الجديد برس – قراءة تحليلية
تناولت الكاتبة الأميركية في مجلة “ذا نيويوركر” الأميركية روبن رايت الدعوة الأميركية للأطراف اليمنية لعقد محادثات سلام جديدة لإنهاء الحرب المروّعة في اليمن، رابطة بين هذه الدعوة ومحاولة إدارة الرئيس دونالد ترامب إيجاد مخرج لأزمة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعد انكشاف فضحية تصفية الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
وقالت رايت إنه في مقالة افتتاحية في صحيفة واشنطن بوست يوم الجمعة، دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المملكة العربية السعودية إلى وقف تغطيتها لجريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي. وكتب أردوغان: “قتل جمال خاشقجي تورط به أكثر بكثير من مجموعة من المسؤولين الأمنيين، تماماً كما كانت فضيحة ووترغيت أكبر من أي اقتحام، والهجمات الإرهابية في 11 أيلول – سبتمبر التي تجاوزت الخاطفين”. وأضاف أنه بعد شهر كامل من مقتل الصحافي السعودي، في اسطنبول، يجب على المملكة أن تكشف فوراً عن هوية “مدبري قتل خاشقجي ويكشفون أولئك المسؤولون السعوديون الذين لا يزالون يحاولون التغطية. واتهم أردوغان التحقيق السعودي بأنه “يبدو الآن أنه مجرد ببساطة عملية مماطلة”.
وأضافت رايت أن هناك سخرية متنامية بين أصدقاء خاشقجي وعائلته، والقوى الغربية المتحالفة مع المملكة، وحتى بعض السعوديين، حول وجود محاسبة سعودية كاملة أو حتى عدالة حقيقية بشأن جريمة قتل خاشقجي. ومع ذلك، هناك علامات متنامية تشير إلى أن وفاته قد حفزت مبادرة دبلوماسية للاستفادة من ضعف النظام الملكي، ولا سيما لاحتواء السياسة الخارجية العدوانية لولي العهد السعودي محمد بن سلمان. ينكر المسؤولون الأميركيون ذلك، لكن الضجة الدبلوماسية في واشنطن هي أن الحاكم الفعلي للمملكة سيدفع ثمناً بطرق أخرى، وعلى الأخص في اليمن. إنه نوع من الترتيبات غير المعلنة، وربما حتى هي مقايضة تقضي بقبول أن يحتفظ ولي العهد بمنصبه.
أطلقت الولايات المتحدة وبريطانيا ، وهما أكبر مصدري الأسلحة لآل سعود، دفعة جديدة هذا الأسبوع لإنهاء النزاع المروع في اليمن. قام جيمس ماتيس، وزير الدفاع، بعرض الجهود الأميركية في خطابين في حوار المنامة في البحرين، يوم السبت، وفي معهد الولايات المتحدة للسلام، يوم الثلاثاء. وفي لغة حادة، دعا الأطراف الرئيسية في النزاع، السعودية، المدعومة من تحالف عربي، والحوثيين المدعومين من إيران، إلى وقف القتال والبدء بمحادثات جادة بحلول نهاية تشرين الثااني – نوفمبر.
وقال ماتيس، وهو جنرال متقاعد من مشاة البحرية يوم الثلاثاء: “اليمن يعاني من مشكلات أكثر مما يمكن لأي شعب أن يحمله. الحل الأطول أجلاً – وعلى المدى الأطول – أعني بعد ثلاثين يومًا من الآن – نريد رؤية الجميع حول مائدة سلام، مستندًا إلى وقف إطلاق النار، مستندًا إلى الانسحاب من الحدود، ثم بالاعتماد على وقف إسقاط القنابل، الذي سيسمح للمبعوث الخاص للأمم المتحدة، مارتن غريفيث – إنه جيد جداً ويعرف ما يفعله – لجمعهم في السويد وإنهاء هذه الحرب”.
ورأت الكاتبة أن على ثلاث جبهات، هناك حاجة ملحة لإنهاء حرب اليمن، التي أطلقها ولي العهد بعد فترة وجيزة من توليه منصب وزير الدفاع (واحدة فقط من العديد من الحقائب التي يحملها الآن) ، في أوائل عام 2015. فقد أنتجت عملية “عاصفة الحزم” ظروفاً كارثية – أسوأ مجاعة في أي مكان في العالم منذ مائة عام، وأسوأ أزمة إنسانية في القرن الحادي والعشرين. حوالي أربعة عشر مليون يمني يواجهون الآن المجاعة، وفقاً للأمم المتحدة. هذا ما يقرب من نصف سكان البلاد البالغ عددهم تسعة وعشرين مليون نسمة. وقد ضرب التحالف بقيادة السعودية الآلاف من الأهداف العسكرية، لكنه دمر أيضاً الحافلات المدرسية المليئة بالأطفال، والمزارع والمحاصيل، وقوارب الصيد والطرق والجسور، وآلاف المنازل، وعشرات المرافق الصحية. الإمدادات الغذائية قد تعطلت، وتعرض الاقتصاد للشلل، وتم تدمير البنية التحتية الوطنية.
الخسائر البشرية مذهلة. كل عشر دقائق، يموت طفل يمني دون سن الخامسة من “سوء التغذية الشديد الحدة” أو من الأمراض التي يمكن الوقاية منها، كما ذكرت اليونيسيف يوم الجمعة. أكثر من ستة عشر ألف مدني أصيبوا في الحرب. وقد نزح نحو مليوني يمني من ديارهم. يحتاج أكثر من عشرين مليون شخص إلى المساعدة من أجل البقاء أحياء، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
وقال ليز غراندي، منسقة الوكالة الإنسانية في اليمن، لهيئة الإذاعة البريطانية” “أعتقد أن الكثيرين منا شعروا، بعدما دخلنا في القرن الحادي والعشرين، أنه من غير المعقول أن نرى مجاعة كما رأينا في إثيوبيا، والتي رأيناها في البنغال، والتي رأيناها في أجزاء من الاتحاد السوفييتي. هذا غير مقبول. كان لدى الكثير منا الثقة أن ذلك لن يحدث مرة أخرى، ولكن الحقيقة هي أنه في اليمن هذا هو بالضبط ما نراه”.
يمكن أن تتفاقم الحالة المادية المتدهورة في اليمن بسبب الاضطرابات السياسية، مما يزيد الضغط على بدء محادثات السلام. الرئيس منصور هادي، وهو مارشال ميداني سابق للقوات المسلحة اليمنية، يعاني من مرض خطير في القلب. في الأسابيع الأخيرة، كان يتلقى العلاج بهدوء في عيادة كليفلاند، كما أخبرني مسؤولون يمنيون وغربيون. وقال دبلوماسي يمني انه لا يزال هناك يوم الخميس الماضي. وقد وصفت صحته من قبل الآخرين بأنها محفوفة بالمخاطر.
هادي يرأس حكومة غير مستقرة بالفعل. تولى السلطة في عام 2012، بعد عام من الاحتجاجات التي أفرزها “الربيع العربي” أدت إلى حملة قمع من قبل قوات الأمن ومقتل حوالي ألفين يمني. الرئيس علي عبد الله صالح، الذي حكم البلاد لأكثر من ثلاثة عقود، أطيح به. تولى نائبه هادي منصب الرئيس. كان من المفترض أن يشرف على كتابة دستور جديد وانتقال للسلطة خلال عامين. وكان هذا الترتيب مدعوماً من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة. لكن الانتخابات تأجلت مراراً. أدى قرار هادي بخفض دعم الوقود في عام 2014 إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، مما أدى بدوره إلى اندلاع احتجاجات جديدة استغلها الحوثيون المنافسون. هرب هادي إلى المملكة العربية السعودية في عام 2015، لكنه احتفظ بلقب الرئيس. يدعي السعوديون أن هدفهم هو استعادة حكومته.
عسكرياً، كانت الحرب في مأزق افتراضي لأكثر من عامين. في هذه العملية، تعرضت البلاد للشرذمة جغرافياً، وقوّضت توحيد اليمن الجنوبي الماركسي واليمن الشمالي الموالي للغرب على نطاق واسع بعد انتهاء الحرب الباردة، منذ ما يقرب من ثلاثة عقود. في هذه الفوضى، حصل كل من تنظيم “داعش” و”القاعدة في شبه الجزيرة العربية” على أتباع وموطئ قدم. لا تريد الولايات المتحدة أن يستغل الجهاديون دولة فاشلة أخرى. في أوقات أكثر هدوءاً، في عام 2000، ضرب مفجرون انتحاريون البارجة الأميركية “يو اس اس كول” خلال توقفها للتزود بالوقود في ميناء مدينة عدن، في جنوب اليمن، وقتل 17 بحاراً أميركياً.
الولايات المتحدة قد تورطت أيضاً في الحرب بتسليح ومساعدة وإسداء المشورة لحلفائها في الخليج. في ظل كل من إدارتي أوباما وترامب، قدمت واشنطن الاستخبارات، والطائرات، والقنابل، وغيرها من الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وقال ماتيس إن الطائرات العسكرية الأميركية قد أعادت تزويد المقاتلات السعودية بالوقود – أقل من عشرين بالمائة. غير أن النقاد يقولون إن التزود بالوقود الأميركي يجعل الولايات المتحدة متواطئة في الضربات الجوية السعودية التي تقتل المدنيين.
تواجه إدارة ترامب الآن ضغوطاً متزايدة من الكونغرس، وخاصة من الجمهوريين، لتقليص مبيعات الأسلحة إلى المملكة حتى تنتهي الحرب. هذا الأسبوع ، ضغط خمسة من أعضاء مجلس الشيوخ البارزين، بقيادة ماركو روبيو، على البيت الأبيض لإنهاء المحادثات مع المملكة حول التعاون النووي المدني. وكتب الأعضاء: “إن الكشف المستمر عن مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، وكذلك بعض الإجراءات السعودية المتعلقة باليمن ولبنان، أثارت مخاوف جدية بشأن الشفافية والمساءلة والحكم لدى صناع القرار الحاليين في السعودية”.
وقالت الكاتبة روبن رايت “إن واشنطن كثيراً ما كانت تبدو منافقة، حيث دعمت جهود السلام في اليمن في الوقت الذي قامت فيه بتسليح التحالف الذي تقوده السعودية. ويبدو أن الضغط على اليمن قد صُمم، جزئياً، لمساعدة إدارة ترامب في تبرير العلاقات الأميركية العميقة مع الملكية السعودية، والتي أصبحت الآن محورية لثلاثة من أهم أهداف السياسة الخارجية للرئيس ترامب – الضغط على إيران، ومكافحة الإرهاب في عصر “داعش” والقاعدة، وخطة سلام عربية – إسرائيلية. إن إنهاء الحرب يمكن أن يخفف المعارضة المتزايدة في واشنطن بشأن دعم آل سعود، إما دبلوماسياً أو عسكرياً”.
وقد أقر وزير الخارجية البريطاني، جيريمي هانت، بأن مقتل خاشقجي عرض فرصة للضغط على المملكة الغنية بالنفط. وقال لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC) يوم الأربعاء: “ربما، لأنه بسبب وجود هذه العلاقة الاستراتيجية مع المملكة العربية السعودية، لأن أميركا لديها تلك العلاقة، فنحن في وضع يسمح لها بأن تطلب منهم القيام بأشياء لا يمكننا القيام بها إذا لم يكن لديك هذه العلاقة. والآن، ما نحتاج إلى فعله هو استخدام هذه العلاقة للدفع نحو التقدم”.
في رسالة بريد إلكتروني قصيرة في وقت متأخر من الليل، أوضح وزير الخارجية مايك بومبيو مخططاً هذا الأسبوع لإنهاء الحرب، يتضمن: أولاً، يجب على الحوثيين، الذين سيطروا على العاصمة صنعاء، منذ عام 2015 ، وقف الهجمات الصاروخية على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من معاقلهم. عندئذ فقط، تعهد بومبيو أن التحالف الذي تقوده السعودية سينهي غاراته الجوية على جميع المناطق المأهولة بالسكان. ثم تقوم الوساطة “الجوهرية” التي تقودها الأمم المتحدة “بتنفيذ تدابير لبناء الثقة لمعالجة القضايا الأساسية للصراع، ونزع السلاح من الحدود، وتركيز جميع الأسلحة الكبيرة تحت المراقبة الدولية”.
من الواضح أن إدارة ترامب تريد المضي قدمًا مع المملكة، حتى مع بقاء الأمير محمد بن سلمان في منصبه.
وقال بومبيو يوم الخميس إن الولايات المتحدة لديها “مجموعة طويلة من العلاقات الاستراتيجية العميقة مع المملكة العربية السعودية. إنهم شركاء في التجارة. إنهم يوفرون فرصاً هائلة للأميركيين لتنمية أعمالهم ولإحداث الثروة هنا في الولايات المتحدة، وكانوا شريكاً قوياً لإدارة ترامب في مكافحة الإرهاب في جميع أنحاء العالم. هذه مصالح أمنية أميركية مهمة، ولا يمكن أن نتغاضى عن ذلك”.
وقالت الصحيفة إنه حيث لم تعد الحكومة اليمنية (برئاسة هادي) تسيطر على عاصمتها الخاصة، فقد رحبت بالدعوة الجديدة للسلام يوم الخميس، ثم استمرت في إدانة الحوثيين المنافسين. وفي إشارة خاصة بها، قصف التحالف السعودي مطار صنعاء الدولي يوم الجمعة. حتى الحلفاء الغربيون الذين يدعمون الدفع الأميركي لعملية السلام يشككون في أن الإدارة مستعدة للقيام بكل ما يتطلبه الأمر – مثل رفض تزويد الطائرات بالوقود أو سحب ترسانة الأسلحة في المملكة – لجعل جميع الأطراف على الطاولة. ونقلت رايت عن أحد الدبلوماسيين الأوروبيين قوله لها: “كل الظروف موجودة هنا للاستفادة من هذا الوضع، لكن هل تستطيع هذه الإدارة استخدام هذا النفوذ والتعامل مع السعوديين؟”.
وختمت الكاتبة بالقول إن إنهاء الحرب سيكون صعباً في الواقع، بمثل صعوبة الحصول على الحقيقة الكاملة حول مقتل خاشقجي.
*روبن رايت كاتبة مساهمة في مجلة نيويوركر منذ عام 1988.
ترجمة: الميادين نت