمثلاً في (شبكة قنوات الجزيرة)..
لا يمكن على أية حال قراءة التناقضات المحتربة اليوم تحت سقف المشروع الأمريكي الإمبريالي بوصفها صراعاً بين نقائض، وإنما كنتاج طبيعي لإخفاقات هذا المشروع في اليمن (كما في سوريا والعراق ولبنان)، على نحو دفع بجملة التناقضات البنيوية الأصيلة لكياناته الوظيفية في المنطقة، من حالة الكمون إلى السفور، ومن الخفوت إلى الجَلَبَة..
لمواجهة هذه التداعيات في ملعب أدواته، يلجأ مركز المشروع الإمبريالي إلى تدويرها إيجاباً في صورة اصطفافات محتربة بغية امتصاص ردات الفعل الشعبية إزاء انفضاح نواياه الاستعمارية المعادية، ضمن مجال سيطرته وتصريفها بعيداً عن أن تصب لجهة تعاظم رصيد الاصطفاف الوطني الأصيل المناهض لمشروع الهيمنة والمشتبك مع تحالف عدوانه العسكري، وارتفاع مناسيب الوثوق الشعبي في صدقية قيادته الثورية وصوابية خيار الصمود والمواجهة مهما كانت الكلفة، لا سيما مع وضوح أن كلفة الاستسلام والتعويل على وعود تحالف العدوان أفدح بكثير، طبقاً لخبرة شعبية قوامها 3 أعوام.
بالنسبة لـ(واشنطن) كمدير تنفيذي لتحالف عدوان عاثر، فإن شِباك الاستقطاب الإعلامي المطلوب اليوم على ضوء الإخفاقات، ينبغي أن تعيد الانتشار لتصطاد في النقمة المتفاقمة على التحالف، من خلال تَبَنِّي خطاب ناقد أكثر حدة له ووصفه بـ(الاحتلال)، بما يحول دون أن تتعدى هذه النقمة دول التحالف لتطال المدير التنفيذي، وتتمظهر في هيئة مقاومة شعبية فعلية لتجليات وأبعاد مشروعه.
في مقابل (توكل كرمان) التي باتت ترى في التحالف احتلالاً، وكان تحريراً إلى الأمس القريب، ارتفع صوت آخر بات يرى في التحالف تحريراً، وكان احتلالاً وعدواناً بالنسبة له حتى ديسمبر الفائت، غير أن القاسم المشترك الوثيق والثابت في موقفي (كرمان والديسمبريين بقيادة عفاش)، هو الولاء لأمريكا قبل وبعد إعادة الانتشار هذه، والتي اقتضاها سياق عثرات وإخفاقات مشروع العدوان.
إن توصيف (عفاش) للتحالف بـ(الاحتلال والعدوان)، في الفترة ما قبل (ديسمبر الفائت)، كان توصيفاً موجهاً لـ(السعودية دون الإمارات)، وعلى نحو لم يتعدَّ التكتيك إلى الانخراط الفعلي من جانب عفاش في مواجهة استراتيجية فعلية مع التحالف وأهدافه التي هي أمريكية في معلومه، ولا قدرة له – بالقصور الذاتي كأداة – على مناهضة مديره التنفيذي.
وبالمثل فإن توصيف (كرمان) المُحدَث للتحالف بـ(الاحتلال) لا يتعدى (السعودية والإمارات) كواجهة إلى أمريكا كفاعل مستفيد، ولا يعني أنها على وشك تدشين مقاومة شعبية عسكرية في مواجهته بهدف تحرير ما يحتله من تراب، ولا حتى الدعوة إلى خيار كهذا..
عوَّل (الإصلاح) على التحالف في استعادة السلطة على صنعاء، فوجد نفسه بعد 3 أعوام مطروداً من عدن، وعاثراً في مأرب وتعز، وبعيداً جداً عن صنعاء، بينما عوَّل الحراك الجنوبي على التحالف في استعادة (دولة الجنوب) و(فك الارتباط مع الشمال)، فوجد نفسه تحت إمرة (طارق عفاش) الذي خرج مذموماً مدحوراً من صنعاء لتُتوِّجه الإمارات أميراً لها على (عدن) و(عرَّاباً للقضية الجنوبية)، وهو المنحدر من سلالة سلطة مؤتمرية إصلاحية قوَّضت مؤسسات الجنوب، ونفذت حملات إبادة جماعية بحق كوادرها تحت شعار (الوحدة أو الموت) في 1994م.
إن ثورة أيلول بقيادة (أنصار الله) الطليعية التي تدير دفة الحرب الوطنية مع مشروع الهيمنة الإمبريالية وتحالف قوى الهيمنة والاستكبار، هي العدو الرئيس المستهدف بإعادة تجديل أوراق التحالف الخائبة شمالاً وجنوباً على هذا النحو من الهزلية الفاضحة..
يراهن العدو ميدانياً على تفخيخ الخارطة جنوباً وغرباً وفي تعز ومأرب، بمجموع العنف الخليط المحترب والمحتقن في الجغرافيا المحتلة، بما يفضي إلى إفراغ النسيج الاجتماعي حول صنعاء، والحيلولة دون قدرتها على توظيف هذا التداعي في ملعب التحالف لجهة اصطفاف وطني جامع لكل المظلوميات..
وسياسياً يهدف العدو إلى تعويم اللافتات التي يتعين أن يتعاطى معها المفاوض الوطني على طاولة أية تسوية مقبلة، بحيث يغدو من العسير للغاية تعريف الآخر المحلي في الضفة المقابلة خلال عملية سياسية تشاورية محتملة، ومستقبلاً في المشهد السياسي.