الجديد برس : دولي
يحمل يوم غد اختباراً جديداً للحياة السياسية في تركيا. انتخابات رئاسية ونيابية، أرادها رجب طيب أردوغان مبكرة، ستحدّد وجه البلاد لسنوات طويلة. نجاح الزعيم التركي يوم الأحد يعني تثبيت النظام الرئاسي ووضع كل مفاعيله على السكّة مع ما استُبق من تعديلات دستورية. أولاً، أردوغان «سيمضي» فترتين رئاسيتين تحملانه قائداً أوحد حتى عام 2030 مع إلغاء رئاسة الوزراء وحصر صلاحيتها بالرئيس. «السلطان» وضع كل قوته وآماله في هذه الانتخابات. بعدها ستنتهي «أوهام» المعارضة في «التغيير الديموقراطي» لذلك حشدت وتوحّدت خلف عنوان: إسقاط من تحكّم برقابنا منذ عام 2002. أكثر من ستة وخمسين مليون ناخب مدعوون إلى هذه المنازلة في 81 ولاية لانتخاب واحد من ستة مرشحين للرئاسة و600 نائب في البرلمان. على نحو تراكمي أمسك حزب العدالة التنمية بمفاصل الحياة السياسية والاقتصادية والإعلامية في تركيا. الحزب تحوّل إلى «حزب الرئيس» في هذا التراكم، وغداً هو على موعد مع «الارتقاء» الأخير: الرئيس فقط. وإن كان أردوغان يستطيع أن يأخذ البلاد في حالة خسارته إلى انتخابات سريعة وجديدة، فإن خسارة المعارضة على تنوّعها تعني تحوّلها إلى مجرّد فقّاعات صوتية في وجه رجل ما فتئ يوسّع من حدود سلطنته في الداخل والخارج.
انتخابات الغد: مصير «تركيا أردوغان»
بعد إعلان الرئيس رجب طيب أردوغان في الثامن عشر من نيسان الماضي، عن موعد الانتخابات المبكرة من دون تقديم أي مبرر منطقي، شهدت البلاد حملات انتخابية مثيرة حملت معها الكثير من المفاجآت والمفارقات الغريبة. ففي الوقت الذي كان يتوقع الجميع، أن يرشّح زعيم «حزب الشعب الجمهوري» كمال كليشدار أوغلو، الرئيس السابق عبد الله غول لخوض انتخابات الرئاسة، اعترضت الكتلة الشعبية للحزب على غول باعتباره يتقاطع عقائدياً مع أردوغان. وأفضى ذلك إلى ترشيح محرم إينجه.
وبعدما أعلنت زعيمة حزب «الخير» ميرال أكشينار، ترشحها لانتخابات الرئاسة واعتراضها على عبد الله غول، تواصل كليشدار أوغلو معها، وهي المنشقة عن «الحركة القومية»، ومن قبلها مع تامال كاراموللا أوغلو (زعيم حزب السعادة الإسلامي)، بهدف تشكيل تحالف انتخابي ينافس تحالف حزب «العدالة والتنمية» مع «الحركة القومية»، الذي يعوّل عليه أردوغان للفوز في انتخابات الرئاسة. وتنتهي الحملات الانتخابية اليوم (السبت) بتظاهرة يفترض أن تشهدها مدينة إسطنبول، بدعوة من محرم إينجه، المرشح عن «الشعب الجمهوري»، ليكون بذلك عدد الفعاليات الانتخابية التي حضرها الأخير، قد وصل إلى 106، خلال 47 يوماً. ويتطلع إينجه إلى حشد مليوني في هذه التظاهرة، بعد تظاهرة في مدينة إزمير، شارك فيها نحو 2.5 مليون شخص، وتظاهرة أخرى في أنقرة، زاد عدد المشاركين فيها على مليون شخص.
يتوجه غداً 56.34 مليون ناخب إلى صناديق الاقتراع في 81 ولاية تركية، لانتخاب 600 من أعضاء البرلمان (98 منهم يمثلون إسطنبول و36 أنقرة و28 إزمير). وبعد أن أدلى نحو 1.5 مليون من أصل 3 ملايين ناخب من المقيمين في الخارج، بأصواتهم خلال الأسبوعين الماضيين، فإن من المتوقع أن تصل نسبة المشاركة في الانتخابات إلى حدود 88 في المئة، وهي من أعلى نسب المشاركة عالمياً، بعدما كانت نسبة المشاركة في الاستفتاء على التعديلات الدستورية 85.3 في المئة. واختلفت استطلاعات الرأي في ما بينها، حول النتائج المحتملة للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التي يشارك فيها تحالفان؛ الأول باسم تحالف «الجمهور»، الذي يضم «العدالة والتنمية» و«الحركة القومية»، والثاني هو تحالف «الأمة» الذي يضم «الشعب الجمهوري» وحزب «الخير» و«السعادة» الإسلامي، فيما تشارك ثلاثة أحزاب أخرى في الانتخابات بلوائحها الخاصة وهي «حزب الشعوب الديموقراطي» (مقرّب من حزب العمال الكردستاني) وحزب «الوطن» (قومي) وحزب «الهدى» (إسلامي كردي). وتتوقع كل الاستطلاعات لتحالف «الجمهور» أن يخسر الغالبية في البرلمان، بعدما بات واضحاً أن «الشعوب الديموقراطي» سيتجاوز العتبة الانتخابية (10 في المئة)، وربما يصل إلى حدود 13-14 في المئة، وفق معلومات أفادت باحتمال تصويت عدد كبير من أنصار «الشعب الجمهوري» لمصلحته، لضمان دخول مرشحيه البرلمان، وفوزه بنحو 80 مقعداً، تكون كافية لضمان هزيمة «العدالة والتنمية»، الذي سيحصل ــ وفق قانون الانتخابات ــ على مقاعد «الشعوب الديموقراطي» في حال عدم تجاوز الأخير العتبة الانتخابية.
تجاهل أردوغان الحديث عن المؤشرات الاقتصادية والمالية
ويبدو واضحاً أن أردوغان لن يفوز في الجولة الأولى من الانتخابات، وسط توقعات الجميع بحصوله على نحو 44-45 في المئة من الأصوات، مقابل 30 في المئة لمحرم إينجه و12-13 في المئة لميرال أكشينار، و3 في المئة لتامال كاراموللا أوغلو، ونحو 10 في المئة لصلاح الدين دميرتاش. وتحدثت المعلومات عن قلق كبير في أوساط «العدالة والتنمية» بعدما بات واضحاً أنه في حال حصول إينجه، على دعم مطلق من حزب «الخير» ذو الميول القومية و«السعادة» ذو الميول الدينية و«الشعوب الديموقراطي» الكردي، فسوف يفوز على أردوغان، وربما بنسبة قد تصل إلى 53-54 في المئة. ويدفع هذا الاحتمال الأوساط السياسية إلى الحديث عن سيناريوات مثيرة أهمها احتمالات إلغاء أردوغانَ الانتخابات في حال تقدّم المعارضة في الانتخابات البرلمانية غداً الأحد، وفشله في الفوز بجولة انتخابات الرئاسة الأولى. كذلك، يستمر حديث المعارضة عن احتمالات وقوع عمليات تزوير كبيرة خلال عملية الاقتراع، وبعد ذلك خلال عملية الفرز والعد، من قبل اللجنة العليا للانتخابات، التي سبق لها أن قامت بتزوير نتائج الاستفتاء على التعديلات الدستورية في 16 نيسان من العام الماضي، وذلك على حد قول كمال كليشدار أوغلو، الذي وصف اللجنة بأنها «عصابة خطيرة موالية لأردوغان». واستنفرت كل أحزاب المعارضة جميع إمكاناتها لمنع عمليات التزوير، فيما هدد إينجه وأكشينار، بمداهمة مقر اللجنة العليا للانتخابات وتدمير المقر، في حال التأكد من عملية التزوير. وسبق لأحزاب المعارضة أن اتهمت أردوغان بعدم احترام الدستور والقوانين، واعتبرت الانتخابات «غير ديموقراطية ولا عادلة أو نزيهة»، على اعتبار أن أردوغان يستغل موقعه كرئيس للجمهورية ويسخّر، خدمة لحملته الانتخابية، جميع مرافق وأجهزة الدولة بما فيها الجيش والأمن والقضاء.
واحتل الملف السوري، موقعاً هاماً في خطابات إينجه وكليشدار أوغلو وأكشينار. فقد قال إينجه أكثر من مرة إنه في حال انتخابه رئيساً، سوف يعيّن سفيراً جديداً في دمشق ويعيد العلاقة مع الرئيس بشار الأسد إلى وضعها الطبيعي، ليساهم ذلك في إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وهو ما أكدت عليه أكشينار باعتبارها اللاجئين عبئاً كبير على الاقتصاد. وكان زعيم «الشعب الجمهوري» أكثر وضوحاً عندما تحدث عن تشكيل «منظمة السلام والتعاون الشرق أوسطية»، والتي يفترض أن تضم كلاً من سوريا وإيران والعراق وتركيا، وتوقع عقد قمة رباعية عاجلة في إسطنبول تضم زعماء الدول الأربعة. وتوقعت أوساط سياسية أن يكون قرار أردوغان إجراء الانتخابات قبل موعدها الدستوري بسبعة عشر شهراً، مرتبطاً بالتطورات المحتملة في سوريا وانعكاسات ذلك على مستقبله السياسي من دون أن تتجاهل تلك الأوساط، المفاجآت المحتملة في العلاقات الأميركية ــ التركية، باستمرار أردوغان في السلطة أو سقوطه.
ومع استمرار الحديث عن أخطار الوضع الاقتصادي والمالي، بعد أن وصلت الديون الخارجية إلى 530 مليار دولار، حمّل كليشدار أوغلو في حديثه الأخير لقناة «Tele1»، الفساد والسرقات مسؤولية تلك الديون، موضحاً أن الحكومة باعت منذ تسلمها السلطة نهاية عام 2002، جميع مؤسسات ومرافق الدولة بسبعين مليار دولار، فيما تجاوز الدخل القومي ضمن الفترة المذكورة 2000 مليار دولار، من دون أن يعرف أحد كيفية صرف تلك الأموال. وتراجعت قيمة الليرة أمام الدولار واليورو بنسبة تصل إلى 10 في المئة خلال الأشهر الثلاثة الماضية. وعلى رغم قرار البنك المركزي برفع الفائدة السنوية لتصل إلى عشرين في المئة، إلا أن تلك النسبة لم تكن كافية لإقناع الرساميل الأجنبية ومؤسسات التمويل الخارجي بالاستثمار في تركيا بسبب وضعها السياسي والأمني والمالي القلق. وتهرّب أردوغان من الحديث إلى هذا الجانب، محاولاً إقناع ناخبيه بأنه بنى الجسور المعلقة والأنفاق تحت البوسفور ومد 20 ألف كيلومتر من الطرقات، ومذكراً إياهم بأنه «لم يكن في البيوت قبل مجيئه إلى السلطة، برادات وغسالات وأفران». ووعد الرئيس المرشح، مواطنيه، بافتتاح «مقاهٍ تقدم الشاي والقهوة والكاتب والبوريك مجاناً». واستغلت المعارضة أحاديث أردوغان هذه لتحوّلها إلى مادة فكاهية عبر شبكات التواصل الاجتماعي.لا تستبعد أوساط معارضة إلغاء أردوغان الانتخابات إن فشلت تطلعاته
وصف كليشدار أوغلو، انتخابات الغد، بأنها تاريخية، لأنها ستقرر مصير ومستقبل تركيا مع أردوغان أو من دونه. واعتبر أن انتصار المعارضة سيفتح صفحة جديدة في تاريخ البلاد، تتيح «بناء تركيا الجديدة وفق المعايير والمقاييس العالمية الخاصة بالديموقراطية واحترام كافة الحريات، والعمل على إعادة بناء كل ما خرّبه أردوغان على الصعيدين الخارجي والداخلي». ولا تستبعد بعض الأوساط مفاجآت مثيرة في انتخابات الغد، التي لم يكن أردوغان ليدعو إليها لولا ثقته بالانتصار في الجولة الأولى، وبأي شكل كان، وفق رؤية بعض تلك الأوساط. هذا التوقع دفع أكشينار إلى اتهام صهر أردوغان، وزير الطاقة بيرات البيرق، بأنه اتصل مع المسؤولين في وكالة «الأناضول» الرسمية، وطلب منهم الإعلان عن فوز أردوغان بنسبة 52 في المئة عند الساعة التاسعة من ليل الأحد.
انتخابات المغتربين
سجّلت نسبة التصويت للناخبين الأتراك في الخارج، 48.78 في المئة، وفق ما نقلت وكالة «الأناضول» الرسمية عن اللجنة العليا للانتخابات، أي ما يعادل 1486408 ناخبين من أصل 3047065 يحق لهم الانتخاب. ويمكن للأتراك، الذين يعيشون في الخارج وفاتهم التصويت، الاقتراع في المعابر الحدودية التركية حتى الساعة الخامسة من يوم غد الأحد. السلطات التركية كانت قد وضعت صناديق اقتراع في 123 ممثلية خارجية في 60 دولة، بينها 63 ممثلية في أوروبا، التي يعيش فيها نحو 2.5 مليون ناخب. ويتوزع غالبية هؤلاء الناخبين، بين كل من ألمانيا (1.4 مليون) وفرنسا (340 ألفاً) وهولندا (250 ألفاً) والنمسا (105 آلاف) والمملكة المتحدة (100 ألف).
جريدة الاخبار