لتخفيف معاناة الشعب أم لمضاعفتها؟ … أكثـر من 150 مولداً كهربائياً خاصاً في العاصمة دون رقابة
الجديد برس
تقرير: غازي المفلحي
إن ليل الحرب والعدوان الطويل والمأساوي المليء بالخسارات على الشعب اليمني مَثلَ نهاراً مثمراً لحفنة من التجار الانتهازيين الذين ضربوا أسوأ مثال عن التجارة والتجار في تاريخ اليمن. وقائمة الذين استثمروا ويستثمرون معاناة اليمن تطول من تجار وممن تحولوا إلى تجار، صرافين، تجار غاز ووقود، تجار مواد غذائية وأساسية، وغيرهم كثير، وعدد كبير من شركات بيع الطاقة (الكهرباء) الخاصة، أحد الذين انتهزوا ظلمة الوضع الراهن فجنوا ثروات كبرى -غير مشروعة- من خلال تقديم سلعتهم بثمن مرتفع يتجاوز كثيراً تكاليف الإنتاج وقوانين الربح.
تجاوزات المحطات الخاصة
في العاصمة صنعاء اليوم أكثر من 150 مولداً ومحطة خاصة لتوليد الكهرباء، حسب تأكيد وزارة الكهرباء والطاقة، تقوم ببيع خدمة الكهرباء في السوق المحلية لتلبية الاحتياجات العامة والخاصة والتجارية، للشركات والمستشفيات والمؤسسات والمحلات التجارية والمطاعم والمنازل وحتى لبعض المؤسسات الحكومية. وقد جاءت هذه المولدات الخاصة كبديل عن الكهرباء الحكومية التي كانت تغذي العاصمة وعموم محافظات الجمهورية بالطاقة من (محطة مأرب الغازية) التي انقطعت خدمتها عن العاصمة، وبقية المحافظات التي تقع تحت سلطة المجلس السياسي، بفعل العدوان، وقد ساعدت هذه المحطات الخاصة كثيراً في تسيير عجلة الحياة العامة التي كانت تعاني بشدة من شحة مصادر الطاقة. وبسبب خلو الساحة من غير هذه المحطات، واضطرار الغالبية الكبيرة لطلب خدمتها، خاصة في القطاع التجاري، وأيضاً كثرة الطلب عليها للاستهلاك المنزلي نتيجة ارتفاع تكاليف منظومات الطاقة الشمسية نتيجة انهيار قيمة الريال اليمني وقصر عمر هذه المنظومات الافتراضي ومحدودية خدمتها، أتيح لهذه المحطات أن تستغل حاجة الناس وإقبالهم عليها لتبيع الخدمة بأسعار باهظة وصلت إلى 350 ريالاً للكيلووات الواحد، و2500 ريال اشتراكاً شهرياً، متعللة بارتفاع أسعار الوقود، ولكن الكيلووات كهرباء ورسوم الاشتراك تشهد صعوداً طردياً مع ارتفاع أسعار الوقود والعملات الأجنبية، دون أن يقابله هبوط طردي مفترض عند هبوط أسعار الوقود، إلا بالشيء اليسير الذي لا يساوي حجم الارتفاع السابق ولا حجم الانخفاض في الوقود والعملات، كما هو الحال في بقية السلع الأخرى. وقد تأخر تدخل وزارة الكهرباء والطاقة لتنظيم هذا القطاع التجاري منذ ظهوره قبل نحو 3 أعوام، حتى بدا ألا رقابة على هذه المحطات والمولدات التي يقول المواطنون إنها تبتز الناس ببيع خدماتها بهذه الأسعار المرتفعة التي لا يجد الكثير ممن يحتاجون الكهرباء حلاً إلا قبولها. ووصف أحد المواطنين الوضع مع هذه المحطات بأنها (تعطيك الإنارة وتكسر ظهرك بالفواتير). ويتهمها البعض بجمع ثروات غير مشروعة، وهذا ما أكده بعض العاملين في تلك المحطات طلبوا عدم ذكر أسمائهم، حيث قالوا إن الاشتراكات فقط، وبدون سعر الكيلووات، تصل في بعض المناطق إلى 650 ريالاً أسبوعياً، وتُحصل من المواطنين لتشكل ثروة كبيرة بحد ذاتها متجاوزة تغطية تكاليف التشغيل بمراحل، وأن الأموال الطائلة التي تجمع تكون كبيرة كفاية ليتم ترحيلها واستثمارها خارج اليمن، في مصر وتركيا وغيرهما، كما اشتكى مواطنون من مشاكل فنية يجدونها في عدادات الكهرباء، التي تستخدمها هذه الشركات، حيث زادت حالات الاحتساب الخاطئة للتكلفة المستهلكة نتيجة رداءة هذه العدادات أو سوء استخدامها وتركيبها، وعدم وجود معاينة ومعايرة لهذه العدادات تجعل استخدامها مناسباً وملائماً للمولدات ونوعية وشدة التيار المستخدم وظروف الجو برداً وحراً التي تؤثر في على قراءة هذه العدادات التي يعمل أكثرها بتقنيات حساب حرارية، وهذا ما يؤدي إلى احتساب استهلاك غير حقيقي يضيف مبالغ مالية تضاعف معاناة المستهلكين.
موقف وزارة الكهرباء
طرحنا هذه الإشكاليات على وزارة الكهرباء وكان لـ(لا) حديث مع وزير الكهرباء المهندس لطف الجرموزي، الذي قال إن الوزارة تعمل كل ما بوسعها من أجل معالجة الاختلالات والتجاوزات في عمل المحطات الخاصة، من أجل ضمان بقاء ووصول خدمة الكهرباء التجارية المؤقتة إلى المواطنين بشكل سليم يخفف معاناة الناس من مشكلة انقطاع الكهرباء الحكومية. وقال الجرموزي إنه وبسبب الانتشار الكبير والعشوائي لهذه المحطات فإن آلية ضبط وتنظيم عملها يستلزم بعض الوقت، ويتطلب جهوداً مشتركة من الجهات الرسمية وعلى رأسها وزارة الكهرباء والطاقة وكذلك المواطن. وأكد الوزير أن الوزارة اتخذت جملة من المعالجات لتنظيم عمل هذه المحطات وهي مستمرة وفي تقدم، وبدأت يوم أمس السبت حملة لضبط المحطات المخالفة للتسعيرة الجديدة، وهي 266 ريالاً للكيلووات الواحد، بعد إلغاء القرار السابق الذي حدد سعر الكيلووات بـ250 ريالاً، والاشتراك الشهري 1000 ريال بعد إعادة دراسته والنظر فيه. وقد أقرت الوزارة السعر الجديد بعد الاتفاق مع نقابة ملاك هذه المحطات، مع مراعاة تغيير هذه التسعيرة حتى بشكل أسبوعي تماشياً مع أسعار الوقود التي تشهد انخفاضاً حالياً، وسيتم تسعير الاشتراكات وفقاً لساعات التزويد بالطاقة وعدد المشتركين، فبعض المولدات تقدم الخدمة على مدار الساعة وهذا من المنطقي أن يكون الاشتراك فيه أكثر من الذي يقدم الخدمة لمدة 18 ساعة أو 16 ساعة.
كل ذلك من أجل وضع معادلة مناسبة وعادلة لكل من المواطن وملاك محطات الكهرباء، وقد تم صياغة لائحة رسمية تنظيمية خاصة بعمل المولدات أهم ما فيها تحديد سعر الكيلووات بـ266 ريالاً ومراقبة الالتزام بهذه التسعيرة وخفضها تماشياً مع أسعار المشتقات، وكذلك إلزام المحطات غير المرخصة باستخراج تراخيص وإعطاء امتيازات للمرخصين منهم، وبالنسبة لنوعية العدادات فسيتم فحصها واختبارها لمعرفة مدى كفاءتها وسلامة قراءتها ليتم اعتمادها أو تغييرها، وسيتم دفع رسوم لوزارة المالية مقابل استخدام الأعمدة الكهربائية العامة لمد وتوصيل كابلات المحطات الخاصة، كما أن أي إنارة موجودة اليوم في بعض الشوارع هي من هذه المحطات، ويجري العمل لتكون لها مساهمة أكبر في إنارة الشوارع والأحياء.
وبالنسبة للتجاوزات، دعا الوزير المواطنين إلى مساعدة الوزارة والجهات المعنية بالإبلاغ عن أي مولدات أو محطات لا تلتزم بالتسعيرة الجديدة المقرة، من خلال وزارة الكهرباء أو أقسام الشرطة التي تلقت تعميماً باستقبال شكاوى مخالفات الكهرباء، لأنه سيكون من الصعب على الوزارة معرفة كل المخالفين دون بلاغ من المواطنين، بسبب الانتشار الكبير والعشوائي للمولدات. (جملة من التحسينات والضبط تسيطر على عمل محطات الكهرباء الخاصة). هذا ما وعدت به وزارة الكهرباء، على لسان وزيرها المهندس لطف الجرموزي، وهذا ما يأمل المواطنون تطبيقه ولمس أثره.
الحرب ومستقبل الكهرباء
بالنسبة لمستقبل الكهرباء في العاصمة وعموم محافظات الجمهورية التي تقع تحت سلطة المجلس السياسي قال الوزير الجرموزي إن المحطات الخاصة هي مؤقتة فقط، ومحطة مأرب الغازية قد تعود، ولكن هذا لا يزال بعيداً ويرتبط بالأمور السياسية، والعمل يجري حالياً لتنظيم وضبط عمل هذه المحطات الخاصة، حيث إن عملها لا يزال عشوائياً، من أجل ضمان تخفيف معاناة الشعب لا أن تزيدها، كما أن هناك خططاً لتشغيل المحطات الحكومية الموجودة في صنعاء، مثل محطة حزيز ومحطة صنعاء ومحطة ذهبان، التي سيكون سعر الكيلووات منها أقل من سعر المحطات الخاصة، بمعدل 220 ريالاً للكيلووات الواحد وبدون اشتراك شهري.
وحالياً لا يعمل من المحطات الحكومية سوى مولد واحد من محطة حزيز بطاقة توليدية 8 ميجاوات في اليوم لمدة 10 ساعات بسعر 220 ريالاً للكيلووات، والمحطة تتكون من 3 أجزاء وعدة مولدات بقدرة توليد تصل إلى 90 ميجاوات، لكنها الآن لا تولد سوى 8 ميجاوات، لأن بقية المولدات متوقفة بسبب نقص الوقود خاصة مادة المازوت، ويجري العمل لتشغيلها جميعها حسب الوزير الجرموزي، بالإضافة إلى محطتي صنعاء وذهبان، لتشاركا في تغطية احتياج العاصمة المتوسعة بشكل كبير من الكهرباء والتي لا تغطي 150 مولداً سوى جزء صغير من احتياجها الإجمالي.
نقلا عن صحيفة لا