المقالات

تركيا والحلف الاستراتيجي مع إسرائيل

الجديد برس : رأي

محمد ناجي أحمد

صحيح أن العلاقة بين تركيا وإسرائيل تمتد إلى أواخر الأربعينيات، وقد “أسهمت الولايات المتحدة -أو على الأقل شجعت- في إنشاء محور أنقرة/ تل أبيب، وهو محور ذو عواقب وخيمة على المصالح العربية”، كما يرى عبد الخالق عبد الله في الندوة التي طبعت في كتاب (الوطن العربي في السياسة الأمريكية، مركز دراسات الوحدة العربية، نوفمبر 2002م)؛ إلاَّ أن هذا الحلف أصبح من الأهمية الاستراتيجية بمكان مع الثورة الإيرانية، كي يشكل طوقاً وكماشة لحصر الخطر العروبي الذي تمثله سوريا والعراق، وما يمثله الإسلام الثوري في إيران الخميني، إلاّ أن هذا الحلف بأبعاده العسكرية والتجارية والسياسية قد تطور خلال حكم حزب العدالة والتنمية، منذ 2002م، بالرغم من الضجيج وغبار الخطب الأردوغانية بخصوص فلسطين.
فمع كل هذا الغبار لا نجد قراراً عملياً من تركيا بمقاطعة إسرائيل، وإلغاء الاتفاقيات معها، بل نجد عدوانا على غزة والضفة الغربية وإعلان الولايات المتحدة الأمريكية نقل سفارتها إلى القدس، والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل
وأخيرا تصويت الكنيست الإسرائيلي على قانون ينص على أن فلسطين وطن قومي لليهود، ويزيح استخدام اللغة العربية في المعاملات الرسمية، بعد أن تم إزاحة الكثافة السكانية لفلسطينيي 48م الذين كانوا يشكلون ثلثي السكان، فأصبحوا لا يمثلون سوى 5% من تعداد السكان هناك بسبب المذابح الجماعية والتهجير للفلسطينيين، واستقبال هجرة اليهود!
منذ تولي حزب العدالة والتنمية للسلطة في تركيا والعلاقات التجارية والسياحية والعسكرية والاستخباراتية مع إسرائيل في تنام، بالرغم من التبني الإعلامي للقضية الفلسطينية والدعم المادي لحماس، فعلى النقيض من ذلك تتنامى العلاقات الاستراتيجية بين الكيان الصهيوني وتركيا، من تبادل للخبرات العسكرية في مجال الطيران والطيارين، والتبادل المعلوماتي الاستخباراتي بخصوص المنطقة والأكراد، إلى ارتفاع التبادل التجاري بحيث أصبحت إسرائيل من أهم خمس دول كسوق للبضائع التركية، وتركيا بلد السياحة الأول بالنسبة للإسرائيليين.
تلتقي تركيا وإسرائيل في أطماعهما في المنطقة، سواء بخصوص النفط أو المياه أو الأراضي. وتصريحات الساسة الأتراك، وعلى رأسهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بضرورة مراجعة “اتفاقية لوزان” وبأن الموصل “أرض تركية”، بما في ذلك مطالبتهم بحزام أمني في سوريا، وتهديدهم بتقويض “اتفاق أستانة” الذي عقدوه مع إيران وروسيا، فالواضح أن الهدف التركي هو فرض “حزام أمني” تركي داخل الأراضي السورية في إدلب، سواء بجيش تركي مباشر أو من خلال حكم ذاتي يخدم المصالح التوسعية التركية.
وحرب 1995م التي شنتها تركيا على العراق وبتحالف إسرائيلي توضح أن الحلف الإسرائيلي التركي يستخدم حرب الماء ضد سوريا والعراق.
من جهة أخرى “ترى إسرائيل أن إدخال تركيا كلاعب أساسي في الشرق الأوسط يغير من الطبيعة الجغرافية – السياسية للمنطقة، ويجعل من وجود دولة غير عربية تؤدي دورا كبيرا في الاقتصاد والأمن والحياة السياسية مبرراً لقبول وجودها هي بالذات” (دول المثلث بين فكي الكماشة التركية الإسرائيلية، عايدة العلي سريّ الدين، دار الفكر، بيروت، 1997م، ص7).
بل إن علاقتها مع تركيا قد أسهمت في إخراجها من عزلتها، وسرعت من عملية التطبيع.
يتكامل الدور التركي في موضوع المياه ضد سوريا والعراق مع التوسع الجغرافي الإسرائيلي والمائي معا على حساب لبنان والأردن. ولهذا أصبح التوسع الجغرافي التركي ومنع كميات المياه اللازمة لسوريا والعراق التي تمر عبر تركيا، وارتفاع ميزان التبادل التجاري، ورحلات الطيران، من سمات الحلف الاستراتيجي بين إسرائيل وتركيا.
ما تريده تركيا هو أن تخلق مستوطنات كحزام أمني داخل الأراضي السورية والعراقية يقيم فيها “فلاحون مخلصون للدولة التركية، تستخدمهم أنقرة من منطقة الأناضول، وهذا ما قامت به في أي حال بعد احتلالها للشطر الشمالي من قبرص” (المرجع السابق، ص10).
ومطالبتها بتعديل “اتفاقية لوزان” شبيهة بما فعلته مع “اتفاقية سيفر” (1920) التي كانت تنص على الاعتراف بدولة كردية مستقلة، لكنها عدلتها باتفاقية لوزان (1923م)، التي تنص على إلغاء الاعتراف بدولة كردية، وأصبحت الدولة التركية باسطة سيادتها على معظم المناطق الكردية، وهو ما تريد تكراره بخصوص الموصل التي تدعي أنها “أرض تركية”.