المقالات

إدارة التوحش: صُنِعَ في أمريكا

الجديد برس : رأي

محمد ناجي أحمد

يستخدم تنظيم (القاعدة) و(تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين) و(تنظيم الدولة الإسلامية)… الخ، في بياناتهم لغة لا تخطئها العين بأنها لغة غربية أمريكية، مثال ذلك: “وكشفت القاعدة في شبه الجزيرة العربية عمَّا أسمته استراتيجية الألف جرح التي ستجعل العدو ينزف حتى الموت”. وأما الهدف فتقول نشرة التنظيم: “إحداث أضرار اقتصادية وأكبر قدر من الخوف لدى الغربيين. منذ البدء كان هدفنا اقتصادياً، وكان مقررا أن نجاح العملية يجب أن يعتمد على عاملين: الأول: أن يمر الطرد من خلال الأجهزة الأمنية. والثاني: نشر الخوف الذي سيجبر الغرب على تخصيص مليارات الدولارات في أجهزة أمنية جديدة. سنستمر في تلك العمليات، ولا يعنينا في هذه المرحلة ما إذا جرى اكتشافها، فذلك سيكون تجارة جيدة لنا، إذ يكفي نشر الخوف بين العدو وجعله مستنفراً دائماً مقابل أشهر بسيطة من التحضير، وبضعة آلاف من الدولارات” (فواز جرجس: أوباما والشرق الأوسط، ترجمة: محمد شيا، مركز دراسات الوحدة العربية، 2014، ص 307).
بعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفييتي، كانت وزارة الدفاع الأمريكية وأجهزتها الأمنية بحاجة إلى استمرار الميزانية المهولة المخصصة لها، لذلك ولاستمرار نفوذها ومشاريعها الامبريالية تم اختراع عدو أيديولوجي اسمه الإسلام، وتم صناعة “القاعدة” لتحقق للولايات المتحدة الأمريكية ذريعة التدخل والسيطرة، عبر توظيف الخوف والرعب، باستخدام عمليات استخباراتية، قليلة الكلفة، وتنجح في أسر مخيلة الأمريكيين، وجعل الضحية في بحث دائم عن حيثيات براءته.
من المعروف أن ثقافة كوادر القاعدة وما تفرع منها من تنظيمات العنف الموجه والمبرمج، في اليمن وشبه الجزيرة العربية، حتى أولئك الذين يحملون جنسيات أمريكية وغربية مثل أنور العولقي وياسر خان، فيها ضحالة وجمود وجهل،
فمن أين لهم هذه اللغة وهذه الثقافة المبنية على استخدام فائق لـ”حرب الكلمات والصور” وتوظيف اللغة في السياسة؟ من أين لهم هذا الإدراك بإدارة المجتمعات عن طريق التوحش والخوف المستدام؟
هذه لغة وخطاب ورؤية غربية، بلغت شأناً عالياً في علوم اللغة: كلمات وصوراً ومؤثرات بصرية.
هي لغة غربية، صوتاً وتركيباً ودلالة وبصرياً، وهي علوم نفسية واجتماعية واقتصادية، تفكيراً واستراتيجية وحصادا.
 كان انتصار أمريكا على الاتحاد السوفييتي، طيلة الحرب الباردة وحتى سقوط المنظومة الاشتراكية، من خلال المخيلة والتخييل.
 لعبت هوليوود الدور الرئيسي في جعل الصورة سلطة عنف تعمل على تكوين صورة “امبراطورية الشر” السوفييتي، مزيحة بذلك الصورة الحقيقية، فلا حقيقة سوى سيل من الصور والأفلام المستخدمة في الحرب الباردة!
وعلى النسق ذاته، استخدمت شبكة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي والفيديوهات والفضائيات، التي تبث عمليات وبيانات تنظيمات العنف باسم الدين. كل ذلك سهل ويسهل للنظام الأمريكي والغرب إدارة العالم عن طريق استثمار الخوف والصدمة والرعب.
ما هي الأهداف التي تحققها هذه التنظيمات؟
إشعال حروب طائفية عن طريق المنابر والفضائيات وإرسال السيارات المفخخة والقتل الممنهج للمدنيين وتفجير مساجد السنة وأخرى للشيعة… الخ.
حرب طويلة الأمد ضد ما أسموه “الإسلام المتطرف”، قادها أعضاء كونجرس ومرشحون للرئاسة، جمهوريون وديمقراطيون، واستخدمت (الميديا) في اختيار العدو وتضخيم صورته في المخيلة الأمريكية، وزرع الخوف منه.
وجاء (ترامب) كنتيجة ومنتج في آن لهذه الصناعة وما صنعته (الميديا) في هذا الجانب في تصويرها للإسلام كعدو، وترويج خطاب الكراهية الذي تم تخليقه منذ بداية التسعينيات، والتنظير له في “صراع الحضارات” حتى أصبح هناك تيار موجود بقوة في أمريكا معادٍ للمسلمين والمهاجرين. من هذا التيار الذي صنعته المخيلة الرسمية جاء ترامب ليحول الكراهية إلى قرارات سياسية. لقد كانت “الحرب على الإرهاب” واحدة من الوسائل الأمريكية في صناعة الكراهية وتنمية الإرهاب في آن.