الجديد برس – تقارير
على الرغم من أن القيادة العسكرية الإماراتية باتت متحكمة بكثير من التفاصيل والشؤون في محافظة شبوة، إلا أن جهودها لاستكمال السيطرة على هذه المحافظة تعترضها عقبات عديدة، تبدأ من الرفض القبلي المتنامي لانتشار ميليشياتها في المواقع الحيوية، ولا تنتهي باعتراض السلطة المحلية، وكذلك الشخصيات الموالية لـ«الشرعية»، على ممارسات تلك الميليشيات
تشهد محافظة شبوة، جنوبي اليمن، منذ أيام، توتراً متصاعداً، جراء احتدام الخلافات بين القيادة العسكرية والأمنية الموالية للإمارات في المحافظة، وبين الشخصيات الموالية للسلطة «الشرعية»، ما ينذر بانهيار الهدنة التي تم التوصل إليها أواخر كانون الثاني/ يناير الماضي، عقب الاشتباكات الأخيرة في مدينة عدن.
احتمال يتقدم في وقت تبذل فيه الإمارات جهوداً متواصلة لإحكام سيطرتها على المواقع الحيوية في شبوة، خصوصاً منها منابع النفط والغاز، الأمر الذي يحملها، بحسب مراقبين، على اتخاذ خطوات ذات صدى إعلامي، بهدف التغطية على «انتفاض» المناوئين لها، وإلهاء الرأي العام المحلي والخارجي عنهم.
يوم السبت الماضي، وصل إلى ميناء بلحاف لتصدير الغاز المسال، الواقع على ساحل البحر العربي في مديرية رضوم، رئيس أركان الجيش الإماراتي، الفريق حمد الرميثي. زيارة حملت، وفقاً لما أفادت به مصادر محلية، ثلاثة أهداف: أولها الاطلاع على ما يقال إنها عمليات تدريب تجري داخل المنشأة لعناصر يفترض أن يشكلوا نواة «النخبة المأربية» التي يعمل الإماراتيون على تشكيلها، على غرار ما فعلوه في محافظتي حضرموت (النخبة الحضرمية) وشبوة (النخبة الشبوانية). وثانيها استكمال عمليات الاستطلاع لإمكانية استنساخ التجربة الإماراتية في سقطرى في شبوة، لناحية الاستثمار في ميناء بلحاف، والحصول على امتياز إدارته وتشغيله، واستئناف تصدير الغاز المسال منه والمتوقف بسبب الحرب، خصوصاً أن أبو ظبي وضعت عينها، منذ بدء تمددها في المحافظة، على مصادر الثروة هناك.
أما ثالث أهداف زيارة الرميثي فيتمثل في تجديد الدعم لقوات «النخبة الشبوانية» التي يدور حديث عن اعتراض قبائل من داخل المحافظة على انتشارها في عدد من المنشآت. في هذا الإطار، تفيد مصادر محلية بأن المتحدث باسم «المجلس الانتقالي الجنوبي»، الموالي لأبو ظبي، سالم ثابت العولقي، المتحدر من قبائل العوالق في شبوة، استبق وصول المسؤول الإماراتي إلى شبوة بخطوات تمهيدية استهدفت تهيئة الأجواء للزيارة، ومنع أي اعتراضات محتملة عليها. وتلفت المصادر إلى أن العولقي سبق له أن قام بخطوات مماثلة، قبل فترة، لدى تصاعد الرفض القبلي لسيطرة «النخبة» على المواقع الحساسة في المحافظة؛ علماً أن الإماراتيين اقتصروا في عملية تشكيل «النخبة» على استقطاب شبان من 3 قبائل فقط هي: بني هلال وآل بالعيد والواحدي، ما ولّد سخطاً لدى بقية القبائل على استبعادها من هيكلية القوات المحلية. من هنا، يمكن فهم تشديد الرميثي، خلال لقائه قيادة «النخبة الشبوانية» في ميناء بلحاف، على استمرار المساندة الإماراتية لهذه القوات، وتعهده بـ«مزيد من الدعم المالي والعتاد العسكري، بما يضمن انتشار النخبة في مديريات المحافظة كافة».
الحرد القبلي على الإماراتيين ليس وحده ما يعترض خطواتهم في شبوة، بل ثمة كذلك احتجاج داخل السلطة المحلية، غير المناوئة لأبو ظبي، على ممارسات «النخبة الشبوانية». احتجاج تجلت آخر صوره يوم الجمعة الماضي، عندما وجّه محافظ شبوة، علي بن راشد الحارثي، رسالة إلى الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، شكا فيها «قيام قوات النخبة باعتقال العديد من القيادات الأمنية والعسكرية في المحافظة»، مطالِباً بـ«إخضاعها لسلطة اللجنة الأمنية»، ورافضاً استمرار عملها «خارج إطار القانون». هذا البيان، الذي صدر بلهجة مُلطّفة إلى حد ما، يظهّر الطريقة التي تدير بها القيادة العسكرية الإماراتية، ومعها الميليشيات الموالية لها، شؤون المحافظة، حتى في ما يتصل بتحركات الشخصيات التي لا تناصب أبو ظبي، أقله في العلن، العداء. وما اعتراض موكب المحافظ الحارثي غير مرة، وعدم السماح له بالمرور إلا بعد نيل الإذن الإماراتي، إلا دليل واضح على حجم تلك الممارسات، وعدم مراعاتها أياً كان.
يوم الأحد الماضي، تجددت ممارسات «التقطع» هذه مع توقيف قوات «النخبة الشبوانية» موكباً مشتركاً للمحافظ الحارثي ووزير النقل في حكومة هادي، صالح الجبواني، كان في طريقه إلى منطقة بئر علي في مديرية رضوم، لوضع حجر الأساس لميناء جديد أقرت حكومة هادي في وقت سابق إنشاءه هناك. تفاوتت الروايات بشأن ما حدث. وفيما ادعى المحافظ أنه سُمح لهما بالمرور بعد التواصل مع القيادة الإماراتية، اتهم الجبواني في مؤتمر صحافي عقده عقب الحادثة «النخبة» بمنعه من العبور إلى ميناء قنا. وبالنظر إلى الحوادث السابقة لحادثة الأحد، يمكن الاستنتاج أن الإماراتيين أعطوا الإذن للحارثي بالمرور كونه غير معاد لهم، ومهتماً راهناً بحفظ مصلحته في قيادة السلطة المحلية، بينما لم يأذنوا بذلك للجبواني المعروف بعدائه الشديد لهم منذ ما قبل تعيينه وزيراً للنقل. عداء تكرر التعبير عنه في المؤتمر الصحافي الأخير للوزير، الذي اتهم الإمارات بـ«إنشاء تشكيلات قبلية ومناطقية»، وبـ«تعميم الفوضى والانفلات الأمني في المحافظات المحررة»، واصفاً المحافظ بأنه «رجل الإمارات في شبوة».
ويُعدّ التعرض الإماراتي للجبواني مخالفة لروح التسوية التي تم التوصل إليها قبل حوالى شهر، والتي اقتضت السماح لوزراء حكومة هادي بأداء مهامهم ريثما تحين فرصة إجراء تغيير حكومي، فيما تؤجج اتهامات الجبواني لأبو ظبي التراشق الكلامي بين طرفي «الشرعية» والإمارات بما ينذر بتجدد الأزمة التي شكلت مدينة عدن مسرحها في كانون الثاني الفائت. وفي محاولة منها، على ما يبدو، للتغطية على الخلاف المستعر، أطلقت القيادة الإماراتية، الإثنين، عملية «السيف الحاسم» للقضاء على عناصر «القاعدة» في مديرية الصعيد، علماً أن هذه الأخيرة كان أُعلن «تحريرها» قبل حوالى شهر ونصف شهر، ما أثار علامات استفهام كثيرة لدى المراقبين حول العملية الجديدة، التي لم تستغرق أكثر من ساعات معدودات، شأنها شأن «عملية الفيصل» في وادي المسيني في محافظة حضرموت.