الجديد برس
تقرير : عبدالجبار الحاج
في الذرائع الأمريكية في كل مرة والتي لم تتوقف لحظة عن التدخلات اتخذت من الديمقراطية عنوانا للذرائع.
ربما الكثير منا لا يعرف أن فنزويلا لا ينقصها الانتخابات، فقد شهدت خلال هذين العقدين 25 عملية انتخابية، أكثرها انتخابات مبكرة، كانت تلبية لما تتبناه معارضة أمريكا في فنزويلا، وكانت قيادة فنزويلا تستجيب. وفي هذه العمليات جرت العديد من الاستفتاءات على دستور أو مواد دستور نوقشت على الطاولة بين قيادة البلد ومعارضتها. وشاركت فيه تلك المعارضات التي تخرج من كل عملية انتخابية دورية واعتيادية أو عملية استفتاء مكررة أسطوانة الانتخاب.
لا يمكن لأي متابع لما يجري في فنزويلا بدقة واهتمام إلا أن يخرج بنتيجة مكررة بأكثر من عدد نتائج العمليات الانتخابية الـ25 ونتائجها التي كررت خسارة المعارضة الخارجية، إلا أن أمريكا هي التي تصنع تلك الدمى الانقلابية التي كررت الفشل 5 مرات خلال الأشهر الأخيرة، وآخرها حين أفشل الجيش وقبض على أحد كبار الضباط القادمين من أمريكا مكلفاً بتنفيذ انقلاب عسكري يوم الجمعة الموافق 8/2/2019.
هذا عن الأنباء المزورة في الحديث الامبريالي المتباكي على الإنسانية والانتخابات والديمقراطية في فنزويلا…
فماذا عن زيف المساعدات الغذائية والدوائية التي لا تحتاجها فنزويلا وسكانها وفق شهادات من منظمات دولية، منها شهادة منظمة الغذاء العالمي التابعة للأمم المتحدة وتقاريرها التي تضع فنزويلا في مصاف الدول التي توفر الغذاء الكامل للسكان الفقراء ونسبتهم من 60% إلى 70% وكل تقاريرها السنوية تضع فنزويلا في طليعة قائمة الدول القليلة التي لديها شبكات تغذية، فضلاً عن أن فنزويلا تنفذ نظاماً متكاملاً في مجال الصحة والتعليم والسكن والعمل والاستجمام لأغلبية السكان ما دون الطبقات الوسطى؟!
فعن أي مساعدات يتحدث الامبرياليون الأمريكان وأدواتهم في بلد يؤمن مجاناً لسكانه حقوقهم في العيش الكريم تنفيذاً لمبادئ العدالة الاجتماعية التي تفتقد إليها مجموع دول الغرب الرأسمالي وأمريكا أولها؟!
إنها مساعدات من النوع الفائض عن حاجة الشعب الفنزويلي، فهي ليست إلا مساعدات بقدر ما يحتاج الانقلاب الفاشل إلى محاولـــة التدعيـــم والدخول عبر حدود (سعوديــــــة أمريكــــا اللاتينية) كما أفضل تسميتها: كولومبيا، التي تحتضن فنزويلا نحو 6 ملايين لاجئ ومهاجر وهارب منها وينعمون في فنزويلا بكل ما ينعم به المواطن الفنزويلي في الصحة والتعليم والسكن والغذاء والاستجمام التي تكفلها وتوفرها الدولة الفنزويلية وثورتها البوليفارية.
شعب فنزويلا يرفض المساعدات ويقول: لا جياع بيننا ولسنا متسولين.
حري بإدارة البيت الأبيض أن تقدم ما أمكن من مساعدات غذائية لـ50 مليون جائع أمريكي يأكلون من القمامة بدلاً من أن تتشدق بها على حدود كولومبيا التي هي الأخرى تلقي بـ5 ملايين و800 ألف كولومبي وكولومبية في كنف ورعاية فنزويلا.
في فنزويلا 6 ملايين أسرة، أي أكثر من 60? من السكان، أي نحو 17 مليون نسمة ممن يتلقون الغذاء بـ24 نوعاً من المواد الغذائية من الدولة كل 20 يوماً على الأقل، وكل شهر بالأكثر، كواحدة من خدمات والتزامات الدولة المجانية تجاه مواطنيها.
من هنا ترفض القيادة الفنزويلية المساعدات، لعدم الحاجة لها أولاً، ولتقول للعالم: لا يوجد في فنزويلا متسولون، بينما في أمريكا ملايين الجياع.
باسم الديمقراطية وإنقاذ الديمقراطية بالانتخابات ظلت فنزويلا مسرحاً للتدخلات والانقلابات منذ أول انقلاب نفذته أمريكا في فنزويلا عام 1908 مع ظهور ثروات مبشرة في بطن أرضها السابحة فوق مخزون من النفط والذهب والماء وعلى السطح غنية بالأنهار والتربة الخصبة.
منذ العام 1908 اجتاحت الشركات حقول النفط وضخت ما تشاء وكما تشاء وقدر ما تستيطع سفنها أن تحمل.
على سطح أرضها وسفوحها ووديانها سادت وتسيدت الماكينات والآلات الزراعية الضخمة واستفردت بمياهها وأنهارها شركة الفواكه الأمريكية التي اجتاحت واستولت على أخصب الأراضي الزراعية في كل أمريكا اللاتينية ومنها فنزويلا كونها جهة وجزءاً من الحديقة الخلفية التي رسمتها مبادئ مونرو المتسترة تحت عناوين ظاهرها حماية مجال الأمن القومي الأمريكي الذي أطلق منذ القرن الـ19 وراح يزحف على الأرض والسكان ملتهما الإنتاج، سافكاً دماء السكان ومبيداً لهم.
فقدت فنزويلا استقلالها النسبي الذي تحقق بقيادة سيمون بوليفار في الثلث الأول من القرن الـ19. وإذا كانت فنزويلا قد تحررت سياسياً ولو نسبياً على الأقل من حكم الاستعمار والاستيطان الأوروبي وسلطته المباشرة القادمة أوروبا، فإنها سقطت مجدداً ومطلقاً وعادت مجدداً من المستعمر الأوروبي إلى الحظيـــــرة الأمريكيــة وإلى الحظيرة الخلفية للإمبرياليـــــــــــــة العالمية.
مرت فنزويلا بمحطات تاريخية عديدة ومختلفة يمكن تقسيمها وفق تقسيم مراحلها كما كتبها التاريخ الفنزويلي الحديث ومنه المعاصر الذي بدأ على طريق التحرر نضالاً واتخذ أشكال الكفاح المسلح باتجاه مزدوج أو ثنائي الاستراتيجية، فهو ضد السيطرة والاحتكارات الأمريكية وشركاتها الكبرى من جهة، وضد الحكومات المتتابعة التي اتبعت سياسات لم تقوَ على رفض النهب الاحتكاري الامبريالي، ولم تخلُ سياساتها من التعاطي مع المشيئة والأطماع والنهج النهبوي السافر من قبل الشركات، وتنفيذ الإملاء الحرفي للقرارات الأمريكية في هذا البلد كما بلدان أمريكا بعيداً عن الرفض.
على نحو طويل من الصراع احتدم الصراع معقداً، واتخذ وجوهاً متداخلة، ففي حين أنه في الغالب اتخذ طابعاً موجهاً ومعادياً لهيمنة أمريكا وشركاتها، ومصوباً ضد سياسة الحكام المرتهنة، لم يخلُ الصراع من فرز سياسي حاد بين قوى اليسار نفسها، فتلك النخب اليسارية التي اتخذت من برامج الاشتراكية الديمقراطية المتآخية مع الرأسمالية بتداولاتها المتناوبة للسلطة عبر انتخابات وبرامج لا تمس البنية الرأسمالية واقتصادياتها الرأسمالية النهج والبنية والاتجاه..
وبرزت أشكال عنيفة لنضال الحركة الثورية المسلحة منذ العام 1958م، وهي المرحلة الممتدة حتى التسعينيات، وهي مرحلة يتفق في فنزويلا على تسميتها بالثورة الثالثة. هذه المرحلة وتلك التي قبلها وبعدها مروراً بمرحلة شافيز اعتباراً من العام 1989، هي مرحلة حافلة بالصراع العلني والمؤامرات والانقلابات الفاشلة، وحتى رحيل شافيز ومجيء مادورو ليستكمل من جهة ثورة شافيز، ويبدأ وفقاً لخطة فنزويلية هي مرحلة أطلق عليها الثورة الرابعة. لتبدأ مرحلة الثورة الخامسة متزامنة مع مجيء الزعيم مادورو، وفي مخططها تعميق وتوسيع أهداف الثورة البوليفارية بنهج تراه السياسة الأمريكية بأنه سيقلص كثيراً من مساحة المصالح الأمريكية التي ظلت في مجالات اقتصادية عدة ما برحت فيها أمريكا مؤثرة وحاضرة.
وكمرحلة قادمة وجديدة في السياسة الاقتصادية مع قيادة مادورو، خشيت أمريكا من مفاعيل الثورة الخامسة المقلصة لمصالح الشركات الأمريكية، فذهبت السياسة الأمريكية حد التطرف والجنون بعيداً نحو تحضيرات ضربة عسكرية مباشرة بهدف وحيد هو تدمير المنجزات الاجتماعية الاقتصادية، وتعطيل مسيرة لتحولات الثورة البوليفارية القادمة..
من هنا تأتي الهجمة والخيارات الأمريكية العسكرية المتطرفة عن طريق التحضير للتدخل العسكري المباشر أو عبر استخدام أدواتها في الجوار الفنزويلي…
فماذا عن المساعدات التي تريد أمريكا عبرها تنفيذ وتمرير أدوات ووسائل تدعيم مسارها الانقلابي السافر والمكشوف والوقح..؟
بمناسبة الاستهلاك الإعلامي الأمريكي وحديث المساعدات الإنسانية التي رفضها الرئيس مادورو باعتبارها شكلاً من أشكال التدخل، فإننا هنا نترك الرد للرئيس مادورو الذي يقول:
(إن كل ما يصفونه بالمساعدات الإنسانية هو عبارة عن مسرحية سياسية..
لا تساعد الامبريالية أحداً في العالم.. لا أحد على الإطلاق. اذكر لي مكاناً واحداً في العالم أرسلوا مساعداتهم الإنسانية إليه.. كل ما أرسلوه هو القنابل التي دمرت أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا، كل هذه مسرحية لا أكثر، ولن تكون فنزويلا بلداً تابعاً وفقيراً. توجد لدينا إمكانية لإنتاج ما نحتاجه واستيراد ما نحتاجه.. هذه الفرصة متوفرة دائماً لدينا.
سأضرب لكم مثالاً؛ يوجد لدينا برنامج اللجان المحلية للإمدادات والإنتاج الذي يشمل الآن 6 ملايين أسرة، ويقدم لكل منها 24 مادة غذائية كل 20 يوماً على الأقل، ويدور الحديث هنا عن جميع منتجاتنا المحلية والمستوردة، وهذا البرنامج أيضاً يشمل 6 ملايين أسرة، فهي آلاف من الأطنان إذن.. هذه هي المساعدة الإنسانية الحقيقية. وسنواصل تقديمها، بالإضافة إلى الرعاية الصحية وفرص العمل لشعبنا كما يحدث اليوم.
كل الأمور الأخرى هي مسرحية رخيصة لتبرير التدخل في شؤوننا).
شعب فنزويلا يرفض المساعدات، ويقول لا جياع لدينا، ولسنا متسولين.
في فنزويلا 6 ملايين أسرة، أي ما يوازي أكثر من 60? من السكان، أي نحو 17 مليون نسمة، ممن يتلقون الغذاء بـ24 نوعاً من المواد الغذائية من الدولة، كل 20 يوماً على الأقل، وكل شهر بالأكثر، كواحدة من خدمات والتزامات الدولة المجانية تجاه مواطنيها.
ومن هنا ترفض القيادة الفنزويلية المساعدات لعدم الحاجة إليها أولاً.
ونواصل الاستشهاد بحديث للرئيس مادورو نقتطفه من مقابلة لمحطة تلفزيون إسبانية أعادت بثها وترجمتها قناة (آر تي) الروسية، الأربعاء الماضي، إذ يقول مادورو:
(لو غادر فنزويلا 3 أو 5 ملايين لخلفوا وراءهم مدن الأشباح، لكن عدد المواطنين في بلادنا ليس 30 مليون نسمة وحسب، فعلى العكس نستضيف في فنزويلا المهاجرين، ويجب عليكم أن تعرفوا أنه يعيش نحو 5 ملايين و800 ألف كولومبي في بلادنا. أينما توجهت في فنزويلا ستلتقي كولمبياً أو كولومبية، ويعيش أيضاً في بلادنا أكثر من 300 ألف إكوادوري، وأكثر من 300 ألف بيروفي، ونحو مليون عربي، و300 ألف برتغالي، و300 ألف إسباني.
وهذا ما لا يعرفه الكثير، إذ تستضيف فنزويلا الكثير مقارنة بباقي دول أمريكا اللاتينية والكاريبي.
الآن يعيش لدينا عدد كبير من المهاجرين الذين نقدم لهم مساعدات لأسباب اقتصادية).
وأضاف قائلاً: (وضعت خطة تحت عنوان العودة إلى الوطن، وعاد الآلاف من الفنزويليين إلى الوطن).
لقد نظمنا جسوراً جوية مع كولومبيا والإكوادور والبيرو والأرجنتين، وبفضل ذلك عاد 12000 فنزويلي إلى الوطن.
هناك 50 ألف فنزويلي من الراغبين في العودة إلى أرض الوطن، سجلوا أسماءهم في سفارات فنزويلا في تشيلي والإكوادور والأرجنتين والبيرو.
وكان العديد من الفنزويليين قد هاجروا بحثاً عن حياة أفضل، ولكنهم لم يحصلوا على شيء سوى الكراهية والظلم والاستغلال).
يتبع