الجديد برس : تقرير
طلال سفيان/ لا ميديا
منذ بدء عدوان ما يعرف بالتحالف العربي على اليمن، قامت بريطانيا ببيع أسلحة بمليارات الجنيهات للسعودية والإمارات، وتقدم الدعم اللوجيستي والاستخباري، وتشارك بوارجها الحربية في قصف اليمن.. التصريحات البريطانية وقبلها الأمريكية عن إرسال فرق الموت، تزيح الستار عمن لا يرى في الميدان دوراً محورياً لواشنطن ولندن، وحتى تل أبيب، وتقدم قادة السعودية والإمارات بحجمهم الطبيعي كجنود ووكلاء مخلصين لأمريكا وبريطانيا وإسرائيل..
في 31 مايو العام الجاري، أكدت لندن، في بيان لوزير خارجيتها بوريس جونسون، الذي استقال في يونيو الماضي، مشاركتها في العدوان على اليمن بإرسال قوات عسكرية إلى السعودية لحمايتها مما وصفَها بتهديدات خطيرة قادمة من اليمن، متناقضاً في الوقت ذاته بين إبدائه الحرص على السلام وإمعانه في إرسال السلاح والمقاتلين لتحالف العدوان.
لم يجانب جونسون الحقيقة عندما قال إن القوات العسكرية البريطانية المشاركة في العدوان لا تنضوي تحت ما يسمى التحالف السعودي، فهم أكبر من ذلك، بل هم قادة هذه الحرب والمعركة، قائلاً إن القوات البريطانية المتواجدة في السعودية تتلقى الأوامر من القيادة البريطانية.
في 21 نوفمبر، قال وزير الخارجية البريطاني جيرمي هانت، إن وقف بيع الأسلحة للسعودية سيفقد بلاده نفوذها لدى السعودية، وقدرتها على التأثير للوصول إلى حل في اليمن، في مبرر يفتقر إلى أبسط مقومات التضليل الذي هدف إليه الوزير البريطاني.
وحول الدور البريطاني الخطير في الحرب على اليمن، أكد قائد ثورة الـ21 من أيلول 2014 السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، في لقاء أجرته معه صحيفة (الأخبار) اللبنانية، في 23 مارس 2018، أن أمريكا وبريطانيا مستفيدتان من الحرب على اليمن.
كما أشار رئيس اللجنة الثورية العليا محمد علي الحوثي، إلى الاعتراف البريطاني الضمني بمشاركتها مع أمريكا في الهجوم على الحديدة ومحاولة احتلالها وتدمير مينائها وشريان ملايين اليمنيين الوحيد.
وقال الحوثي، في تغريدات نشرها في 13 يونيو من العام الجاري، على حسابه في (تويتر): (البريطانيون أبلغونا قبل أسبوع أن الإماراتيين والسعوديين أكدوا عدم الدخول في معركة الحديدة إلا بموافقتهم ومساعدتهم).
فيما كشفت صحيفة (ديلي ميل) البريطانية، في تقرير أطلقت عليه تسمية (الحرب القذرة)، ونشرته في27 نوفمبر العام الماضي، عن دور لندن في الحرب السعودية على اليمن.
وقالت الصحيفة إن الجيش البريطاني يقوم بتدريب قوات سعودية بشكل سري، وأوضحت أن أكثر من 50 عسكرياً بريطانياً يقومون بتدريب الجنود السعوديين على المهارات الحربية للقتال في هذه (الحرب القذرة).
وشملت عملية (كروس وايز) قوات من الكتيبة الثانية للفوج الملكي الإسكتلندي، وكانت مهمتهم تدريس تقنيات الحرب غير النظامية (I.W) لضباط من معهد مشاة القوات البرية الملكية السعودية.
ولا تبدو الصورة مغايرة للحكومة البريطانية التي تدير مركز الأزمات الخاصة باليمن، من تعزيز المشاركة العملية لها في العدوان على اليمن في ظل الدور الأمريكي القوي، لكن التفاوت الوحيد هو حجم ما ستقبضه لندن لاحقاً، إذ يبدو أن صفقات الأسلحة التي تضاعفت خلال السنوات الماضية، لا تكفي، فبريطانيا لها أطماع في اليمن، خاصة في الجنوب، ولها أطماع في مسألة فصل الجنوب عن الشمال وتقسيم اليمن والسيطرة على مياهه الإقليمية من المهرة إلى الحديدة.
خارطة طريق مفخخ
دشنت بريطانيا تسلمها للملف اليمني بوضع خارطة طريق للحل النهائي في اليمن، تتضمن تفاصيل وتحركات ولقاءات مع الأطراف اليمنية، كما جرى، العام الفائت، عبر رباعية باريس. وتتضمن خارطة الحل دولة مركبة من 6 أقاليم، وتعيين مبعوث بريطاني لإدارة أزمة اليمن، وغيرها من الخطط الكارثية.
فمنذ 2011 وحتى اليوم, أدت العديد من المسودات والمشاريع البريطانية المقدمة لمجلس الأمن الدولي، بالإضافة إلى الإسهامات القوية لهذه المملكة العجوز، في إصدار 9 قرارات أممية, إلى عواقب وخيمة على اليمن.
ومن هذه القرارات:
• القرار 2014، 21 أكتوبر 2011، الذي يدعو الى تطبيق الحل السياسي القائم على مبادرة مجلس التعاون الخليجي.
• القرار 2140، 26 فبراير 2014، الذي يفرض نظام عقوبات تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
• القرار 2201، 15 فبراير 2015، وينص على فرض عقوبات على قادة أنصار الله والرئيس السابق ونجله.
• القرار 2216، 14 أبريل 2015، ويفرض حظراً على واردات السلاح لليمن.
مشروع القرار البريطاني الأخير، والقاضي بوقف القتال فوراً في ميناء الحديدة الاستراتيجي، يمهل طرفي النزاع 10 أيام للدخول في هدنة إنسانية فورية في مدينة الحديدة وإزالة جميع العوائق أمام إيصال المساعدات الإنسانية إلى جميع مناطق البلاد عبر هذا الممر البحري الحيوي، وهو الأمر الذي يؤكد أن هذا المشروع يعتمد على الرواية السعودية التي تدعي احتماء الجيش واللجان بالمواطنين، في محاولة مفضوحة ومستهجنة، هدفها التبرير للجرائم المرتكبة بحق المدنيين من قبل جيوش ومرتزقة التحالف الإرهابي، سواء السابقة أو المزمع ارتكابها في المستقبل.
تبدل الأدوار
إن مساعي بريطانيا للسيطرة على السواحل والجزر اليمنية ليست فكرة جديدة، فمنذ 180 سنة، ترتكز سياسة بريطانيا الاستراتيجية على عدم دخول أية قوة في هذا البحر الذي يمثل الشريط الحيوي الهام بالنسبة لها.
لم يكن يعني بريطانيا من قريب أو بعيد الحفاظ على ممتلكات السلطان العثماني المريض، بقدر اهتمامها بالحفاظ على مصالحها السياسية والعسكرية والتجارية في جنوب البحر الأحمر، وتحديدًا عدن.
ومع بدء الحملة الفرنسية على مصر سنة 1798م، توجه نظر بريطانيا إلى أهمية هذا البحر، وعملت على بسط نفوذها السياسي والعسكري، بل والتجاري في البحر الأحمر، خوفاً من أن تعكر صفو مياهه قوى أخرى، ولذلك عندما أطل وجه والي مصر الطموح محمد علي باشا على شواطئ البحر الأحمر، سارعت بريطانيا باحتلال عدن بالقوة سنة 1839م، وخاضت صراعاً مع إيطاليا وألمانيا على جزر اليمن في البحر الأحمر (ميون وحنيش وزقر وفرسان)، ومحاولة جر وسحب جزيرة كمران الشمالية الى الجنوب، حتى تتحكم بها.
لكن هذه السياسة البريطانية تغيرت شكلياً خلال العقود الأربعة الأخيرة, حيث تبدلت الأدوار مع الحليف الأمريكي والربيب الإسرائيلي، للسيطرة على البحر البحر.. واليوم تحاول بريطانيا ومعها قوى دولية كبرى تغيير الوضع الجيوسياسي للممرات الدولية والسواحل اليمنية من خلال احتلال الجنوب.
فالسيطرة على باب المندب واحتلال ميناء المخا والتهديد باحتلال ميناء الحديدة أو محاولة وضعه تحت تصرف الأمم المتحدة.. كل هذا جزء من هذا المشروع الاستعماري القديم.
ومنذ خروج أحفاد الكابتن هينس من عدن، في 30 نوفمبر 1967، نتيجة للكفاح المسلح لأحرار اليمن، لم يخرج الجنوب اليمني من دائرة الاهتمام البريطاني، حيث بقيت أنظار المملكة البريطانية تتربص في هذه الأرض عبر زرع وتنمية عملائها في اليمن، وهو ما بدا مبكراً لتنشئة عميلها عبد ربه منصور هادي الذي وصل لسدة الحكم كرئيس مؤقت، والتكليل الأخير بعميل آخر يدعى ياسين سعيد نعمان، الذي أضحى منذ العام 2014 سفيراً لليمن لدى عاصمة المملكة المتحدة.
لازال البعض في الجنوب يحن لحليب فيكتوريا بالصوت العالي.. ولازالت هذه المملكة الشمطاء تقدم رجلاً ويداً للعودة بشتى الطرق إلى الجنوب.
ففي العام الماضي تم تشكيل قوة السعودية تدعى (لواء المغاوير)، ومدعومة بآلاف المقاتلين الجنوبيين الذين تم اختيارهم وفقاً لمعايير خاصة، وتم تدريبهم بشكل مكثف، وأوكل إلى هذه القوة المشتركة مهام عسكرية بحرية في السواحل والمياه الإقليمية اليمنية، وهي غير خاضعة للسلطات اليمنية المدعومة من التحالف.
وتشرف البحرية البريطانية، على هذه القوات المشتركة التي تتخذ من مقر قيادة القوات البحرية اليمنية في التواهي بمحافظة عدن، مقراً لها.
من هذا المنطلق، تعمل القوات الإماراتية والسعودية في عدن على إبقاء الجنوب مفككاً وخاضعاً لتشكيلات مسلحة غير نظامية لها انتماءات مناطقية وقبلية، لضمان استمرار حالة عدم الاستقرار المجتمعي، بحيث يبقى باب المندب والسواحل اليمنية والجزر تحت إشراف البحرية البريطانية.
لقد أصبحت المحافظات الجنوبية والشرقية اليوم تحت الاحتلال الأعرابي الغادر والجبان الذي استخدم عناوين خادعة كمزاعم الشرعية وغيرها كقناة عبور للتوغل في أرض الجنوب والسيطرة على ثرواتها وتدمير مقدراتها واضطهاد واستبداد أبناء الأرض.
وما بين رحيل القوات البريطانية عن جنوب اليمن عام 1967، ودخول القوات السعودية والإماراتية إليه خلال السنوات الثلاث الماضية، تتبدّل الوجوه فقط، ولم تتغير الأدوار، فالاحتلال قائم بأساليبه المباشرة وغير المباشرة، ينهب ثرواته ويشتت قواته ويضيّع إنجازاته، ويختلق بين مكوناته السياسية الفتن والخلافات، متبعاً سياسة الأرض الملغومة.
حيث يعيش الجنوب اليمني اليوم، استقلالاً غير منجزٍ في مفاهيمه الجغرافية والسياسية, وكل ما في الأمر، أن بريطانيا الدولة التي احتلت هذا الجزء اليمني سابقاً، تحولت إلى دولةٍ راعيةٍ للاحتلال، الذي أخذ طابعاً عربياً هذه المرة، إذ تدعم بريطانيا دول التحالف في حربها وتوسعها جنوباً وشمالاً، فيما تقضم الإمارات والمملكة السعودية، الجغرافيا اليمنية، لخدمة مصالحها ونفوذها، وتنفيذاً لأجنداتها الخاصة، بعيداً عن أي اعتباراتٍ أخرى.