المقالات

لقد حولتم الحوثيين إلى وحش… فالتهموكم

الجديد برس : رأي

منى صفوان

هذه الحرب المهلكة، لها جذور راسخة تعود إلى اول طلقة رصاص، أرادت مواجهة حركة دينية/ فكرية بالعنف، بالاعتقال،والقمع، وبالحرب في 2004.

لم ينجح الامر وقتها، وليس هنا الخبر السيء، بل ان تحويل حركة التاثير الناعم، إلى حركة عنف مسلحة، كان هو أسوأ ما حدث لليمن .

تحول الصراع من فكري، إلى مسلح، وهذا يشي اولا بنقاط الضعف لدى النظام السياسي، الذي عجز عن مواجهة جماعة دينية محصورة في صعده في أقصى الشمال، باستخدام نفس أسلوبها.

لقد كان حسين الحوثي ذكيا وهو يقرر السيطرة على العقول، وليس على المعسكرات او مخازن السلاح، انه ينشر أفكاره بهدوء، باستخدام تأثير القوى الناعمة، ينشرها عبر الأفكار التي توحد الجميع، وليس عبر الاختلاف، ويرفع شعار الموت لاعداء الامة وليس للخصوم التاريخيين، تحايل ذكي، ووعي مبكر بخطورة ماهو مقدم عليه، وهو ما سيكلفه حياته.

لقد شعر النظام السياسي -القلبي-الديني، بخطورة الأفكار التي يروج لها الحوثي بين الصبية، وبرغم بناء النظام لحائط صد في صعده، باستحداث مدرسة سلفية “معهد دماج السلفي ” اي فكر مناقض، بجوار حصن الزيدية، واستقدام طلاب من كل العالم للدراسة فيه، الا أن النظام ادرك ان خطته بلعتها الرمال.

نفذ صبر النظام وكانت الخطة ب هي الحرب، والحروب هي اسهل الخطط وافشلها، لان أفكار الحوثي كانت هي الأكثر تأثيرا في هذه المنطقة، منطقة الحصن الزيدي الشمالي على حدود السعودية الوهابية.

هذه الأفكار كانت تعني بلا شك مقاومة ناعمة وتأثيرها هو الاخطر، والأقدار، والاطول، وحين تحارب الفكرة بالسلاح،فإن الفكرة تنتصر.

أراد النظام العسكري /القبلي/ المتحالف مع المدرسة الوهابية أختصار الوقت، واعتقد انه من السهولة القضاء على جماعة دينية صغيرة معزولة، تهدد بقاء حكمه.

ومازال هذا الاعتقاد قائما حتى الان، أنها الذكرى السنوية ال 15 لعبارة انه يمكننا القضاء على جماعة الحوثيين الصغيرة .
هل الحوثيون اقوى…

الأمر لا يتعلق بقوة السلاح، والا كيف لا يمكن لامبراطوريات السلاح في المنطقة هزيمة جماعة تقليدية متواضعة التسليح.
الامر متعلق بالافكار، وبلا شك ان الهجوم على الجماعة الدينية واستخدام العنف ضدها، ومن ثم قتل قائدها بطريقة وحشية، قد سلط الضوء عليها وكسب الى صفها المزيد من المتعاطفين من أبناء القبائل مع السنوات، وأصبحت هذه القبائل الشمالية هي قوام الحركة المسلحة.

ومازالت محاربة الحوثيين، الذين يظهرون امام العالم كاقلية مضطهدة، لديهم مظالم، ويتم حشد أكبر قدر من التعاطف معهم.
خاصة ان إقصاء الهاشميين من حكم اليمن بعد ثورة 1962 التي أقامت حكما جمهموريا، راكم مع الوقت مظلمة جديدة في سجل الجمهورية، حيث لم يكن متعارفا بشكل ضمني، أن يترشح او يحكم رئيس هاشمي اليمن الجمهوري، وهذا بدوره اضعف تواجد الهاشميين في مفاصل ومراكز السلطة، لصالح قوى قبلية أخرى، حاربت الفكر الزيدي بادخال الفكر الوهابي لليمن في مطلع التسعينتيات.

وهنا يمكن اعتبار ان حركة حسين الحوثي كانت حركة فكرية ونواة مقاومة زيدية للفكر الوهابي.

لقد كانت حرب افكار، خذم فيها النظام السياسي القديم الحوثيين، وهكذا فعلت السعودية بعد ذلك، في 2015 بعد ان تيقنت ان حلفاء الداخل فشلوا بالقضاء على الحركة الدينية المناوئة، التي تهدد مكانتها ومذهبها الديني.

فتدخلت بشكل مباشر، مما ابرزها بمظهر المعتدي على اليمن، وجعل الحوثيين يتصدون ويتصدرون المشهد، بصفتهم المدافعين عن اليمن، ومعهم قبائل الشمال، التي سجلت سابقة في تخليها عن حليفها القبلي /السياسي علي عبد الله صالح قبل عام، حين فض شراكته مع الحوثيين، وكانت انتفاضته تعني الوقوف في صف تحالف السعودية،وهو ما رفضته القبائل،لانه أصبح بينها وبين السعودية دم وثار.

أصبح الحوثي بذلك منفردا كرأس حربة في محاربة ومقارعة الظلم و الاعتداء والوحشية السعودية، وهذا خدم قضيتهم اكثر.
لقد أظهرت السعودية اجراما ووحشية في حرب اليمن، وذكرت اليمنيين باحقاد الماضي الدفين، وتامرها على اليمن، وجعل حتى الرافضين لتواجد الحوثيين، يقفون معهم باعتبارهم حائط الصد الأخير امام العدوان السعودي.

مما لا شك فيه، ان الحوثيين الان أقوى بعشرات المرات مما كانوا عليه في صعده، بل مما كانوا عليه قبل اندلاع هذه الحرب.
لقد حولوا التهديد إلى فرصة، وخاضوا اكبر الحروب في المنطقة، وحققوا احقية عسكرية، واصبحوا رقما صعبا، بل وقوة لها تحالفات إقليمية، احداها ايران “الحديث عن علاقتهم بإيران وكيفية هذه العلاقة سيحتاج لمقال منفصل لاحقا”.

ولاول مرة يتم الاعتراف بهم دوليا كسلطة موازية، وليس كمكون سياسي ضمن المكونات السياسية.

لقد أصبحوا ند لند.. امام الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا، لقد خدمتهم الحرب، بشكل لا يمكن تصوره، ولم يكن متوقعا .
لقد تحولت الحركة الناعمة التي كانت تهدف للتأثير على العقول، وللغزو الثقافي، إلى حركة صلبة، مجهزة عسكريا، بخطط وخبرة واليات وتصنيع حربي، وطموح عسكري وسياسي.

لم يكن حسين الحوثي ربما يتوقع في أوائل التسعينيات وهو يجمع الفتية في صعده حوله، ينظر لهذه الحركة كسلطة عسكرية، يمكنها مواجهة اكبر جيوش المنطقة، ربما كان يطمح فقط بنشر الأفكار وليس نشر السلاح.

وبعيدا عن الدخول في تفاصيل هذه الأفكار ومدى واقعيتها وملائمتها لطبيعة العصر، وتشكيل الدول وحتى اسسها الدينية والفكرية، فإن حسين الحوثي هو نفسه الذي حمل السلاح بعد ذلك وتوجه مع تلاميذه الذين أصبحوا مقاتلين، لجبال صعده، للدفاع عن انفسهم.

لكن الحركة المسلحة التي حملت السلاح لتدافع عن نفسها، واحتمت بالجبال، لم تنزل منها الا وهي تحمل “جثة القائد ” لتكون هذه لحظة فارقة في تاريخ تحول وتطور الجماعة.

لقد تحولت إلى وحش، لقد نزل شباب الحوثيين من الجبال، مكسوري الخاطر، ومحملين بنار الغضب.

ويمكن القول ان حركتهم الفتية تحولت من مدافع إلى مهاجم، وردت الاعتداء عليها، باعتداءات مماثلة.
لقد حول النظام السياسي القمعي.. الحوثيين إلى وحش.. فالتهموه..

نقلا عن رأي اليوم