الجديد برس
تقرير – ناصر سيف
تقلب السعودية في صفحات الماضي بحثاً عن تحالفات تبقي نفوذها في المنطقة ولو شكلياً وتكفيها شر إيران وتركيا، الدولتين الطامحتين لتولي شؤون الشرق الأوسط الكبير، ذلك الذي كشفت عنه وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندليزا رايس قبيل انطلاق ثورات الربيع العربي، لكن الرياض الغارقة في الصراعات الإقليمية حتى أخمص قدميها لم تجد حليفاً أو أخاً يمكن الوثوق به في ذروة ضعفها هذه، فقررت التوجه إلى أفريقيا بإعلان كيان “البحر الأحمر” الذي يضم دولاً بعضها بالكاد يستطيع الوقوف على نظامها المنخور بالصراعات والتبعية الاقليمية والدولية، غير أنه كما قيل قديماً لا حيلة للغريق إلا التشبث بقشة.
منتصف الشهر الجاري أعلنت الرياض إنشاء كيان “البحر الأحمر” باجتماع ضم وزراء خارجية بعض الدولة المطلة على هذا الممر الدولي الهام برئاسة الملك السعودي، هذا الكيان الذي ظل حبيس أدراج الرياض منذ العام الماضي، تقلص عدد المشاركين فيه هذه المرة مقارنة بالاجتماع السابق الذي احتضنته مصر، لتبقى الصومال والسودان واليمن وجيبوتي إضافة إلى مصر والأردن، بينما قاطعت إرتيريا وأثيوبيا، تلك الدولتان اللتان قادت الإمارات والسعودية وساطة لإنهاء صراع بينهما دام لعقود من الزمن وتستضيفان قواعد دول كبرى على أراضيهما.
توقيت إعلان الكيان وعدم مشاركة الإمارات ضمن فعاليات الاجتماع- وهي الحليف الوحيد المتبقي للرياض في محيطها الخليجي- يكشف بأن السعودية لم تعد تراهن على مجلس التعاون الذي بدا في آخر قمة له في الرياض كالميت سريرياً، وقد تحاشى قاداته الخوض في صراعات المنطقة المتعلقة بالأزمة الخليجية الناجمة عن حصار قطر، أو مشكلة الحدود النفطية بين السعودية والكويت، وأزمة قيادة الإمارات عملية انقلاب فاشلة في عمان، فالسعودية التي ظلت قابضة على العالمين العربي والإسلامي لعقود كمركز ديني وثقل نفطي لم تعد تحظى بالاحترام الدولي وقد أغرقت نفسها في صراعات مع المجتمعات التي كانت توفر الدفء والحماية لها، لكن وقد تعرت الرياض أمام العالم وزادها تنمُّرها ضعفاً في مواجهة من تصنفهم خصومها فلم يعد ثمة حيلة للرياض لحماية مملكتها المهددة بالانهيار من الداخل قبل الخارج سوى البحث عن تحالفات جديدة تتجاوز في مفهومها اللغة والهوية والدين، وذلك أن شمل إسرائيل العدو التاريخي للعرب والمسلمين لا يعني بالتأكيد الارتماء مجدداً في أحضان الغربي الذي لا يخفي نظرته إليها كبقرة حلوب.
لم يعد حضور السعودية في المحافل الدولية إلا عند الحديث عن الجرائم، وقد ارتبط اسم ولي عهدها بقضية مقتل خاشقجي ودماء الأبرياء في اليمن، ولم يعد بمقدور المملكة التي كشرت عن أنيابها في 2015- بشن حرب على اليمن ودعم جماعة الإرهاب في سوريا- مواصلة المعركة وقد خارت قواها وتمزق تحالفها، وباتت لقمة سائغة للابتزاز الدولي، ناهيك عن صعود خصومها في المنطقة على حسابها، وما دامت قد خسرت المعركة لصالح تركيا وإيران فلا سبيل لها للخروج من المستنقع سوى الارتماء في أحضان أعدائهما ولو على حساب المنطقة وشعوبها.
ترى السعودية كما تحدَّث منظروها في التحالف الجديد محاولة لوقف تمدد إيران وتركيا قرب حدودها، فإيران التي تهدد بإغلاق مضيق هرمز الممر الآخر للنفط الخليجي تمتلك قواعد على البحر الأحمر، لاسيما في إرتيريا، ولديها علاقات مع أكثر من دولة بعضها داخل الكيان السعودي الجديد، ومثلها تركيا التي تنافس السعودية على العالم السني، وقد وقعت اتفاقية لإنشاء قاعدة في السودان على البحر الأحمر وتمتلك أخرى كبيرة في الصومال، لكن الأخطر في التحالف السعودي الجديد يكمن في أن دول كالسعودية نفسها إضافة إلى مصر التي ترفض التمدد التركي وتتماهى مع إيران والأردن ترى في هذا الكيان فرصة بديلة لـ”الناتو” العربي الذي تضغط الولايات المتحدة لتشكيله، وتتحرج قادة هذا الدول من شعوبها التي ترفض التطبيع مع إسرائيل.
تنتشر القواعد الإسرائيلية بكثرة على البحر الأحمر، فتتواجد إحداها في إرتيريا وأخرى على سواحل أثيوبيا، وذلك كفيل بإبقاء البلدين ضمن التحالف أو على الأقل تحييدهما، كما أن الجيش الإسرائيلي يملك نقطة مراقبة لخطوط الملاحة والتحركات الدولية قرب باب المندب، وتتحدث مصادر عسكرية عن تقديمها دعماً لوجستياً واستخباراتياً حالياً للتحالف السعودي في اليمن.
تتعدد أهداف تشكيل كيان البحر الأحمر وتتسع رقعة منتسبيه جغرافياً، لكن ومثلما يمثل هروباً للسعودية من تحالفاتها العربية والإسلامية التي أثبتت فشلها، ويرفع الحرج عن القادة العرب على خطى التطبيع مع إسرائيل، يمثل للأخيرة خطوة هامة للوجود في المنطقة باعتراف رسمي عربي، وإن كان ذلك تحت يافطة مواجهة نفوذ إيران وتركيا في المنطقة التي تضخم إسرائيل إعلامياً من دورهما هناك.