الجديد برس : رأي
صلاح الدكاك
يمكن الجزم بأن (اتفاقية ستوكهولم بشأن الحديدة) قد آتت أُكُلها على الطاولة الدولية بمستوى مقبول لدى فرقاء المجتمع الدولي الجدد، لجهة مخاوفهم ومصالحهم في البحر الأحمر، لكنها لم تطرح ـ بعد ـ ثمرة ناضجة وحيدة منظورة على مائدة الداخل اليمني لجهة انفراج ما يسمى بـ(ملف الأزمة الإنسانية الأسوأ)، وعودة تدفق رواتب القطاع العام وموظفي الدولة بصورة منتظمة، وكبح الإنهيار الاقتصادي وتدهور العملة، ووقف إطلاق النار؛ وأكثر من ذلك فإنه لا أنباء مؤكدة عن موعد الشروع الفعلي في تبادل الأسرى، وهو الملف المتفق عليه بجلاء وإجماع طرفي التشاورات.
قبل الاتفاقية الآنفة، كان الصراع يدور خارج أية قواعد اشتباك ملزمة دولياً، سوى ما التزمه جيشنا ولجاننا الشعبية من أخلاق حرب طواعيةً ونابعة من الذات لا خشية من مجتمع دولي ولا ملقاً فيه، بينما كان التحالف الأمريكي السعودي، يزاول حربه العدوانية متفلتاً من كل ربقة أو التزام أخلاقي من أي نوع وبتواطؤ دولي فاضح.
ثم بات الصراع عقب الاتفاقية محكوماً بقواعد اشتباك ملزمة للتحالف، حتى مع استمرار خروقاته العسكرية فعلياً على الأرض… بالنسبة لجيشنا ولجاننا فإنه لا طارئ على ما التزموه ذاتياً من قواعد تمليها الاتفاقية سوى أن الإدارة السياسية، للاشتباك في نطاق الحديدة، أضحت أشبه بقيادة ميدانية لمجرياته التي لم تعد دفاعاً ولا هجوماً، بل رصداً لتجاوزات الآخر بهدف إدانته أمام المجتمع الدولي، صاحب المصلحة من استمرار الاتفاقية والمراكمة عليها في جولات تشاورية قادمة، هي بمثابة مسرح اشتباك ناعم يتوخى الفرقاء الدوليون تحقيق اختراقات بلا دوي ولا أعراض جانبية سلبية، لجهة مخاوفهم من تداعيات اشتباك ميداني منفلت أصبح رهن السيطرة إلى حد ما بمخرجات «ستوكهولم».
مؤقتاً لم تعد الرياض وأبوظبي وجهة لصواريخنا الباليستية وطائراتنا المسيَّرة، غير أن الأولى لا تزال تعاني من حالة فقدان سيطرة حادة وعضال في عمق حدها الجنوبي، وإذ تلوح الأخرى بلا مآزق حادة، فإن عجزها عن تثبيت مكاسب مستدامة في الجغرافيا المحتلة يمثل مأزق المآزق الآيلة للإطاحة بكل مكسب حالي منظور، أو تتوخى تحقيقه مستقبلاً.
لتكسب المملكة جنوبها آمناً وتحت سيادتها، يتعين على الإمارات أن تخسر جنوب اليمن لجهة سيادتنا عليه كاستحقاق وطني يمني أصيل… ولكي يحدث ذلك فإن على أمريكا أن تدرك أن سلامة كيانَيها الوظيفيين الأبرز في الخليج مرهونة -في حدها الأدنى ـ بقسرهما على إتمام مقايضة كهذه، فقد فات أوان (قادمون يا صنعاء؛ قادمون يا حديدة)، واحتمالات سقوط جنوب المملكة في يد اليمن كحق سليب مستعاد، مساوية لحتمية تحرير جنوب اليمن من دنس الإمارات كطارئ محدث عليه، يحاول عبثاً التأصيل لوجوده النشاز عبر مناطحة قرون التاريخ بـ(كوبونات جنسية إماراتية)، تتناولها أحط المومسات بكعب الحذاء نظير ليلة في فراش أمير.
إن الخسارة المؤقتة لبعض الأرض بالنسبة لليمن ليست شيئاً مقابل الخسارة الدائمة التي تتهدد كل الوجود السعودي والإماراتي، وهذا هو الفيصل الجوهري في الاشتباك بين شعبنا وقوى العدوان.