الجديد برس – تقرير
ما إن سكتت أصوات الرصاص وبنادق رفاق «المقاومة»، داخل الأحياء الأهلة بالسكان، وسط مدينة تعز، حتى بدت حرب أخرى تكشر عن أنيابها، ولكن هذه المرة تغيرت فيها قواعد اللعبة واللاعبين.
معركة باردة ظلت خلال الأيام القليلة الماضية تشتعل بلغة التهديد والوعيد تارة، ونشر غسيل الفساد بالتسريبات تارة أخرى، ولكنها اليوم تبدو أكثر سخونة، حيث تشهد المدينة تصعيداً خطيراً بين المحافظ أمين محمود، المدعوم إماراتياً، وبين قائد المحور ورئيس «اللجنة الرئاسية» الموالين لحزب «الإصلاح»، والمكلفة بتطبيع الأوضاع في المدينة.
دهاليز «اللجنة الطبية»
بداية المعركة الباردة هذه كانت منذ قرابة أسبوعين، حيث وجه المحافظ قيادة المحور بسرعة فتح مقر «اللجنة الطبية» للقيام بـ«واجباتها تجاه الجرحى وصرف الأدوية الخاصة بهم»، وجاء هذا التوجيه بعد احتجاجات واسعة شنها ناشطو حزب «الإصلاح» ضد رئيسة «اللجنة الطبية» الدكتورة إيلان محمد عبد الحق، والمقربة من المحافظ، حيث أفضت تلك الاحتجاجات إلى استقالة عبد الحق من رئاسة اللجنة، وتم تعيين آخر محسوب على الحزب للقيام بمهام رئاسة اللجنة.
قيادة المحور، وفي ردها على توجيه المحافظ، أكدت أن «سبب تأخرها في فتح مقر «اللجنة الطبية» يعود إلى التغييرات التي أجراها المحافظ في اللجنة المكلفة بالتحقيق في «ملفات الفساد الخاصة بعمل اللجنة، عقب تقديم استقالة رئيس اللجنة الدكتورة إيلان عبد الحق».
ولفتت القيادة إلى أن «رئيس اللجنة المكلف خلفاً للدكتورة إيلان، لم يتسلم سوى الاثاث والكراسي فقط»، مؤكدة أن «رئيسة اللجنة المستقيلة لم تصفِّ عهدة اللجنة، والبالغة مليون دولار في حسابها الشخصي».
القيادة وفي مذكرة الرد التي حصل «العربي» على نسخة منها، طالبت المحافظ بتوريد مبلغ 300 مليون ريال يمني، والتي كان قد تسلمها باسم دعم جبهات القتال، إلى حساب «اللجنة الطبية لتقديم حلول عاجلة للقضية».
اختلاس بـ3 مليارات ريال
في السياق ذاته، كشف محافظ تعز، أمين محمود، عن ممارسات الفساد لقائد المحور اللواء الركن، خالد فاضل، الرجل العسكري الأول في تعز، والمحسوب على حزب «الإصلاح»، مؤكداً أن «عملية الفساد طالت مخصصات اللجنة الطبية وجرحى الحرب، والعمليات العسكرية المدعومة من التحالف في ضواحي مدينة تعز». ووجه المحافظ أمين محمود، بمذكرة رسمية شديدة اللهجة، إلى قائد محور تعز، أكد فيها أن «قائد المحور يماطل في تنفيذ توجيهاته بشأن فتح مقر اللجنة الطبية، ويسوف في تحمل المسؤولية تجاه متابعة مخصصات الجرحى».
كما كشف محمود، في المذكرة التي حصل «العربي»، على نسخة منها، تورط قائد المحور، بـ«اختلاس مبلغ 3 مليارات ريال يمني من مخصصات اللجنة الطبية»، مضيفاً أنه «لم يصرف من المبلغ سوى 25 مليون ريال يمني من أصل 400 مليون ريال مخصصة لجرحى الحرب في إطار المبلغ».
ووجه المحافظ، قائد المحور، بـ«موافاته بوثائق صرف مبلغ الثلاثة مليارات ريال يمني، في نطاق مهلة أسبوع من تاريخ التوجيه»، متوعداً بـ«تشكيل لجنة للتحقيق والمحاسبة في كافة المبالغ السابقة واللاحقة»، في حال لم ينفذ قائد المحور الطلب. ورفض محمود، تحويل 300 مليون ريال يمني إلى قائد المحور اللواء الركن خالد فاضل، كون المبلغ «مخصصاً لعملية عسكرية تنصلت قيادة المحور من تنفيذها وما تزال»، مؤكداً قيام قائد محور تعز بـ«التصرف بمبلغ 200 مليون ريال كان في عهدته دون علم السلطة المحلية».
وأشار إلى أنه «طالب فاضل في أكثر من مناسبة بتوضيح أوجه صرف المبلغ وتصفية العهدة بطريقة واضحة وشفافة».
حرب باردة
وعلى الرغم من أن معظم مؤسسات الدولة الواقعة تحت سيطرة حكومة «الشرعية» في تعز، و«اللجنة الطبية» ليست الجهة الوحيدة التي تشهد فساداً مالياً وإدارياً وعسكريا مهولاً يفوق كل التوقعات، فإن الحديث عن مسيرة الفساد داخل دهاليز تلك المؤسسات، يبدو وبحسب مراقبين، «أمراً معقداً وشائكاً، كون المافيا، قد حولتها إلى مشروع فيد مفتوح، غرق الجميع في وحله ولا يمكن فهمه»، كما يرجح المراقبون «إلى أنها تأتي في سياق الحرب الباردة بين المحافظ المدعوم إماراتياً، والقيادات العسكرية التابعة لحزب الإصلاح في المدينة».
ويؤكد المراقبون أن «ملامح الحرب الباردة اليوم تشير إلى أن صراع الفصائل المسلحة المتعددة والتي تنفذ أجندة خارجية لا يزال حاضراً وبقوة»، مشيرين إلى أن آخر هذه المعارك الباردة تتمثل بالتصعيد الخطير الذي برز اليوم وبشكل أكبر بين المحافظ من جهة وقائد المحور ورئيس «اللجنة الرئاسية»، الموالين لحزب «الإصلاح» من جهة أخرى.
وتشير المعلومات إلى أن محافظ تعز بعث الثلاثاء الماضي، رسالة إلى «اللجنة الرئاسية»، المكلفة من قبل الرئيس عبدربه منصور هادي لحل النزاع بين كتائب جماعة «أبو العباس» السلفية، والمدعومة إماراتياً، وقوات «محور تعز» و«اللواء 22 ميكا» التابعة لـ«حزب الإصلاح»، معلناً فيها، «انتهاء مهمتها التي كلفت به». وقال المحافظ في رسالته، التي وجه نسخة منها للرئيس هادي، إن «تشكيل اللجنة كان بمقترح منه وأنها أدت المهام التي كلفت بها»، مؤكداً أن «دورها في القيادة العسكرية لن ينتهي».
وفي المقابل، رد رئيس «اللجنة الرئاسية»، ورجل الجنرال علي محسن الأحمر، العميد عبده فرحان والمعروف بـ«سالم»، على رسالة المحافظ، في مؤتمر صحافي قائلاً: إن «اللجنة باقية في عملها، وأنها لن تتوقف إلا بقرار من الرئيس هادي». وكان الرئيس هادي قد وجه في الــ11 من أغسطس الماضي، بتشكيل لجنة رئاسية للوقوف على أوضاع محافظة تعز، وتعزيز أمنها واستقرارها، وتقديم الموجهات الأساسية والملحة للدفع باستكمال اعمال التحرير.
تعز إلى المجهول؟
هذه المستجدات والتطورات المتسارعة، بين المحافظ المدعوم إماراتياً، والقيادات العسكرية الموالية لحزب «الإصلاح»، تشير وبحسب مراقبين، إلى أن «المعركة الباردة بين الطرفين ستذهب بتعز إلى تصعيد أكبر، وإن كانت الإمارات فيها هي الحلقة الأضعف»، مؤكدين أن مدينة تعز «وفي ظل جولات الصراع المتجددة ستظل رهينة أوضاعاً صعبة وحرجة، نتيجة للانفلات الأمني، والصراع المسلح بين فصائل المقاومة المتعددة، وهو ما سيفاقم من حدة الصراع، ويجعل تعز على صفيح ساخن وحدهم ابناء المدينة من يدفعون الثمن».
المصدر: العربي – مفيد الغيلاني