الجديد برس : رأي
محمد المحفلي
بدا واضحاً أن الصراع في اليمن انحصر بشكل عام بين طرفين، الأول هو المشروع «الحوثي» المسيطر على صنعاء والحديدة وإب وبقية المناطق في الشمال، والطرف الآخر مشاريع متفرقة في بقية المناطق جنوبا وشرقا، وذلك بعدما حسم الامر في الشمال تماماً، إثر اندثار «التحالف» الهش بين «الحوثيين» والرئيس صالح، الذي انتهى بمقتله على أيديهم، بعد محاولته الفاشلة في الانقلاب عليهم أوائل ديسمبر من العام الماضي.
إن السر الأساسي لصمود القوات «الحوثية» في مناطق الشمال ومحافظتها على سلطتها وتماسكها ومقاومتها لكل أنواع الحروب التي تواجهها، هو وجود مشروع واحد بقيادة واحدة ورسالة واحدة وهدف واحد وتوجه واحد وشعار واحد ورؤية واحدة، كل المؤسسات التي تعمل الآن في صنعاء وغيرها من المناطق تأتي تحت جهاز واحد هو المتحكم بكل المشهد هناك، لذا يتحول كل الشمال- حتى العناصر التي لا تتبع لهم- يتحولون إلى جزء من هذا المكون الذي يتحكم بكل شيء ويصبح المواطن شريكا في تشكيل هذه الجبهة التي يديرها مشروع موحد، يعرف تماما ماذا يريد وإلى أين يسير وكيف يخطط وكيف ومتى ينفذ.
بغض النظر عن عدالة هذا المشروع أو مدى منطقيته في واقع العالم الحديث، فإن هذا هو ما يعطيه سر القوة والبقاء، حيث تخلص المشروع «الحوثي» من آخر شيء كان يقف تهديداً لإضعافه، من خلال وجود شريك لا يأتمن بقاء تحالفه معه، أصبح الآن هو الوحيد في الساحة فاعلاً في سد الثغرات التي يمكن أن يتسلل منها الخلل أو الفشل لهذه البنية من داخلها، وهو يعمل كل لحظة على تحويل كل شيء في البلاد إلى جزء أساسي من هذا المشروع الذي يريده.
وفي الجهة المقابلة، يمثل تخبط المشاريع وصراعها وتناقضها أهم وأخطر عامل لفشل الحكومة التي تقاتل «المشروع الحوثي» من أجل العودة إلى «الشرعية»، فـ«التحالف» الداعم لهذه «الشرعية» لديه هو عبارة عن مشاريع مختلفة، فبعدما تم إبعاد قطر عن «التحالف» تحولت إلى مشروع داخل الصراع في اليمن، صحيح أنها لا تملك عناصر مسلحة ولا قوات موجودة على الأرض، ولكنها تملك المال والشخصيات الموالية داخل تيار «الشرعية» الذي يواجه القوات «الحوثية»، وهذا المشروع على النقيض من المشروع السعودي الإماراتي. وهناك مشروع سعودي وآخر إماراتي يجاهد البعض في التهوين من فاعليته، ولكنه موجود ومؤثر بقوة في الصراع.
تم تجهيز قوات بقيادة طارق صالح، ابن شقيق علي عبدالله صالح وقائد حراسه الخاص الذي قاتل إلى جواره قبل أن يتمكن من الفرار، ليتم استيعابه من قبل المشروع الإماراتي في مواجهة «الحوثيين» في اليمن. يبدو مشروع طارق صالح جزءً فقط من أجزاء المشروع الإماراتي الذي يأخذ عدة أشكال مختلفة، الشكل الأول «المجلس الانتقالي الجنوبي» بشعاره وأهدافه ورؤيته، والشكل الثاني، حضرموت والمهرة وشبوة وسقطرى، والنخب التي يدعمها في هذه المناطق، والشكل الثالث الآن قوات طارق صالح، الذي يقاتل تحت العلم اليمني ولكن برؤية أخرى لا تقترب من رؤية «الشرعية» ولا من رؤية «المجلس الانتقالي» ولا «الحوثيين».
في حين يبدو المشهد أكثر بساطة في الجانب «الحوثي» تجاه المشروع الواحد، يتضاعف التعقيد في الجانب المواجه، عبر مضاعفة المشاريع وبروز العديد من التفاصيل التي تعطي الشيطان بيئته الملائمة، ومن ثم يتضاعف حجم الفشل ومساحة فشل جديد، إذ لا يمكن لتعدد المشاريع أن يفرز النجاح، ومن هنا يمكن القول بغض النظر عن عدالة المشاريع أو صحتها، فإن النجاح يكون لصالح المشروع الواحد في مواجهة مشاريع متعددة، ناهيك عن أن تكون المشاريع متناقضة ومتناحرة في الأصل.