الجديد برس – مقالات
تمُــرُّ السنةُ الرابعةُ على الحرب في اليمن ومفاعيلُها غدت واضحةً لعيان العميان والمبصرين معًا، فإذا جاز لنا أن نسمِّـيَها بالحرب المجنونة فهي كذلك وبكل المقاييس. فحين تتسبب حربٌ في تجويع شعب وتشريده وحصاره وتأصيل المرض والفقر والعوز فيه فلا بد لكل عاقل أن يصفَها بالحرب المجنونة.
الحربُ في اليمن هي حربٌ بلا هدف ولا نتيجة ولا نصر، بل بلا قيم ولا أخلاق ويتحمل نتائجها كُـلّ من شنّها وشارك بها وشهد عليها، فهذه الحرب لها أطراف معروفة وأطراف خلف الكواليس وطرف ثالث كالشيطان الأخرس.
لم نسمع بحربٍ تعيدُ الأملَ والبناء إلا في حرب اليمن، ولم نسمعْ بحرب تسعى لفرض شرعيّة غير شرعية إلا في حرب اليمن، ولم نسمع بحرب توظف فيها كُـلّ آثار وتداعيات الحروب من نزوح وتهجير ومرض وتجويع وحصار وإفقار كوسائل حرب إلا في حرب اليمن، ولم نسمع بحرب ضد وجود عدو وهمي ومزعوم إلا في حرب اليمن؛ لهذا فهي حرب مجنونة وجريمة متكاملة الوصف والأركان.
ثم تأتي الحلول “السحرية” لها وهي عبارة عن إملاءات لطرف واحد وعلى الآخر الطاعة والإذعان لها وتنفيذها لتحقيق سلام أَوْ استسلام وهي في الأساس بنود تحقيق ما لم تحققه القُـوَّة المسلحة. حكومة مهترئة في المنفى وكما يصفها أحد أركانها خالد بحاح، ومناطق محررة لا تطأها شرعيّة ومناطق نفوذ لا يطأها مواطن وتدمير منظم لكل مظاهر الحياة ومكتسبات اليمن من تنمية وبنية تحتية رغم تواضعها.
راهنوا على اختطاف النصر في اليمن في بضعة أيّام أَوْ أسابيع فاستدرجتهم الهزيمة لسنوات عجاف وبلا أفق أَوْ سقف، وأي ملف مفتوح في السياسة معرض للمزيد من الأوراق والمفاجآت غير السارة وتعقد الحلول، وما كان ممكنًا اليوم لن يكون ممكنًا في الغد، وأسوأ الملفات المفتوحة في السياسة هي ملفات الحروب لما تحمله من مآس وأحقاد وثأرات وآثار اجتماعية واقتصادية عميقة تصلُ إلى ثلاثة أجيال في أي مجتمع يمر بتجربة حرب؛ لهذا يتجنب العقلاء اعتماد الحرب والاحتكام لها لتسوية النزاعات. فما بالكم بحرب مجنونة كحرب اليمن؟!.
حرب اليمن اختزلت كُـلّ المشهد العربي الرسمي بوهنه وشتاته وارتهانه وتبعيته وغياب إرادته ومؤسّساته، واختزلت غياب القيم والأخلاق لدى الشعب العربي وبرهنت نجاح سياسات تسطيح العقل العربي، وتفريغه من الشعور الجمعي بمصيره الواحد وقيمه وثوابته، هذا العقل الذي أريد له أن ينظر إلى قيمه وثوابته بعَينِ العاطفة المنزوعة من أي عقل وردة فعل، ومكمن الخطورة في هذه الحالة أنّ تنسحب على كُـلّ وضع قد يمر به شعب عربي أَوْ قطر عربي من حصار أَوْ دمار أَوْ حرب مجنونة، وهذه نتيجة طبيعية لتعليم لا يشبهنا وإعلام لا يشبهنا كذلك.
مَن غامروا بالدم العربي وتاجروا به ذاتَ يوم ها هم يحاصرون بعضهم اليوم ويتبادلون المؤامرات والتهم والمكائد حين أوغلوا في قضايا تفوق سيطرتهم وفكرهم وإدارتهم وقواهم، فالقمار السياسي كالقمار المالي تمامًا.
من يحاربون اليمن لا يدركون ما يفعلون ولا يمتلكون فضيلة الشجاعة كي يعترفوا بخطئهم ويتراجعوا أَوْ لنقل ليراجعوا أنفسهم ويكفروا عما اقترفوه بحق اليمن، فهم يدركون أَوْ عليهم أن يدركوا أنّهم يحاربون الأرض والإنْسَان في اليمن ومن يحارب الأرض محكومٌ عليه بالخُسران المبين، فالأرض والإنْسَان في اليمن يحاربان ضدهم، والنصرُ دائمًا حليفُ الأرض والإنْسَان لا محالة.
من زار اليمنَ يجد كُـلّ شيء إلا الحرب، وهذا دليل قاطع بأنّ في اليمن شيء خفي يسمى حرب في ظاهره بينما في باطنه حركات وثمرات أخرى يرجى خراجها وحصادها وعلى رأسها الفساد والإفساد المنظم وأجندات خفية آخر همها هو تمكين الشرعية المزعومة وتحقيق السلم والاستقرار لليمن وفي اليمن.
الغريبُ في الأمر أنّ اليمانيين اليوم يدركون بسوادهم الأعظم جميع هذه الحقائق المُرة، وفي المقابل يٌدركون أنهم قد أدخلوا جميعًا في لعبة أمم قذرة وعميقة ولن تنتهي إلا بتوافقات كبار وجراحات أليمة؛ لهذا يتهافت أمراء الحرب على الغنائم قبل إسدال الستار على مسرح اليمن ويتحيّن اليمانيون بكل أطيافهم الفرصة للانقضاض والظفر بنصر تأريخي مدوٍ يُرهق الأعداء ويُزهقهم ويحبس أنفاس التأريخ ويُعيد ملامح الجغرافيا ووجه اليمن ودلالاته.
قبل اللقاء: الحرب في اليمن كمن يشعل النار تحت قدميه بقصد إيذاء عدوه.
وبالشكر تدوم النعم..
*كاتب عُماني