كتبت مراسلة صحيفة «الإندبندنت» في منطقة الشرق الأوسط، «بيثان مكيرنان»، تقريرًا حول الإصلاحات الاقتصادية التي تدخل حيز التنفيذ حاليًا في المملكة العربية السعودية وتأثيرها على الصراع الجاري في اليمن.

ووفقًا للكاتبة التي تتخذ من بيروت مقرًا لها، فإن اليمن، وهو البلد الذي تمزقه الحرب الأهلية منذ ثلاثة أعوام، يواجه على ما يبدو أزمة جديدة. فقد أدت التعديلات التي أدخلت على قوانين العمل السعودية إلى ترحيل مئات الآلاف من العمال المهاجرين غير الشرعيين عن المملكة منذ شهر فبراير (شباط) من العام الماضي.

ومن الجدير بالذكر أن هذه التعديلات تأتي ضمن حزمة إجراءات تستهدف معالجة معدلات البطالة المرتفعة في البلاد.

«أسوأ من الحرب»

ترى «مكيرنان» أنه بالرغم من الحاجة الماسة لإصلاح الاقتصاد السعودي، فإن ذلك قد يكون له تأثيرات خطيرة وغير متوقعة، حيث يُخشى أن يُقْدِم الآلاف من الشباب اليمني العاطل على حمل السلاح والانضمام إلى صفوف المتمردين «الحوثيين» أو تنظيم «القاعدة»، بعد أن اضطر إلى العودة إلى بلده المأزوم إنسانيًا واقتصاديًا.

وكان الأمير محمد بن سلمان، الذي يتزعم إصلاحات «رؤية 2030» الهادفة إلى تحديث البلاد ووقف اعتمادها على النفط، قد وصف في وقت سابق الوظائف التي تحتلها العمالة الأجنبية بالـ«احتياطات» التي يمكن أن يمنحها للمواطنين السعوديين «في أي وقت أراه مناسبًا».

وبحسب إحصاءات وزارة الداخلية السعودية، فإن 65% من أولئك الذين جرى ترحيلهم في الآونة الأخيرة كانوا من اليمنيين – وهو ما يعني أنه جرى إرسال ما مجموعه 100 ألف شخص إلى ديارهم فعليًا، فيما ينتظر 130 ألفًا غيرهم مصيرًا مماثلًا.

وتتابع الكاتبة قائلة إنه بالرغم من استحالة الحصول على بيانات دقيقة تتعلق بأعداد الذين انضموا إلى القوات المتحاربة، فإن مصادر متعددة تواصلت معها قد أفادت بأن 10% من المرحلين يحتمل أن يكونوا قد قاموا بذلك.

ويعتقد أنه يعيش حاليًا في السعودية نحو مليون يمني، وتعد الحوالات المالية التي يرسلها العاملون بالخارج إلى ديارهم بمثابة شريان الحياة بالنسبة إلى أسرهم.

ومن الجدير بالذكر أن ثلاثة أرباع سكان اليمن البالغ عددهم 22 مليون نسمة قد أصبحوا يعتمدون على المساعدات للبقاء على قيد الحياة منذ بدء الصراع، ويعيش 8 ملايين شخص الآن على حافة المجاعة فيما يعد أسوأ كارثة إنسانية في العالم.

وكما يقول فارع المسلمي، وهو زميل غير مقيم لدى معهد «تشاتام هاوس» في لندن ويمني الجنسية، فإن ذلك المال الذي يتلاشى «يمكن أن يدمر اليمن، وسيكون أسوأ من الحرب».

القتال مقابل الغذاء

وفي بلد وصل فيه نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي إلى مستوى قياسي بلغ أقل من 515 جنيهًا إسترلينيًا في عام 2016 وأخذ ينخفض منذ ذلك الحين، فإن احتمالات وجود أجور ثابتة قد قادت فعليًا، كما ترى الكاتبة، الآلاف من الرجال الذين يمتلكون رغبة أو فهمًا ضئيلًا لأسباب العنف للانضمام إلى صفوف المقاتلين.

وتقول «فايزة السليماني»، التي غادرت اليمن إلى السعودية في عام 2015 وتعمل عن بعد على مشاريع تستهدف المساعدة الإنسانية: «إن تصريح محمد علي الحوثي مخيف حقًا». وكان الأخير قد صرح قائلًا: «مرحبًا بالعمال العائدين من المملكة العربية السعودية في وطنهم. إن وظيفتهم محفوظة، ألا وهي: الدفاع عن الأمة من قواعدنا العسكرية».

وتضيف السليماني: «لم نتلق رواتب في اليمن منذ عامين. وإنها لأزمة فعلية أن يشعر الناس بأنهم لا يملكون خيارًا سوى القتال حتى يتمكنوا من توفير الخبز على موائدهم».

وتتابع السليماني: «إنني شخصيًا أعرف خمسة شبان كانوا طلابًا في بلدان أخرى وجرى ترحيلهم وانضموا إلى الحوثيين وميليشيات أخرى مثل المجلس الانتقالي الجنوبي. وذلك أمر محبط للغاية».

ووفقًا للكاتبة، يتقاضى المقاتلون الحوثيون مائة دولار (72 جنيهًا إسترلينيًا) شهريًا للقتال في الخطوط الأمامية ضد تحالف يضم جنودًا يمنيين وقوات قبلية محلية تابعة للحكومة اليمنية في المنفى وقوات سعودية وأخرى إماراتية. وتقدم فروع تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية في اليمن أجورًا مماثلة.

وفي لقاء مع «الإندبندنت» عقد في محافظة مأرب الموالية للحكومة في العام الماضي، يذكر أسير حرب جريح من الحوثيين يبلغ من العمر 20 عامًا أنه عندما انخرط في صفوف الحوثيين اعتقد أنه سيقاتل الأمريكيين والإسرائيليين.

يقول الأسير: «قالوا إنه سيكون علي حماية اليمنيين، وليس محاربتهم. وقالوا إن الأمريكيين قادمون وإنهم سيحاولون تغيير الأوضاع». وجاءت كلماته هذه فيما هو يتألم من أوجاع ذراعه وساقه المضمدين.

3 مرات دفع عمال اليمن ثمن صراعات الساسة

وقال رجل أعمال يمني بارز مقيم في السعودية إنه قد اضطر خلال العامين الماضيين إلى تسريح 4 آلاف عامل بناء يمني بسبب الأزمة الاقتصادية التي تواجه المملكة والتغييرات التي أدخلت على نظام التصاريح، مما جعل من الصعب الإبقاء على العمال الأجانب.

وكان هذا الرجل مغتمًا بسبب قراره فصل أولاد بلده في وقت يعرف فيه مدى ما عليه مستقبلهم من قتامة: ربما يجب أن يكون بمقدور اليمنيين، بسبب الصراع الجاري في بلدهم، المطالبة باللجوء، لكن السعودية ليست من الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين لعام 1951.

ويقول في حوار مع «الإندبندنت» من مقره في مدينة جدة على البحر الأحمر: «يرتاب العمال المهاجرون هنا بشدة من السعوديين. فهم يعيشون وفق نظام الكفالة المعطل، ويعاملون وكأنهم مواطنون من الدرجة الثانية».

ويتابع رجل الأعمال اليمني: «يعتقد أولئك الذين حصلوا على تعليم منخفض للغاية، وعلى نحو واسع، أن السعوديين في انسجام مع الولايات المتحدة وإسرائيل بشكل سري، كما أن إدارة ترامب لا تخفف من تلك الصورة. وبعد أن عاشوا هنا فترةً من الوقت، بدأوا يعتقدون بأن الحوثيين على حق».

إن خطوة ترحيل العمال الذين لا يمتلكون أوراقًا قانونية ورفع تكاليف تصاريح الإقامة على أولئك الذين بقوا في البلاد، كما تؤكد الكاتبة، لا تعد الأولى من نوعها: ففي عام 2013 أدت حملة مماثلة ضد العمال الأجانب إلى عودة 655 ألف شخص إلى اليمن.

ويعتقد على نطاق واسع أن القرار قد أدى إلى تفاقم مشاكل الاقتصاد اليمني الهشة بالفعل، وأثر على المحاولات الفاشلة من أجل حوار وطني لتحقيق الاستقرار في البلاد بعد تنحي الرئيس علي عبد الله صالح أثناء الربيع العربي.

ويتفق معظم المحللين على أن عملية تصفية سعودية سابقة لمليون عامل يمني في عام 1990، بسبب دعم حكومة صنعاء لغزو صدام حسين للكويت، كانت قد ساعدت أيضًا في إحداث فوضى اقتصادية، أسهمت بدورها في الحرب الأهلية الأخيرة في اليمن عام 1994.

«فيتنام السعودية»: صفقات سلاح وحملات لتلميع الصورة

وكانت جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان قد أدانت بشكل متكرر الرياض بسبب تورطها في الصراع الحالي في اليمن.

والتحالف العسكري الذي يتكون من دول عربية بزعامة السعودية ويدعم الحكومة اليمنية في المنفى ضد الحوثيين المدعومين من إيران والذين يسيطرون على العاصمة، يجري اتهامه، وفقًا لـ«مكيرنان»، بعدم اتخاذ الاحتياطات الكافية لتجنب الخسائر التي يمكن تفاديها في أرواح المدنيين في حملات القصف.

وقد نجم الكثير من الدمار الحالي عن الأسلحة التي بيعت إلى السعودية من قبل حلفاء مثل بريطانيا وأمريكا – وهي خطوة شعر مسؤولون في إدارة «باراك أوباما» بالقلق من أنها قد تكون بمثابة تواطؤ في جرائم حرب.

وحتى الآن، يبلغ عدد قتلى حرب اليمن، كما أعلنته الأمم المتحدة، 10 آلاف قتيل. غير أنه من المعترف به على نطاق واسع أن الكثيرين راحوا ضحية انتشار سوء التغذية وأسوأ نوبة وباء للكوليرا في العالم، وذلك بسبب الحصار السعودي للمواني الجوية والبحرية الخاضعة لسيطرة الحوثيين.

وصفت الكاتبة ولي العهد ووزير الدفاع البالغ من العمر 32 عامًا، محمد بن سلمان، بأنه «مهندس» ما أطلقت عليه «فيتنام السعودية»، في إشارة إلى حرب السعودية في اليمن، وأضافت أن ابن سلمان، في الوقت الحالي، يحظى بحملة دولية من الود والإطراء، في رحلاته إلى القاهرة ولندن وباريس وواشنطن العاصمة، وفقًا للكاتبة.

وكان قد قوبل بترحيب حار من جانب الحكومة البريطانية: فقد ظهر يوم الجمعة، وهو اليوم الأخير من زيارة الأمير التي استمرت ثلاثة أيام، أن السعودية قد وقعت صفقة مبدئية لشراء 48 طائرة مقاتلة جديدة من طراز «تيفون» من شركة «بي آي إي سيستمز» في المملكة المتحدة مقابل ما يقدر بـ8.4 مليارات جنيه إسترليني.

وتقول شيرين الطرابلسي-مكارثي، وهي زميلة أبحاث في معهد «أوفر سيز ديفلوبمنت»: «من ناحية، فإنهم هنا يبرمون صفقات عسكرية ويعلنون إضافة إلى ذلك عن جهود إنمائية وإنسانية جديدة. ومن ناحية أخرى، فإنهم يحكمون على اليمنيين بالموت بهذه الإجراءات الجديدة في وقت حرج للغاية بالنسبة إلى الشعب اليمني».

وتضيف: «إن طرد اليمنيين يظهر كيف أن كل وعود المساعدة والإصلاح ليست سوى عملية تلميع تقوم بها السعودية لصورتها، حتى تتمكن من المضي قدمًا على الصعيد الميداني».

وتختتم الكاتبة بأنها حاولت الاتصال بسفارتي السعودية في بيروت ولندن، وكذلك «مركز التواصل الدولي» في الرياض للتعليق على هذا التقرير، لكنهم لم يردوا.

مترجم عنYemen civil war: Saudi expulsion of Yemeni workers swells Houthi ranksللكاتب BETHAN MCKERNAN