الجديد برس
حوار/ صلاح العلي / لا ميديا
بعد مرور 3 أعوام من العدوان الكوني على اليمن، عايشنا تحولات نوعية في موازين القوى ومسارح المعارك وتماساتها وتغيرات معادلات الصراع والقوانين الحاكمة له.. قضايا واسعة على المستوى العسكري والاستراتيجي، حاولنا هذه مقاربتها مع عيون عربية حصيفة المتابعة للمشهد اليمني ومسار الحرب الجارية. مع ضيفينا في أول حوار لهم في الصحافة المحلية، الباحث الاستراتيجي السوري، اللواء محمد عباس، والعميد الركن المتقاعد ناجي الزعبي – محلل سياسي وعسكري أردني..
المحلل السياسي والعسكري الأردني العميد الركن ناجي الزعبي
البنية العسكرية اليمنية تزداد صلابة ومضاء السلاح الأقوى
بداية نشكركم على إتاحة هذه الفرصة لنا..
بعد مرور 3 أعوام من العدوان والصمود… كيف تقيمون الوضع العسكري في اليمن؟!
شكراً لكم، وسعيد بذلك، وهذا أقل واجب نقدمه لشعبنا اليمني الصابر المظلوم المقاوم.
بعد ثلاث سنوات من العدوان الأمريكي الصهيوني بالذراع السعودية، كان أقطاب العدوان يجابهون أنصار الله في الأشهر الأولى من العدوان، والآن أصبحوا يجابهون الشعب اليمني بمجمله، أي ما يفوق الـ ٢٠ مليون يمني مقاتلين بالفطرة يمتلكون السلاح الأكثر مضاءة وحسماً، وهو الحق وإرادة القتال والأرض التي تقاتل مع صاحبها. العدوان يجابه تحالف اللجان الشعبية والجيش اليمني، الذين يخوضون حرب تحرير شعبية طويلة الأمد ويجترحون المعجزات ويطورون بقدراتهم الذاتية أسلحة ذات تأثير استراتيجي.
اليمنيون متقدمون في الجبهات، اقتحموا الأراضي السعودية ودمروا خطوطها الدفاعية الأمامية، والعديد من المناطق سقطت بأيديهم بين الاستيلاء والسيطرة النارية. وكل السلاح والإمكانيات الدولية المسخرة للعدوان لم تُجْدِ.
الفشل مصير العدوان
إلى أين سيصل تحالف العدوان؟!
المنطقة تشهد مدّا تحررياً ووعياً بكنه المؤامرة ومن يقف خلفها، ويشيع نمط غير مسبوق من الوعي السياسي التحرري لدى الجماهير، وهي مسألة تهدد النظام الأبوي الاستبدادي الشمولي لعائلات الخليج الحاكمة، وتهدد المصالح الإمبريالية والصهيونية وتحول دون استباحة البحر الأحمر وجعله بحيرة صهيونية وممراً ورئة للاقتصاد الصهيوني مما يفتح الأبواب على مصاريعها لصفقة القرن… أمام هذه العوامل وغيرها، لن يصل تحالف العدوان إلا إلى الفشل.
وما الذي أنجزه حتى الآن برأيك؟!
لقد حقق دمارا في البنية التحتية اليمنية واستهدف المدنيين وارتكب المجازر؛ لكنه لم يتمكن من النيل من إرادة القتال والتحرر والاستقلال الوطني وامتلاك الإرادة السياسية وتكريس الثورة وتعميق دورها… بل على العكس ازدادت قوة ومساحة، كما أنه لن ينجح في سرقة الموارد والثروات والنفط اليمني. وفعلياً لم ينجز عدا استنزاف ثروات شعب الجزيرة وتعميق الأزمات الاقتصادية وتفجير الصراعات الداخلية البينية.
ساعة النصر قريبة
وبالنسبة للأوضاع عموماً في اليمن كيف تجدونها؟ وإلى أين تؤول؟!
إن الثورة اليمنية 21 أيلول، حالة مضيئة في نفق التاريخ العربي المظلم، قلبت الموازين وأشاعت روح الثورة وصنعت بدلا من بضعة آلاف من الشباب اليمني الثائر الناشد للحرية والاستقلال. ملايين من الثوار المسلحين بالحق والإرادة والمعبئين المنظمين الذين يحضون بقيادة صلبة ذات إيمان ويقين وعزيمة لا تلين… تخوض حرب تحرير شعبية وتحقق إعجازاً عسكرياً وتطور بقدراتها الذاتية أسلحة تحدث تأثيراً استراتيجياً أنهك العدو واستنزف قدراته بالنفس والصبر الاستراتيجيين. وبالتالي فإن ساعة النصر قريبة جدا.
تطور عسكري يمني
ما الذي حققته اليمن منذ بداية العدوان، لاسيما في المجال العسكري؟!
من الجلي أن البنية العسكرية اليمنية تزداد جهوزية ومضاءً وإصراراً على الصمود. ويتضح ذلك بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة ذات الأغراض المتعددة وصواريخ (أرض بحر) وينتظر تطوير صواريخ (أرض جو) نجحت حتى الآن في إصابة وإسقاط عدد من الطائرات الحربية المعادية… وهذه الأسلحة تختصر القطاعات الأرضيّة المدرعة والمشاة وستحرم السعودية ومرتزقتها من التفوق الجوي.
أيضاً، لقد عرَّت الثورة اليمنية علاقات العمالة للعدو الصهيوني التي طفت على السطح، وكشفت عن العلاقة العضوية القائمة مع مشايخ النفط.
أهداف ومصالح أمريكا
بخصوص التحركات الأمريكية البريطانية الأخيرة بخصوص اليمن، ما قراءتكم لها؟!
تواصل أمريكا عدوانها الغاشم على شعبنا اليمني وعقد صفقات الأسلحة ونهب الثروات وأموال شعبنا العربي بالجزيرة العربية، بالتعاون مع تحالفها الأطلسي البريطاني والفرنسي، طالما أنها تحقق الأمن للعدو الصهيوني وتفكك الوطن العربي وتجني الأرباح من صفقات الأسلحة، أي أنها ماضية في العدوان حتى آخر جندي عربي ومرتزق وآخر دولار عربي.
وهل سينجح ذلك حقاً؟!
التحولات الإقليمية والدولية التي صنعها محور المقاومة + اليمن، ستلحق بالإمبريالية الأطلسية هزيمة تلو الأخرى كما نشهد في العراق وسورية ويجري الآن في اليمن، لاسيما وأن شعبنا العربي أخذ يدرك أن جوهر ما يجري هو مواصلة إلحاق كل شعوب المنطقة بعجلة الاقتصاد الامريكي وفرض الوصاية والارتهان على شعبنا العربي ومواصلة اعتبار اليمن باحة سعودية خلفية مفككة مغرقة بالفقر والجهل والتخلف راضخة لإرادة مشايخ النفط الجهلة المتخلفين.
تحركات بريطانية مشبوهة
وماذا عن التحركات البريطانية واستلامها الملف اليمني مؤخرا؟ ما الذي يعنيه ذلك؟ وما الذي تبغيه، خاصة بإصرارها في الأمم المتحدة على تعيين مبعوث أممي لليمن ولد في عدن إبان الاستعمار ويحمل كراهية وحقداً على البلد؟!
تعمل بريطانيا على لملمة حزب المؤتمر جناح علي صالح وجعله تحت إمرة (شرعية) الرئيس هادي، وقد قامت بتحركات مكثفة لإجراء مصالحة بين الأطراف الموالية للعدوان السعودي وبين مقربين من الرئيس السابق علي عبد الله صالح. وقد التقى السفير البريطاني لدى اليمن سيمون شيركليف، بعدد من قيادات حزب الإصلاح وذلك في إطار اللقاءات مع الأطراف الموجودة في الرياض، بينها الفارّ هادي وممثلون من المحافظات الجنوبية، من أجل تقريب وجهات النظر بين تلك الأطراف وبين قيادات محسوبة على حزب المؤتمر. وتزامنت هذه الخطوات مع تحركات بريطانية أخرى لاحتواء عدد من قيادات المؤتمر الشعبي ودفعها للتصالح مع تحالف العدوان، لاسيما بعد مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح.
وقد أكّد (وزير شؤون الشرق الأوسط البريطاني) ألستر بيرت أن بلاده ستواصل دعمها لجهود قوات تحالف دعم (الشرعية) في اليمن. وقال بيرت خلال إجابته على أسئلة نواب مجلس العموم البريطاني: سنواصل دعمنا للتحالف العربي لإعادة (الشرعية) في اليمن الذي يقاتل تمرداً خطيراً مدعوماً من الخارج بالأسلحة، مع وصول طارق عفاش -ابن أخ علي صالح الذي قتل على يد الحوثيين- لشبوة بحماية قوات الإمارات المسيطرة على جنوب اليمن والتي تنشئ جيشاً موازياً يخدم جناح علي صالح ولا يخضع لهادي الضعيف والمرتهن للسعودية.
تلعب الإمارات دوراً في احتواء الحراك الجنوبي الانفصالي بالإنابة من البريطانيين، والحيلولة دون دخول هادي المرتهن للرياض في أي تسوية مع الثورة وبالتالي الاعتراف بها.
إن لقاء السفير البريطاني بمحافظ مأرب المحسوب على حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين) لتخفيف دور هادي الموجه ضد قيادات مؤتمر جناح صالح مثل طارق عفاش الذي يتبنى مواقف عمه… مهمة السفير البريطاني هي الإصلاح بين الفريقين وتحديد دور كل منهما تماماً، فهم متفقون على قتال الثورة، لكنهم يدرسون هل يقاتلونها تحت جناحين أم يتحدون في جناح واحد؟ والإمارات تعمل أيضاً لإعداد جيش لا يطيع (هادي) الذي هو دمية الرياض.
وطبعاً، الإنجليز يفضلون البقاء في إطار جناحين، كي يظهرا أنهما مختلفان.
جسد الخليج مثخن بالأزمات
هناك العديد من التداعيات التي ألقى بها العدوان على البيت السعودي والخليجي عموماً… ما هي أهم هذه التداعيات برأيك؟! وإلى أين ستفضي؟
لقد تعمقت التناقضات الداخلية وصنعت شرخا في جسد العائلة السعودية الحاكمة وأدخلتها في دائرة ملتهبة من الأحقاد والثارات المتبادلة وأججت التناقضات الداخلية في المنطقة الشرقية، وأصبحت السعودية محاطة بمحيط معادي من الشرق والجنوب والشمال، من اليمن إلى قطر للعراق لإيران إلى الأردن.
وَمِمَّا لا شك فيه أن تداعيات العدوان ستلقي بظلالها على البيت الخليجي على شكل مزيد من الأزمات الاقتصادية والسياسية والأخلاقية، وكانت أول ثمارها ما جرى في العائلة السعودية الحاكمة وتفكك دول التعاون الخليجي التي تقبع على فوهة بركان ملتهب من الأزمات، لاسيما وأن شعوب المنطقة تحقق الانتصار تلو الانتصار. وبلا شك، فإن مشيخات الخليج تعبر محطة النهاية والذهاب إلى مزابل التاريخ.
الحل العسكري مستبعد
كيف ترى نهاية العدوان على اليمن؟! وما الخيارات المتاحة للجانبين؟!
الوقائع تنبئ أن الحل العسكري مستبعد، وبالتأكيد العدوان الأمريكي الصهيوني الرجعي العربي محكوم بالهزيمة المبرمة. اليمن مصر على تحقيق استقلاله الوطني واسترداد إرادته وسيادته وقراره المستقل والمضي في التنمية الوطنية الشاملة وترسيخ تجربة الديمقراطية الشعبية وتعميقها وتطويرها وتوحيد شطري اليمن وكنس الإرهاب عن ترابه الوطني، واستثمار موارده وثرواته الوطنية.
أعتقد أن الخيارات القادمة هي المزيد من الثبات والصمود اليمني وتحقيق الإنجازات والانتصارات العسكرية وتطوير قدرات الدفاع الجوي المطرد بحيث تحرم العدو من استباحة السماء اليمنية، وتفاقم من التناقضات السعودية الداخلية وتعمق أزمتها.
الباحث الاستراتيجي السوري اللواء محمد عباس
الصمود اليمني رفع من مستوى قدرات محور المقاومة
أكملنا 3 أعوام من العدوان والمواجهة الوطنية.. ما الذي أنجزناه حتى الآن على المستوى الاستراتيجي والتكتيكي العملياتي؟!
في الوقع جسدت السعودية عدوانية شرسة تلبية لحالة عدوانية ضد الشعب اليمني، ومكنت من كشف مخططات ارتباطها بالمشروع الأمريكي الذي يهدف ليس إلى السيطرة على اليمن فحسب، بل لكي يكون عامل تمد للمنطقة برمتها. ومحاولة السعودية لاحتلال اليمن دوافعها ليست أطماعاً سعودية أو إماراتية أو قطرية، بل في الواقع هم جزء من أدوات تعمل على تنفيذ صهيوأمريكي يرمي إلى الهيمنة على الممرات الاستراتيجية في العالم، وأهمها على الإطلاق مضيق باب المندب الذي يتحكم بخطوط التجارة العالمية وإمدادات الطاقة، وخاصة في وقت تبحث فيه أميركا عن سبل الهيمنة على العالم وضبط إيقاع الاندفاعة الاقتصادية الصينية والصعود العالمي لروسيا ودول البريكس التي شكلت تحدياً جديداً لمصالح أمريكا في العالم.. وانطلاقاً مما سبق، كان صمود الشعب اليمني أمام تحالف دول تستخدم أحدث التقانة العسكرية الأمريكية لهذه المدة، وهو البلد الفقير المفقر المنقسم؛ فإن ذلك منجز ضخم جداً، فضلاً عن التمكن من تطويع الحاجة لمواجهة المعاناة وخلق المنتج الوطني بالتحدي التقني وتوطين التكنولوجيا المتطورة القادرة على مضاهاة التقانة العالية الدقة الأمريكية… هذا يعد انتصاراً وطنياً يمنياً تحثث بالإرادة الوطنية والرغبة بالتحدي وحماية السيادة والكرامة الإنسانية العالية للمواطن اليمني الذي يرفض الذل والترويض.. وبالتالي يمكننا الحديث عن تماسك القوات اليمنية الذي تحقق فيه عنصر المفاجأة بصلابة امتلاك الهوية الوطنية وشجاعة خوض التحدي، وتمكنت من بلورة مشروعها وعقيدتها الوطنية القوية…
أما في ما يرتبط بالمستوى التكتيكي فالخبرة العالية التي تجسدت في تنفيذ الأعمال القتالية في شروط بالغة التعقيد من قتال في المدن أو في المناطق الجبلية المعقدة، وخاصة في شروط صعوبة الإمداد أو انعدامه أحياناً، وضرورة الحصول على السلاح من جنود العدو… كل ذلك انعكس على الروح المعنوية العالية للقوات اليمنية التي استطاعت وبواسطة عتاد بسيط وذخيرة محدودة وخبرات متواضعة، احتواء الهجوم المعادي بكل همجيته، وتكبيده الخسائر الفادحة، واستطاعت الانتقال إلى الهجوم المعاكس والتوغل عميقاً داخل الأرض المعادية، حيث معسكرات الجيش السعودي، وقد كانت الملاحم موثقة عبر وسائط الإعلام التي تؤكد على مصداقية تنفيذ المهام القتالية وحجم الخسائر الكبيرة التي يتكبدها العدو.
بمتابعتك أين كانت أهم نقاط التماس الجبهية منذ بداية العدوان؟! وما الذي أنجزته على الصعيد العام للمواجهة؟!
في الواقع أجد أن أهم نقطة تماس كانت على المستوى المعنوي والإرادة والإصرار على المواجهة والتحدي والرغبة في التمسك بالهوية الوطنية وصراع الإرادات التي تمكنت من كسر إرادة الخصم. ظل اليمن قوياً من خلال الالتفاف الشعبي والجماهيري وتحقيق الانتصار ورغم كل الجراح الثخينة تابعت القوات اليمنية صنع الانتصار، ليس عسكرياً وحسب، بل هو انتصار، الإرادة الوطنية. هذه الإرادة هي التي جعلت الصمود ممكناً أمام كل هذه الغارات (500 ألف غارة)، وهذا الدمار وهذه الهجمة الدولية الشرسة، وجعلت الانتصار في الميدان ممكناً، هي التي تقف خلف استمرار التظاهرات التي نشاهدها على التلفاز بذلك الزخم والحجم المليوني، وهي التي تقف أمام بسالة الصمود وتبديد جدوى الحصار الخانق وإبقاء عجلة الحياة والإنتاج متواصلة، وجعل العدو يجر أذيال الخيبة والمهانة، وهذا كله أحرج العالم.
مؤخراً، ترددت انتقادات حول وجود قيادة عامة للحرب (قائد الجيش) تكون صاحبة اختصاص مباشر ووحيد في إدارة المعارك، وتتحمل هي مسؤولية الجبهات! وليس الاكتفاء بقائد أعلى للقوات المسلحة هو الرئيس، وكذا بوزير دفاع الذي مهمته بالأصل هي إدارية وفنية وعكس سياسة الحكومة والقيادة السياسية! وهذا حال التنظيم العسكري الحديث الذي يحرص على عدم تداخل المهام، وتجنب الأداء البيروقراطي الحكومي والتجاذبات السياسية حين توجد! كيف تجدون ذلك؟
الجيش اليمني يواجه تحديات وأخطاراً يمكننا أن نسميها حروب الجيل الرابع الأمريكية التي تعتمد على وجود جيوش بديلة، وهي عملاء ينفذون مشروعه من أبناء البلد المستهدف كما هو الحال في سوريا، وبالتالي، فإن المناورة بالقيادات لتحقيق المهام هو الحالة الطبيعية، فالأمر الأكثر أهمية هو ما يتم إنجازه.. لقد نجحت القوات اليمنية في تنفيذ مهامها. المهم أن تدرك القيادات مهامها وتنفذها باحترافية عالية. وقد أعجبني كثيراً مستوى الانضباط الراقي والعالي للقوة الصاروخية وتقاليدها الوطنية وتكبيرها وترديدها للشعارات، وهي تؤكد أنها تحمل رسالة إنسانية وطنية قومية عربية، وهذا نموذج كريم للقوات المسلحة اليمنية وكذلك القوات الصاروخية البحرية وقوات الدفاع الجوي، وبالتأكيد صنوف القوات بمختلف اختصاصاتها قد أظهرت انضباطاً عالي الأداء والفعالية، وانعكس في صمودها البارع في الميدان وتحقيق المهام القتالية المسندة لها.
أما بالنسبة لمسألة التداخل السياسي والعسكري، فإن المشهد السياسي المعقد خاصة يجب أن يحقق الترابط والتكامل مع الدور العسكري. القرارات العسكرية تستند عادة إلى الموقف السياسي للدولة، وهي بحاجة إلى وضوح الموقف. لاحظ لبنان وغياب الهوية السياسية واختلاط الموقف الوطني وانعدام القواسم المشتركة كيف يضيع المسافات وتداخل المساحات حين تعلو الهوية الطائفية على الهوية الوطنية.
عموماً، قائد الجيش هو رئيس الأركان وليس وزير الدفاع، وهو القائد الميداني والحقيقي للجيش، أما وزير الدفاع فهو الوسيلة لاتصال الجيش مع المؤسسات المدنية ورئاسة الوزراء، وهو الوجه السياسي للقوت المسلحة. وبالتأكيد، من الضروري تعدد المستويات القيادية وتوزيع المهام والمسؤوليات حسب كل مستوى ولا يحق لأية جهة أن تحل مكان الأخرى. رئيس الجمهورية هو القائد العام للجيش والقوات المسلحة وله أن يصدر الأوامر والتوجيهات وأن ينسق مع المستويات القيادية الأخرى.
بالنسبة لقائد الجيش، فذلك حسب البنية العسكرية للقوات المسلحة، هل تعتمد على بنية تنظيم الفرق أم الفيالق، قادة الفيالق مرؤوسون عند رئيس الأركان وهو مرؤوس عند وزير الدفاع. ولكل دولة نظامها وهيكليتها التي تؤمن لها التسلسل الهرمي القيادي المناسب.
القيادة المركزية للقوات الأمريكية في المنطقة صرحت مؤخراً أن الساحل الغربي يشهد تجارب لأسلحة ليزرية وصفوها بالمهددة والخطيرة. وفي الوقت ذاته تزايدت التحركات البريطانية في جنوب البلاد… إلى ماذا يرمون؟!
الأمريكي ما يزال يحسب أن السعودي قادر على تحقيق المهمة التي أسندوها له، وأعتقد أن الحجم الكبير من العتاد الذي عرضه ترامب أمام الكاميرات في زيارة محمد بن سلمان كان له عدة مؤشرات أولها استنزاف الثروات السعودية وإمدادها بالمزيد من وسائط القتل والموت وتوريطها أكثر في الرمال المتحركة والآسنة في اليمن واستعراض جديد للقوة لخدمة بني سعود على أمل أن يفت ذلك في العضد اليمني.. أما التصريحات التي يتم الحديث عنها وتجارب الليزر، فالغاية منها المزيد من المبررات الإعلامية لسفك الدماء وإطالة أمد الحرب، وهذا يتم بالتنسيق مع البريطاني، الذي يعتقد أن له حصة في الكعكة سيقتسمها مع الأمريكي من أرض اليمن.
وبالمناسبة، العدوان الإماراتي لا يقل عدوانية عن السعودي والقطري والامريكي، واحتلال الجزر اليمنية هو عدوان أمريكي جديد لاحتلال الموقع الجيوبوليتيكي لليمن والتنسيق والتعاون اللاحق في سباق السيطرة مع تركيا الرامي لاحتلال جزيرة سواكن السودانية إضافة لقواعدها في الصومال والقواعد الصهيونية في أثيوبيا وأريتريا. ثم إن الدور البريطاني يتكامل مع الأمريكي والصهيوني والتركي، إنه الناتو الغربي والناتو الأعرابي الذي يعمل لصالحهم في منطقة البحر الاحمر.
التهديد طبيعي وسوف يستمر؛ لكنني لا أظن أنهم سيرسلون قواتهم، بل سيعملون على إرسال القوات الأمريكية البديلة من الدول الأعرابية والإسلاموية للقتال لصالحهم في المنطقة.
المعركة الجارية في اليمن، كيف تؤثر على المشهد في المنطقة؟
المعركة في اليمن هي حرب على الاتجاه الآخر من مسرح حرب كونية يتم خوضها على الأرض العربية تخوضها معا، سورية واليمن وحلف المقاومة والممانعة، وقد بلورت الاتجاهات الاستراتيجية للحرب التي تشنها أمريكا للنيل من صمود المنطقة والاستيلاء على ثرواتها واعتبارها حديقة خلفية للبيت الأبيض الامريكي، وأعتقد أن الصمود الباسل لشعب اليمن وانسجامه مع صمود شعب سورية قد عزز من التعاون الاستراتيجي ورفع مستوى قدرة حلف المقاومة على الاستمرار في هزيمة المشروع الصهيوأمريكي، مع التأكيد على أن إرادة الحياة للشعبين في سورية واليمن قد خلقت الشروط المناسبة لتحقق الانتصار وإفشال المشروع. وهذا هو السبب في سعيهم لإطالة أمد الحرب وزيادة مساحات الدماء والشهداء التي تغطي مسرح الحرب.
لن تنفع الإدانات الدولية الباهتة، ولن تفلح كل أدوار الأمم المتحدة والصمت العربي مدفوع الثمن مسبقا، والجريمة مستمرة في ظل صمت عربي وعالمي وإسلامي على قتل الشعب السوري واليمني والفلسطيني. إن مشهد المنطقة سيستمر في التصعيد والحرب بالوكالة، إنها حرب أمريكا للحصول على الموقع الجيوبوليتيكي وخطوط الطاقة والاحتياطات من الغاز والنفط وفي سعي متواصل لترويض العقل والوعي العربي بحيث يجعلون من سكان المنطقة حيوانات مخبرية يتم التخلص منها بعد انتهاء عملها أو يتم ترويضها للطاعة.
كيف تجدون الدور الروسي في اليمن؟
روسيا دولة عظمى ولها مصالحها وتعمل على تحقيق الاستقرار على المستوى الاقليمي في المنطقة والعالم في وقت تقوم فيه أمريكا بالاعتداء على اليمن. وأعتقد أن هناك عدة عناصر يمكننا رؤيتها في ما يرتبط بموسكو:
أولاً: موسكو تريد أن تتورط السعودية وأمريكا في الوحول اليمنية كما تتورط تركيا المحتلة اليوم في الرمال المتحركة السورية، حيث كشفت تماماً عجز المملكة عن تحقيق الهدف السياسي غير المعلن أو الواضح للحرب في اليمن، وبالتالي تتكشف سوأة السعودية الراغبة في تزعم العالم الاسلامي بالطريقة الوهابية.
ثانياً: السعودية تريد إظهار قوتها وقدرتها على الحشد الإسلاموي. وقد برز عجزها عن شراء جيوش من الباكستان أو مصر، بل استطاعت حشد بعض الجنود من السودانيين، ويبدو أن روسيا لا تريد أن تتدخل في هذه المرحلة ريثما تثخن السعودية بالفشل والجراح.
ثالثاً: رغم الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر على المستوى العالمي قد تكون هذه الأهمية ثانوية اليوم بالنسبة للأهداف الروسية التي تحرص على الإمساك بمياه البحر المتوسط؛ ولكن ذلك لا يعني على الإطلاق التخلي عن البحر الأحمر، بل إن العوامل والشروط القادمة والمتغيرات قد تنتج عناصر جديدة تصنع متغيرات استراتيجية مرحلية وحاسمة في مسار الاشتباك في المنطقة والعالم.
رابعاً: مع الأخذ بعين الاعتبار صراع المصالح الصينية والروسية ودول شنغهاي ضد الدور الأمريكي في البحر العربي والمحيط الهندي وفي بحر الصين الجنوبي فإن مصلحة الجميع بوجود حاسم في المنطقة وخاصة في باب المندب. والسؤال: أين دور روسيا في المنطقة؟ أعتقد أنه بعد الانتخابات الروسية واستعراض القوة الذي قدمه بوتين وأمام المواجهة الغربية مع موسكو والتحدي البريطاني الجديد، سوف نشهد تطورا جديدا في المنطقة.
كثـر الحديث في الآونة الأخيرة عن مفاوضات واقتراب حل سياسي ومبادرات ودعوات وزيارات أممية.. هل ترون بوادر إيجابية لتوقف العدوان على اليمن؟!
أعتقد أنه وأمام التعنت والغطرسة والتكبر والصلف السعودي وحلفه الأعرابي، واتهام إيران بأنها خلف التطور التقني العسكري اليمني، أيضا، صفقات الأسلحة الأمريكية الضخمة بمئات المليارات من الدولارات؛ فإنني لا أظن أن من مصلحة ترامب وقف الحرب. إنها وسيلة جيدة لتشغيل مؤسسات الصناعة الأمريكية، ولا أظن أن من مصلحة الغرب التوقف إلا بشروط مذلة لليمن، وعلى أنقاض هزيمة مفترضة يظن السعودي أنه قادر على تحقيقها بالسلاح الجديد الذي سيحصل عليه.
يضاف إلى ذلك، ضرورة منح الكيان الإسرائيلي الفرصة للسيطرة التاريخية والجغرافية على ممرات البحر الأحمر وعلى جزر مدخل باب المندب وتعزيز السيطرة من خلال استغلال فرصة عدم استقرار اليمن وغياب وجود الدولة القوية المتماسكة والقادرة على ضبط الحدود البحرية الطويلة، وهذه الفرصة استغلها الإمارات المتحدة أيضا بالتنسيق مع السعودية والكيان.