الجديد برس : رأي
علي ناصر محمد
يصادف شهر يناير 2019 مرور 512 عاماً على الغزو البرتغالي لجزيرة سقطرى جزيرة الأحلام والأساطير ودم الأخوين والعنقاء، وقد زرتها لأول مرة كأول مسؤول حكومي في «جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية»، وأقتبس جزء مما كتبته في مذكراتي عن هذه الزيارة:
وصلنا جزيرة سقطرى…
هذه هي جزيرة الأحلام والتي يقال إنها موطن الطائر الخرافي العنقاء طائر الرخ الذي حمل السندباد بمخالبه وطاف به العديد من أقطار العالم، والتي شغلت الدوائر والإعلام الغربي طوال سنوات في حربهم الباردة مع الاتحاد السوفييتي زاعمين بأنها قاعدة لهم …
لا ميناء هنا، لا مطار، لا طرقات، لا كهرباء، لا ماء، لا مدارس، لا مستشفيات ولا وسيلة واحدة من وسائل الحياة العصرية…
فكيف تصبح قاعدة سوفيتية؟..
استقبلنا أهالي الجزيرة والمسؤولون فيها استقبالاً حافلاً وحاراً جداً..
هذه هي الزيارة الأولى لمسؤول كبير من عدن إلى جزيرتهم التي شغلت العالم وما تزال..
بعد الاستقبال ركبنا سيارة جيب «لاندروفر» بصحبة مأمور جزيرة سقطرى وعدد من المسؤولين متجهين إلى عاصمة سقطرى حديبو. انطلقت بنا السيارة في طريق صخري وتصاعدت أعمدة الغبار ثم اجتازت بنا طريقاً مستوياً حيث تنمو أنواع غريبة من الأشجار ذات الارتفاع المنخفض والأغصان الملتوية المجردة من الأوراق تقريباً. بلغنا مضيقاً جبلياً وهناك ودعنا مرافقينا وكان علينا الصعود بعد ذلك سيراً على الأقدام، في منحدر شديد. استغرق صعودنا نحو الساعة، حتى وصلنا إلى حيث تعمل مجموعة من عمال الطرق في شق الطريق الترابي الذي سيربط حديبو بموري لأول مرة، شاهدت العرق يتصبب من رفاق الطريق وثيابهم مبللة وهم يلهثون من العطش والتعب وبعضهم لم يقو على السير والصعود في مثل هذه الجبال والصخور، وكانت الشمس تظهر وتختفي في وسط السحاب الذي كان يغطي جبل حجهر الشامخ، بعد ذلك انتقلنا إلى ركوب السيارات التي كانت في استقبالنا مع عدد من المواطنين والمسؤولين من العسكريين والمدنيين، كان عدد السيارات في الجزيرة لا يتجاوز ثلاث سيارات ويعتمد المواطنون في تنقلاتهم على الجمال والحمير والزوارق. بقي أمامنا أكثر من نصف ساعة، قطعناها في تصدعات متقطعة تعلو وتنخفض، وهنا جلاميد صخرية كبيرة تغطي ساحل البحر المرتفع.
ها نحن الآن في حديبو عاصمة سقطرى، وهي في الحقيقة بلدة صغيرة تحتشد فيها البيوت ذات الطابق الواحد بنيت جدرانها من الطين، وفي أزقتها الضيقة لا نشاهد الناس تقريباً..
ومن هنا نبدأ رحلتنا في ماضي وحاضر سقطرى.
وجدنا الحياة البكر في قشرتها الأولى، بيوت قليلة متناثرة مبنية من الطين والحجر وسعف النخيل الذي ينتشر على مساحات واسعة ويمتد حتى شواطئ الجزيرة فتغسل مياه البحر جذوعها في عناق حميم.
هذه الجزيرة، سقطرى، احتلها البرتغاليون والبريطانيون لكنهم لم يتركوا فيها أي شيء يمكن للتاريخ أن يذكرهم به. غير أنني علمت أن كنائس قد بنيت هنا بالقرب من حديبو كما جاء في كتاب الضابط والكاتب البريطاني جاكوب “ملوك شبه الجزيرة”.
ومن الغريب أننا لم نجد في الجزيرة فُندقاً ولو صغيراً، أو حتى لوكاندة للمنام.. ولا دار ضيافة أيضاً .. فأخذونا إلى مركز للشرطة. افترشنا الأرض ونمنا على سطح مركز الشرطة، لكننا حرصنا أن نلتحف جيداً خوفاً من البعوض والملاريا المؤكدة التي تنتج عن لسعه، والتي تم القضاء عليها لاحقاً. وككل مكان في هذه الجزيرة لا يوجد ماء ولا كهرباء.
في الصباح، قمنا بزيارة الدوائر الحكومية والمدرسة الابتدائية والوحدة الصحية المؤسستين الوحيدتين بعد 129 عاماً من الاحتلال… حرصنا على التقاء المواطنين. كما التقيت سلطان المهره وسقطرى نفسه… وهذا السلطان هو عيسى بن أحمد سلطان سقطرى والمهرة وهو من سلالة القائد العربي محمد بن عامر بن طوعري بن عفرار الذي تصدى ومقاتلوه لأول محاولة استعمارية للجزيرة وقد أبلى بلاء ً حسناً حتى استشهد مع أكثر من 125 مقاتلاً الذين رفضوا الاستسلام والهدنه مع العدو، ولم يبق منهم إلا رجل أعمى بقي مختبئاً في أحد أركان القلعة، وعندما أمسكوا به قال لهم: إنني أرى شيئاً واحداً وهو الطريق المؤدي إلى الحرية.
ويعترف البرتغاليون أنها أسوأ تجربة في حروبهم الخارجية، بعد أن قُتِلَ عدد من جنودهم وضباطهم بالسيوف والرماح والحجارة في 13 يناير 1507م، وقد حولوا مسجد مدينة السوق إلى كنيسة وقلعتها إلى قلعة القديس ميخائيل، ولم تصمد قواتهم أمام الحصار والمقاطعة التي فرضها عليهم السكان، والوباء الذي فتك بالقوة في هذه الجزيرة. وقد حلت عليهم لعنة سقطرى كما حلت على الغزاة الفرنسيين والبريطانيين وغيرهم.