المقالات

وهم الحضارة!

الجديد برس : رأي

عبدالمجيد التركي

في إحدى نشراتِ تلفزيون دبي، أكد الشيخ سلطان القاسمي أن الأنباطَ قدِموا إلى دولةِ الإماراتِ قبلَ أربعة آلافِ سنة، وقال إنها أولُ منطقةٍ بدأت بالتطور البشري، حتى قبل تطور الصين بآلاف السنين.
التطور البشري؟!! كيف يجرؤون على التحدُّث بهذه الترَّهات في نشراتِ الأخبارِ أمامَ العالم؟!
ندري جيداً متى تمت تسميةُ الإماراتِ واعتمادها كدولة، لكننا لا ندري ماذا كان اسمُها حينها، إن كانت موجودةً بالفعل، ولم يكن اسمُها دولة الإماراتِ إلَّا عام 1970!
أما في مجال البحثِ عن مآثرَ دينيةٍ فقد جاؤوا برجلٍ مُلتحٍ ليقول إن لهجةَ الإمارات موجودةٌ في القرآن الكريم، ومع ذلك لم يقل شيئاً يستطيعُ به إقناعَ طفل أو يصدقه رجلٌ رُفع عنه القلم.
قبل أشهر قام تلفزيون دبي بتكريم امرأة قيل إنها حفيدة عنترة بن شداد، وزعموا أنه تم إثباتُ نسبها بواسطة الـ”دي إن إيه”، دون أن يفكروا لوهلةٍ أن المتلقي سيتساءل: من أين جاؤوا بالحمضِ النووي لعنترة بن شداد؟!
تدَّعي الإمارات أيضاً أن سكانَ جزيرة سقطرى اليمنية من قبائلَ تعود أصولُهم إليها. ولا تعليقَ مناسباً على هذا السُّخف؛ فأصغرُ شجرةٍ في جزيرةِ سقطرى يبلغُ عمرُها أضعافَ عمر دولتهم وعمر أجدادهم الذين لم يستقروا بأرض، شأنهم شأنُ البدو الرحل الذين يقضون أعمارَهم في الصحراءِ بحثاً عن الماء والكلأ، لأنهم يجهلونَ أن خارجَ هذه الصحراء جبالاً ومدناً وحضاراتٍ وأناساً غيرهم، فحالهم كحالِ السمكة التي لا تصدقُ أن هناك عالماً خارجَ الماء؛ لأنها لم ترَ هذا العالم، ولن يُسعِفَها عمرُها القصيرُ لرؤيته. 
هل يُجهدون أنفسهم في سرقةِ التراثِ السقطري لأجل إثبات هذا؟!!
لا يتحدثُ عن هذه الحضارةِ المزعومةِ سوى بعضِ مشائخِ الإمارات فقط، دونَ الاستنادِ إلى شيءٍ يدعمُ هذا الهراء. فالناسُ هناك على دين مشائخهم، والإعلامُ يلقفُ ما يأفكون، وكلما زاد الإعلامُ في الجرافيك والمونتاجِ والمؤثراتِ الصوتيةِ لتزيين أحاديثِهم، فاحت رائحةُ الفضيحة أكثر. 
تحدث محمد بن زايد، ذات يوم لإحدى القنوات، مستميتاً في إثبات الوهم: إنهم حقيقة وليسوا حدثاً، دون أن يعرف أن إثباتَ الإثباتِ نفي. ثم قال إنهم من 700 سنة، ثم قام بتخفيضها إلى 250 عاماً، وبعد ذلك صدَّق نفسه واستدرك قائلاً إن لديهم تاريخاً منذ آلاف السنين.
هؤلاء الإماراتيون، الذين يفرحون بأيِّ كذبةٍ ويصدقونها، لا يعرفون أن الحضارةَ لا تُكتشفُ بالصدفة، إنها جيناتٌ وشواهدُ ومآثرُ وفكرٌ وفن…
ولا يمكن لحضارةٍ أن تبقى خاملةً ومدفونةً تحتَ الترابِ حتى يأتي أميرٌ أو شيخٌ ليكتشفها أثناءَ رحلاتِ الصيدِ بالصقور. كما أن الحضارةَ ليست كل ما هو تحتَ الترابِ فقط.