الأخبار المحلية

في السويد… أين اختفى الجنوب؟

في السويد… أين اختفى الجنوب؟

الجديد برس : صلاح السقلدي

الحرب في اليمن مصيرها الى التوقف شأنها في ذلك شأن كل حروب التاريخ. فالاتفاق المبرم بالعاصمة السويدية يوم الخميس 13 ديسمبر الحالي بين الأطراف اليمنية المتصارعة على السلطة باليمن بإشراف الأمم المتحدة، ليس إلّا مؤشرا على بداية نهاية هذه الحرب، وبالتالي لا غرابة أن يتفق اليوم هؤلاء الخصوم على عِدة نقاط خلافية وتأسيس أرضية مشتركة لمفاوضات قادمة لوقف الحرب بشكل كامل والتوجه صوب تسوية سياسية شاملة.

 

لا حسم عسكري نهائي لهذه الأزمة برغم اختلال المعادلة العسكرية بين الطرفين لمصلحة الطرف المدعوم خليجياً، في حين أن «الجنوب» كان يشارك معصوب العينين بهذه الحرب كحاطب ليل. فهذا الأمر وهذه النتيجة اليوم كانت متوقعة منذ بداية هذه الحرب، على الأقل عند من ينظر الى الأمور ببصره وبصيرته ولا يخضها للعواطف والهرولة السياسية الصبيانية وحسابات بازار البيع والشراء وسذاجة منطق، «التجمّل ورد الجميل».

الجنوب خارج التفاهمات

أن يكون الجنوب خارج هذه التفاهمات وربما خارج التسوية السياسية النهائية برمتها، هذا ليس رجماً بالغيب بل يُقرأ من خلال النظر الى البداية لاستشفاف النهاية. فطبيعة مقدمات الأحداث تشير دوماً الى نتائجها. وقع حظ الجنوب العاثر وقضيته الوطنية، بيد قادة ورموز إمّا غارقة بالعاطفة السياسية، أو مهووسة بالكسب المادي الشخصي، وبالبحث عن المجد الشخصي بأي ثمن وعلى حساب أي شيء حتى لو كان وطن، والانسياق والتبعية المهينة خلف الآخرين مقابل سراب ووعود كلامية لم يطلقها «التحالف» بل هي من نسج مخيلة جنوبية ضحلة مسكونة بحُسن النوايا في زمن الخداع، وعصر المصالح.
من المؤلم أن يكون استبعاد الجنوب من مشاورات السويد بإصرار من الطرف الذي يفترض أن الجنوب يحارب معه بخندقٍ واحد، «التحالف السعودي الإماراتي»، وليس من الطرف الذي يقاتله الجنوب، وهذه مفارقة لم يشهد لها التاريخ المعاصر نظيراً من قبل، بأن يكون الحليف بالحرب خصما على الطاولة، ومع ذلك لا يمكن تحميل هذا الحليف «السعودية والإمارات»، هذا المصير المجهول الذي يهوي إليه الجنوب، فهذا الحليف من اليوم الأول للحرب كان واضحاً تجاه القضية الجنوبية وتجاه الوحدة اليمينة، فهو من كان وما زال يقولها على رؤوس الأشهاد أنه أعلن الحرب «عاصفة الحزم» لاستعادة السلطة «الشرعية»، ولمحاربة إيران، وأنه متمسك بوحدة اليمن كما هي، وقد أثبت ذلك قولاً وعملاً. كما ظل يؤكد أن أية تسوية يجب أن ترتكز على المرجعيات الثلاث، والتي كما نعلم قد أغفلت القضية الجنوبية عن عمد، وبالتالي فمن يتحمل هذا المآل هو الطرف الجنوبي لا غير، وبالذات القوى والشخصيات التي انخرطت بهذه الحرب دون أية ضمانات أو اتفاقات ولو من تحت الطاولة أو على صورة ضمانات شفهية، وهي أضعف الضمانات، كما ساقت هذه الشخصيات وهذه القوى شباب الجنوب الى محرقة حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وبالذات على الحدود السعودية وبالساحل الغربي كما مثلّتْ أساليب التبعية المفرطة، وتغييب الخطاب الجنوبي رغبة، بإرضاء حليف لا يأبه لشيء أسمه جنوب، ورهبة منه ومن قنابله العنقودية، تحت ذريعة سخيفة (مش وقته) والمشاركة بقصد أو دون قصد الى جعل الجنوب ساحة للتصفية الحسابات الاقليمية، وتمدد فكر التطرف الدينية الغارق بخضم الطائفية المذهبية المدمرة.

الفرصة سانحة؟

ومع ذلك لا تزال الفرصة سانحة أمام القوى الجنوبية التي تتبنى الانتصار للقضية الجنوبية وبالذات قوى «الحراك الجنوبي» و«المجلس الانتقالي الجنوبي» على وجه الخصوص، للضرب فوق الطاولة وتذكير «التحالف» بقضية اسمها «لقضية الجنوبية»، دفع من أجلها الجنوب وما زال الآلاف المؤلفة من أبنائه لنصرتها. كما ما زال بوسع هذه القوى الجنوبية أن تضغط بأوراقها القوية التي تمتلكها بوجه حلفاء مخادعون أنانيون كورقة إعادة المقاتل الجنوبي من خلف الحدود، والتلويح بتحالفات جنوبية مع أية قوى يمنية بمن فيها حركة «أنصار الله»، ومع دول إقليمية كإيران وقطر وروسيا وغيرها من الدول طالما وقد تخلى هذا الحلفاء عن شريك مهم -كالشريك الجنوبي- قدم لهم ما لم يكن يحلمون به بهذه الحرب وأخرجهم من كابوس التورط بالمستنقع اليمني، وحفظ ماء وجوههم من التمرغ بالوحل اليمني.
وحين نقول أن الفرصة الجنوبية ما تزال سانحة وأن ما زال للأمل فسحة لأن يتدارك بها الجنوبيون أخطاءهم ويتجاوزن بها وجع التنكر الخليجي ومكره، فلأن الجنوب ما يزال يمتلك من القوة ومن الأوراق السياسية والعسكرية والجماهيرية الضاغطة الكثير والكثير، التي تمكّنه من قلب الطاولة بوجه الجميع وتغير المعادلة السياسية كما غير ذات يوم المعادلة العسكرية على الأرض، ويجبِر هذه الأطراف بما فيها بالتأكيد الطرف الخليجي، على الانصات لصوته ولقضيته العادلة.
كما أن المشاورات التي توشك أن تختم جولتها الأولى بالسويد لم تتطرق الى ما كان متوقعاً، ونقصد بذلك نقطة الاتفاق على الإطار السياسي للأزمة اليمنية، مما يعني أن ثمة فرصة متاحة أمام الجنوب يجب أن تُستغل. فلو كان تم الاتفاق عليها، حتى بشكل مبدأي، لكان شكّل ذلك نقطة الطلاق البائن بين هذه الأطراف اليمنية والإقليمية، وبين الطرف الجنوبي. فهل يفلح العقل السياسي الجنوبي بالتقاط آخر الفرص التي تلوح أمامه بالوقت بدل الضائع؟ أم سيكون كالعادة خارج التغطية السياسية و«كرت سياسي» محشور بجيوب الآخرين الى جولة صراعات قادمة؟