الجديد برس – تقرير
تشهد مدينة عدن، منذ أسابيع، حالة سخط متفاقمة على القوى والميليشيات الموالية للإمارات، على خلفية تعاظم الخسائر «الجنوبية» على الساحل الغربي، وتدهور الوضع الخدماتي. غضبٌ يبدو أن «المجلس الانتقالي» يحاول اليوم تداركه بـ«زوبعة» سياسية جديدة، مُوجَّهة هذه المرة نحو رفيقه في القتال، طارق صالح، في مسعىً لصرف الأنظار عن دور قيادات «المجلس» في الوضع القائم داخل ما تُسمّى «المحافظات المحررة».
في وقت يسيطر التضعضع على القوات الموالية لـ«التحالف» المنتشرة على جبهة الساحل الغربي، ويتبادل قياداتها الاتهامات بالتقاعس والخذلان، تتزايد على المقلب الجنوبي حدة التراشق المستعر بين وجوه الميليشيات المدعومة إماراتياً، خلافاً لما جرت عليه العادة سابقاً من اشتباك طرفاه جناحا القوى المحلية التابعة لـ«التحالف»، المُتمثِّلَين في «الشرعية» و«المجلس الانتقالي الجنوبي». تحوّلٌ يشكل تراكماً جديداً في الصراع الداخلي في مدينة عدن خصوصاً وجنوب اليمن عموماً، والمُتخذ منذ زمن طابعاً عنقودياً تتم من حين إلى آخر إعادة ربط حلقاته منعاً لانفلاتها على نحو ما شهدته المدينة أواخر كانون الثاني/ يناير الماضي. وعلى رغم ما يفتح عليه هذا الاشتباك المستجد من احتمالات تصعيد، إلا أن ذلك لا يمنع من النظر إليه كعملية «تنفيس» مطلوبة في ظل الغضب الشعبي المتزايد على الإمارات ومرتزقتها.
قبل أيام قليلة، وفي كسرٍ للصمت على وجود نجل شقيق الرئيس السابق، طارق محمد صالح، ومقاتليه في عدن، خرج قائد «اللواء الأول – دعم إسناد» في ميليشيات «الحزام الأمني»، الموالية لـ«المجلس الانتقالي» الذي يرأسه عيدروس الزبيدي، المدعو منير اليافعي، ليهاجم طارق، قائلاً في كلمة من داخل مقر الميليشيات في منطقة البريقة إن صالح «جاء إلى عدن بجلباب وسيخرج منها بجلباب» في إشارة إلى الرواية المتداولة بأن قائد ما تسمى «قوات حراس الجمهورية» فرّ من صنعاء إلى شبوة متنكّراً بزي نسائي.
تصريحات سرعان ما جاء الرد عليها عنيفاً من قبل تلك القوات، التي وصفت في بيان تصريحات اليافعي الملقّب بـ«أبو اليمامة» بـ«الجوفاء واللامسؤولة»، مُتهِمةً إياه باستخدام «لغة منحطة، ممزوجة بالكراهية، ومتضمنة أنفاس العنصرية ونكهة الطائفية المقيتة… التي يستحيل (بالنسبة إلينا) غض الطرف عنها والسماح بعودتها مجدداً مهما كلفنا ذلك من أثمان». ولم يخلُ البيان من تهديدات مبطنة ومعلنة؛ إذ حمّل «الانتقالي» مسؤولية أي تداعيات قد تنجم عن تصريحات اليافعي، داعياً «المجلس» إلى «إيقاف التصعيد، والاعتذار، وإقالة المدعو أبو اليمامة من منصبه».
وبلهجة تحدٍّ واضحة أكد البيان أن قوات طارق باقية في عدن، بقوله: «إننا ثابتون في مواقعنا، ولن نتزحزح عنها مهما كان ضجيج الخونة والعملاء».
هذا التحدي استدعى تضامناً مع اليافعي من قِبَل بقية الميليشيات المدعومة إماراتياً والعاملة في نطاق المحافظات الجنوبية، حيث أعلن قائد «النخبة الشوانية»، محمد سالم البوحر، أمس، وقوفه إلى جانب «أبو اليمامة»، واستعداد مقاتليه لـ«التصدي، جنباً إلى جنب قوات الحزام الأمني وقوات المقاومة، لأي وجود عسكري شمالي».
لم تفلح كل الأذرع والتشكيلات الموجودة في عدن في حفظ أمن المدينة
تهديدات متضادة تشكل وجهاً جديداً من وجوه الصراعات المستحكمة في مدينة عدن، بعدما ظلت حتى وقت قريب متركزة بين محورَي «الشرعية» و«الانتقالي»، إلى جانب مناوشات جانبية من وقت إلى آخر بين طارق صالح و«الشرعية»، التي يرفض الأول إلى اليوم الاعتراف بها والعمل تحت لوائها، في موقف يستبطن حسابات سياسية متصلة بخريطة ما بعد الحرب. وعلى رغم ما يحمله اشتباك الأيام القليلة الماضية من حدة تجعل الباب مُشرّعاً على سيناريوات شبيهة بالمعارك الدموية التي شهدتها مدينة عدن مطلع العام الحالي، إلا أن تكليف قادة الميليشيات بإصدار مواقف مضادة لطارق بدلاً من تولي «الانتقالي» المهمة بنفسه، وتزامن ذلك مع تصاعد السخط الأهلي في المدينة، خصوصاً عقب خروج صالح من داخل أحد معسكراتها ليحاضر في الديموقراطية وحقوق الإنسان، يجعلان «الفورة» هذه أقرب ما تكون إلى محاولة لامتصاص الغضب، الذي لن يوفّر – حال اندلاقه – «الانتقالي» وقيادته وميليشياته؛ كون هؤلاء جميعاً باتوا متهمين بالارتزاق والخيانة.
اتهامات لم تأتِ المعارك الأخيرة في محافظة الحديدة، والتي شكّل أبناء المحافظات الجنوبية وقودها الرئيس، إلا لتسعّرها. أدت مواجهات الأسابيع الماضية على الساحل الغربي إلى مقتل العشرات من «الجنوبيين» المقاتلين ضمن صفوف «ألوية العمالقة» السلفية بقيادة المدعو أبو زرعة المحرمي، والذين عادوا جثثاً هامدة إلى مساقط رؤوسهم في محافظتَي عدن ولحج بالدرجة الأولى. هذا الثمن الباهظ المدفوع مقابل حفنة من الدراهم الإماراتية زاد النقمة الشعبية على «الانتقالي» ووجوهه، الذين أصبح خداع الرأي العام بـ«الزوبعات» السياسية والإعلامية، والمتاجرة بدماء «الشباب الجنوبي» (كُشف قبل فترة عن دور لعبه عيدروس الزبيدي في تسهيل عمليات الارتزاق التي تولتها «بلاك كووتر» لمصلحة الإمارات، بأجور زهيدة تنقص كثيراً عن تلك المعطاة للأفارقة والأميركيين الجنوبيين)، السمتين الأبرز المُلصقتَين بهم. وما زاد الأمر سوءاً بالنسبة إلى «الانتقالي» هو أن تورط ميليشياته في عمليات الاعتقال والتعذيب المُدارة إماراتياً لم يعد محلّ شكّ بالنسبة إلى أهالي المسجونين والمخفيين قسراً، والذين صعّدوا الأسبوع الماضي تحركاتهم توازياً مع مسعى إماراتي للفلفة القضية.
وعلى المستوى الأمني، لا يجد أهالي عدن أن الكم الهائل من الأذرع والتشكيلات الموجود في مدينتهم أفلح في منع الانفلات فيها، وما عملية الاغتيال التي استهدفت أمس القيادي في حزب «الإصلاح» صادق أحمد في مديرية القلوعة، ومعها تفجير سيارة لمسؤول جمعية «الحكمة اليمانية» في مديرية المعلا، وقبلهما عملية القتل التي أودت بحياة مدير قسم «شرطة بئر فضل» فهمي الصبيحي يوم الخميس الماضي، إلا حلقات جديدة من مسلسل لا يفتأ متواصلاً. أما على المستوى الخدماتي، فيكاد لا يمرّ يوم إلا وتخرج في خلاله أنباء متصلة بمشكلة الكهرباء، التي تتفاقم بسرعة في أيام الصيف، مضاعِفة معاناة المواطنين في ما تسمى «المحافظات المحررة»، والموعودة منذ 3 سنوات بإعادة الإعمار والتنمية والازدهار.