الجديد برس : رأي
د . احمد عبدالله الصعدي
كتب كارل ماركس موضوعات كثيرة فضح فيها جشع ونفاق وهمجية وقسوة الإستعمار البريطاني في الصين والهند وإيران ومناطق أخرى خضعت للإمبراطورية التي لم تكن تغرب عنها الشمس . في مقالِِ عنوانه ُ((النتائج المقبلة للحكم البريطاني في الهند)) ، (يوليو 1853) كتبَ ماركس مايلي: ((إنَ النفاق العميق والهمجية الملازمة للحضارة البرجوازية يظهران أمام عيوننا بكل عُريهما حين نشاهد هذه الحضارة لا في بلداننا، حيث ترتدي أشكالاً محترمة ، بل في المستعمرات حيث تبرز بدون أيّ أردية وأغطية … أولم تلجأ البرجوازية في الهند ، ياترى ، – حسبما قالَ اللورد كلايف نفسه ُ، هذا الضاري الكبير – ، إلى الإبتزاز بلا شفقة ولا رحمة حيثُ لا تكفيها الرشوة العادية لأجل بلوغ أهدافها في النهب والسلب ؟ وعندما كانت تثرثر في أوروبا عن دَين الدولة وقدساته الثابتة ، أولم تصادر في الوقت نفسهِ في الهند ، يا ترى ، أرباح الأمراء الهنود الذين وظفوا مدخراتهم الشخصية في الأوراق المالية للشركة ذاتها ؟ وعندما كانت تحارب الثورة الفرنسية بذريعة الدفاع عن ((ديننا المقدس)) ، ألم تمنع ، ياترى ، نشر المسيحية في الهند ، أولم تجعل من القتل والدعارة في معبد جاغر ناووت حرفة بُغية جني الأرباح من حج الحجاج إلى معابد اوريسا و البنغال ؟ إليكم أي قومٌ هم هؤلاء حماة ((الملكية والنظام والعائلة والدِين )) ! )) (ترجمة إلياس شاهين) . لقد عَرى ماركس الإزدواجية المشينة في سلوك المستعمرين البريطانيين حيثما حلّوا ،وحروبهم المتوحشة لحماية الإتجار بالعبيد والأفيون ،ولاحظَ في مقالِِ بعنوان (تجارة الأفيون) (أغسطس 1858) مقارنا بين أخلاق الانسان الصيني الموصوم بالهجمية وأخلاق المستعمر مدعي الرقي والتحضر ،أنه ((وبينما كان الرجل نصف الهجمي يتمسك بمبادئ الأخلاق ،كان المتحضرون يعارضونه بمبدأ الاثراء)) .فلا تأخذنا الغرابة إذا ، من السلوك الحرباوي للسيد غريفث أو الدبلوماسية الهمجية التي تبرر للسيد جيريمي هينت وزير الخارجية البريطاني الحماس الصريح لحصار اليمنيين وتجويعهم وإعادة إحتلال أرضهم مرتدياً أقنعة وقفازات أعرابية .
يتحدث الساسه البريطانيون للرأي العام في بلدهم عن جهودهم الحثيثه لإحلال السلام في اليمن ،ويعلنون عن تقديم تبرعات للإغاثة الانسانية ، ويسعون لتلميع أنفسهم، وإدعاء تحقيق نجاح دبلوماسي في ستوكهولم لم تعرِفه الأمم المتحدة منذ عشرين عاماً حسب تعبير الوزير البريطاني الأستاذ في النفاق والخِداع .
يحن البريطانيون المعاصرون إلى ((مجد)) أبآئهم الإستعماري ، ولم يقروا حتى الان بحق الشعوب في الإستقلال والحرية ، وليس غريباً أن السفارة البريطانية في اليمن لم تكن تعتبر يوم الثلاثين من نوفمبر عطلة رسمية ، ولم تحترم الشعور الوطني والقومي لليمنيين . سيبقى أحفاد الغزاة أوفياء لنهج أسلافهم ، يبدون الوجه الحضاري لشعوبهم والوجه القبيح لشعوب العالم ،لاسيما في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية . لهذا ذهبَ جيريمي هنت إلى ميناء عدن ليشتمَ رائحة أقدام أسلافه الذين خرجوا مدحورين منكسي الرؤوس والرايات في 30 نوفمبر 1967.
ذكر بويد مشيفر في كتابه (القومية . عرض وتحليل) ، المترجم إلى العربية أن أحد سفراء البندقية الأذكياء ، في عهد الملك هنري السابع (1485-1509) ، قال أن الإنكليز يعتقدون بعدم وجود من يماثلهم من الناس حتى أنهم إذا ما رأوا ((أجنبيا جميلا)) قالوا أنه ((يبدو كأنه إنكليزي)) ونحن نقول أن من حقهم إعتقاد ذلك لأن لكل أمة أساطيرها أما نحن ، وفي تجربتنا الحالية مع الإنجليز ، فمن حقنا أن نقول كلما رأينا مراوغا ومنافقا وعدوانيا وخادما مطيعا لأمراء النفط مجرمي الحرب أن نقول (( يبدو كأنه إنكليزي)).