الجديد برس – أخبار محلية
تحدث الاستاذ فاضل الشرقي، القيادي في أنصار الله، تلميذ الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي، ورفيق درب الرئيس الشهيد صالح الصماد، لـ “الوقت التحليلي” عن الرئيس الشهيد، فيقول:
يعتبر الرئيس الصماد من المحاربين القدامى في حركة أنصارالله وتعرفه السهول، والجبال، والمرتفعات، والشعاب، والوديان، والتلال، والهضاب، والقفار في محافظة صعدة ويعرفه أهلها كذلك بعلمه، وأخلاقه، وقيمه ومبادئه، وثقافته، ووعيه، وصبره وجهاده، وبجعبته وبندقيته أيضاً.
في الحروب الست كان الرئيس الصماد قائداً عسكرياً محنّكاً، وبطلاً مقداماً شجاعاً يجيد كل فنون القتال المتيسرة آنذاك، وبدأ صيته ينتشر منذ الحرب الثانية وما بعدها وصولاً للحرب السادسة كقائد عسكري ميداني لا علاقة له بالسياسة وأهلها بحسب طبيعة وظروف المكان والزمان في حينه، يحبه الأفراد ويعشقه المقاتلون جميعاً لارتباطه الوثيق بهم، وعلاقته الوطيدة والمباشرة معهم، وقربه منهم في السلم والحرب، والغزوات والغارات والكمائن، والتصدي للهجمات، ومواجهة الآليات والمدرعات، وجبهات الصعيد المختلفة تشهد له بذلك، وجبال فرد، ونقعة، ومطرة، وجبهة غواي، وغيرها تحتضن الكثير والكثير عن “أبو الفضل الصماد”…
صعد الرئيس الصماد وارتقى بشكل متسارع في سلم الكمال الإيماني والقيادي والإداري من العمل العسكري إلى الإشراف الثقافي العام، إلى رئيس للمجلس السياسي لأنصارالله ومستشار لرئاسة الجمهورية، وصولاً إلى رئيس للبلاد وهو أعلى منصب في الجمهورية اليمنية، وصولاً إلى أعلى مرتبة وهي الشهادة في سبيل الله.
تواصلت بالرئيس الصماد وأنا في السجن عبر الهاتف السرّي عندما عرفت أنه كُلّف من السيد مشرفاً ثقافيّاً عامّاً حسب الهيكل التنظيمي للمسيرة القرآنية، وطلبت منه أن يزودنا بملازم ومحاضرات السيد حسين بدر الدين الحوثي، وقد رحب بذلك وأبدى كامل استعداده إلا أن الطريقة لإدخالها إلى السجن كانت صعبة جداً، وبعد خروجنا من السجن بفترة وجيزة طلبني السيد القائد حفظه الله وطلب مني وكلفني أن أعمل نائباً للرئيس الصماد.. قلت له هل الصماد من طلب ذلك؟ قال: لا. أنا عازم على هذا الشيء، وقال لي اذهب إلى الصماد وأخبره أنك مرسل ومكلف مني فقد سبق وأطلعته على الموضوع قلت حسناً، وذهبت من فوري إلى الرئيس الصماد إلى منزله في بني معاذ، وكان لديهم ضيوف كبار، مشايخ من سفيان في منزل الوالد الفاضل أحمد ناصر البعران، فطلب مني أن أبقى في منزله وأتناول طعام الغداء مع أصحابه ويستميحني العذر أنه سيذهب لتناول طعام الغداء مع الضيوف والبقاء إلى العصر فقلت له لا مانع، وبعد العصر جاء وجلسنا سوياً إلى المغرب نرتب للعمل الثقافي، وللأمانة والحقيقة أن الرئيس الصماد كان الوحيد الذي كنت أشعر بفائدة عظيمة كلما جلست معه أو سمعته يتحدث، فقد كان على مستوى عالٍ من الوعي والثقافة بالشكل الذي يبهرك، بأسلوب جذاب ومؤثر جداً، تبهرك استدلالاته القرآنية، وطرحه المرتب والواقعي، وهكذا قال عنه كل من عرفه، ففي إحدى الليالي اصطحبت معي مجموعة من السلفيين المتشددين- الذين جاؤوا زيارة من محافظة أخرى- إلى منزله مساء فأكرمهم، وضيّفهم، وذبح لهم، وأحسن استقبالهم، وناقشوه بكل صراحة ووضوح وتشدد، وعندما غادروا صعدة وودعتهم بعدها بيومين وسألتهم انطباعاتهم عن الزيارة لصعدة فقالوا لي نحن منبهرون بالصماد.
لقد كان رجلاً قرآنيا وطرحه عميق جداً، ويمتلك قدرات رهيبة وبليغة ومؤثرة، وكان مجلسه يكتظ بالزوار والوافدين من كل المحافظات بشكل يومي، وكذلك الزوار الخاصّون من الشخصيات السياسية والثقافية والاجتماعية يستقبلهم ويجلس معهم في منزله بمحافظة صعدة؛ ولهذا إن الكثير يعرفونه من قبل أن يصبح رئيساً، لقد كان حديثه مع الجميع يثلج الصدور، ويضفي السكينة والطمأنينة على كل زوار محافظة صعدة بمختلف مستوياتهم، وكل من عرفه وجلس معه قبل الرئاسة وبعدها شهد له بذلك، وكانت له صولات وجولات في زيارة المديريات بمحافظة صعدة، وتنشيط وتحريك العمل الثقافي ومدّ جسور البناء والتواصل مع كل المحافظات..
بعد أن عمل الرئيس الصماد مشرفاً ثقافياً كلف بالإشراف العام على قطاع الصعيد في محافظة صعدة الذي يضم مدينة صعدة وعدداً من المديريات وقادها بكل جدارة واقتدار، ثم كلّف بعمل خاص حتى انتصار الثورة في 21 سبتمبر في العام 2014م ثم تم تعينه مستشاراً لرئيس الجمهورية وأسند إليه من قائد الثورة مهمة قيادة المجلس السياسي لأنصارالله فخاض معترك الحياة السياسية جامعاً بين الثقافة القرآنية وفن السياسية ليصبح بذلك أعظم قائد سياسي حكم اليمن في أصعب الظروف وأحلك المواقف بكل مهارة ولياقة وجدّ واهتمام، وبالرغم من كل تلك المشاغل والأعباء إلا أن الرئيس الصماد كان يحنّ لعمله الجهادي وجعبته وبندقيته، وعندما تخلو به ويتفرّغ يحدّثك عن الحرب والجبهات، “وزامل ما نبالي ما نبالي، وزامل وأنا على رأس الجبل حليت من يبغى مكاني واشب وسط الليل نار، وزامل حدد الوقت واحنا نلتقي وان رجعنا فالمكالف طالقات”، وغيرها من زوامل الحرب والجهاد، ولقد قال لي العام الماضي في جلسة من هذه الجلسات أنه يشعر بالملل من العمل السياسي ومنصب قيادة الدولة، وأنه يشعر بالراحة والسعادة والطمأنينة عندما يجلس مع المجاهدين.
لقد كان الرئيس الصماد يعشق الجبهات، ويطرب لصوت الرصاص، ويحنّ للجعبة والبندقية أكثر من عشقه للسياسة رغم إيمانه بأهميتها، وزياراته المتكررة لجبهات القتال في الحدود والجوف والساحل خير دليل على ذلك، فهو ابن المسيرة القرآنية، وتربية الهداة الأعلام، وتخرّج من مدرسة الجهاد والبذل والعطاء، لا تغريه ولا تؤثر فيه السياسة والمنصب، و”مسح الغبار عنده من فوق نعال المجاهدين أفضل من كل مناصب الدنيا” كما قال رضوان الله عليه.
كان الرئيس الصماد يحب الزوامل والقصائد ويقول الشعر الشعبي ويجيده لحناً ونظماً فقد زارنا إلى محافظة ذمار يوم الاثنين 9-4-2018م، وبعد الغداء جلسنا معه جلسة أحاديث جهادية ذكرنا فيها بالحروب الست وأحداثها ثم أهدانا هذا الزامل وهو زامل تكثرة بالخير يقول فيه:
كثر الله خيركم ما حنّ رعده
جودكم غطى القمم.
بين أشبهكم على حاتم وجوده
كان غاية في الكرم.
يكرم الوافد سوا راجل وراكب.
الكرم والجود والشيمة ونجده
والشهامة هي لكم.
خيركم معروف في السراء وشده.
ما تغير وضعكم.
من وصل لا عندكم شاف العجايب.
وقد أجبت عليه فوراً بزامل قلت فيه:
مرحبا بالرئيس الصماد مجده
فوق هامات القمم.
في زيارتكم لنا نخوه ونجده
ترتفع كل الهمم.
مرحباً وأهلاً بكم سايق وراكب.
اليمن ثابت على عهده ووعده
شعب غاية في الكرم.
في سبيل الله باذل كل جهده
عادته من ذي القدم.
من بحث عنه يلاقي للعجايب.
فقال صح لسانك أمانة إنك شاعر “حلقة” قلت له كيف شاعر حلقة؟ قال به شاعر “حلقه” يقول الشعر بسرعة وهو وسط الحليقة، وشاعر بطانية ما يقول الشعر إلا وهو مفكر تحت البطانية مثلي بين أجلس في الزامل أسبوع، فضحك وضحكنا جميعاً.
وفي الليلة التي استشهد فيها أجريت معه في ال9 مساء اتصالاً هاتفياً وقد أخبرني أحد مرافقيه اليوم أن آخر مكالمة واتصال للرئيس كان معي.. اتصلت به التمس واطلب منه العذر عن موقف حصل أثناء زيارته لنا فكان ردّه وموقفه قرآنياً وإيمانياً بامتياز وقلت له معي لك زامل قال تفضل اسمعني قلت له:
جينا نطيب خاطرك وأولادنا تفديك
والأمر لك تالي وسالف.
الحق لك واحنا معك وارواحنا تحميك
والحكم لك عاده وسالف.
قال “أعيده وأكتبه لأجل أن أجيب عليه”، فأمليته عليه وكتبته وقال أمانة إنك أحرجتني وإني عرقت من الحياء، وأضاف: “اعذرني يا أخي نحن لا نتواصل ولا نستخدم التلفون كثيراً بسبب أولئك الملاعين وطوايرهم يترصدون كل شيء”.
لقد كان الرئيس الصماد شخصية عظيمة جداً وقد تحدث عنه السيد القائد أمس ووفاه حقه فهو أعرف به منّا، وكان رجلاً مليء قلبه إيماناً وخشية وطاعة لله، وكان على وعي وتسليم مطلق للسيد القائد يكاد أن يتميز به على غيره من سائر المشرفين، وكان رجلاً كريماً وشهماً وشجاعاً مقداماً، جمع بين العلم والوعي والثقافة والسياسة والحرب والسلم.. ولقد نقش اسمه وذكره في قلوب كل اليمنيين واليمنيات، وأحبه وبكى عليه الجميع، واحتشدت لأجله مئات الآلاف من الجماهير الأحرار الأوفياء، ولقد كانت شهادته عظيمة جداً سيحى بها الله الشعب، وسيكون دمه طوفاناً جارفاً يحرر الله به اليمن واليمنيين من الغزاة والمحتلين إنه على كل شيء قدير.
لقد أراد العدو قتل الصماد وسحقه من الوجود لكنه أحياه وخلده رمزاً كبيراً وقائداً عظيماً لكل الأمم والشعوب، وكل الأحرار هم صالح الصماد كما قال السيد القائد “حفظه الله” وبشهادته أعطى للقضية زخمها وحيويتها ونشاطها، وأعطاها دفعاً قوياً للأمام، وخفف بشهادته الآلام والمعاناة عن كل اليمنيين والمكلومين وخاصة أهالي وأسر الشهداء والأسرى والجرحى فبشهادته هانت كل المصائب، ورخصت كل التضحيات، فسلام الله عليه وعلى جميع شهدائنا الأبرار وإنّا على خطاهم سائرون.